إظهار الحق/الفصل الثاني: في دفع المطاعن
الفصل الثاني: (في دفع المطاعن)
اعلم أرشدك الله تعالى في الدارين أن المسيحيين يدعون أن الأنبياء إنما يكونون معصومين في تبليغ الوحي فقط، تقريراً كان أو تحريراً. وأما في غير التبليغ، فليسوا بمعصومين لا قبل النبوّة ولا بعدها. فيصدر عنهم بعدها جميع الذنوب قصداً، فضلاً عن الخطأ والنسيان، فيصدر عنهم الزنا بالمحارم فضلاً عن الأجنبيات، ويصدر عنهم عبادة الأوثان، وبناء المعابد لها، ولا يخرج عندهم نبي من إبراهيم إلى يحيى عليهما السلام لا يكون زانياً أو من أولاد الزنا أعاذنا الله من أمثال هذه العقائد الفاسدة في حق الأنبياء عليهم السلام.
وقد عرفت في الأمر السابع من مقدمة الكتاب، وفي الفصل الثالث والرابع من الباب الأول، وفي المقصد الأول من الباب الثاني أن ادعاءهم العصمة في التبليغ أيضاً باطل لا أصل له على أصولهم. ويصدر هذا الادعاء عنهم لتغليط العوام، فمطاعنهم على محمد ﷺ في بعض الأمور التي يفهمونها ذنوباً في زعمهم الفاسد، لا تقدح في نبوته على أصولهم. وإني وإن كنت أستكره أن أنقل ذنوب الأنبياء والكفريات المفتريات عن كتبهم ولو إلزاماً، ولا أعتقد في حضرات الأنبياء إنصافهم بهذه الذنوب والكفريات حاشا وكلا. لكني لما رأيت أن علماء بروتستنت أطالوا ألسنتهم إطالة فاحشة في حق محمد ﷺ في الأمور الخفيفة، وجعلوا الخردلة جبلاً لتغليط العوام الغير الواقفين على كتبهم، وكان مظنة وقوع السذج في الاشتباه بتمويهاتهم الباطلة، نقلت بعضها إلزاماً، وأتبرأ عن اعتقادها بألف لسان وليس نقلها إلا كنقل كلمات الكفر، ونقل الكفر ليس بكفر، وقدمت نقلها على نقل مطاعنهم في محمد ﷺ والجواب عنها، وكتب القسيس وليم اسمت من علماء بروتستنت كتاباً في لسان أردو وطبعه في البلد مرزابور من بلاد الهند في سنة 1848 من الميلاد، وسماه طريق الأولياء، وكتب فيه حال الأنبياء من آدم إلى يعقوب عليهم السلام ناقلاً عن سفر التكوين وتفاسيره المعتبرة عند علماء بروتستنت، فأنقل في بعض المواضع عن هذا الكتاب أيضاً.
[1] قصة آدم عليه السلام عندهم مشهورة، وفي الباب الثالث من سفر التكوين مسطورة، وهم يعترفون أنه أذنب عمداً ولم يعترف بذنبه لما طلبه الله، ولم تثبت توبته عندهم إلى آخر حياته في الصفحة 23 من طريق الأولياء: (يا أسفي على أنه لم تثبت توبته وعلى أنه ما استغفر الله لذنبه مرة واحدة أيضاً) انتهى.
[2] في الباب التاسع من سفر التكوين هكذا: 18 (فكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك سام وحام ويافت وحام أبو كنعان) 20 (وبدا نوح فلاح يحرث في الأرض وغرس كرماً) 21 (وشرب خمراً فسكر وتكشف في خبا) 22 (فلما نظر حام أبو كنعان ذلك أي عورة أبيه أنها مكشفة أخبر أخوته خارجاً) 24 (فلما استيقظ نوح من الخمر، وعلم بما عمل به ابنه الأصغر) 25 (فقال ملعون كنعان، فيكون عبد العبيد لأخوته). ففيه تصريح بأن نوحاً شرب الخمر وسكر وصار عرياناً، والعجب أن المذنب بالنظر إلى عورة أبيه هو حام أبو كنعان، والذي عوقب باللعنة ابنه كنعان، وأخذ الابن بذنب الأب خلاف العدل. قال حزقيال في الآية العشرين من الباب الثامن عشر من كتابه: (النفس التي تخطئ فهي تموت، والابن لا يحمل إثم الأب، والأب لا يحمل إثم الابن وعدل العادل يكون عليه، ونفاق المنافق يكون عليه).
ولو فرضنا أنه حمل إثم الأب على الابن خلاف العدل. فما وجه تخصيص كنعان لأن أبناء حام كانوا أربعة، كوش ومصرايم وفوط وكنعان، كما هو مصرح به في الباب العاشر).
[3] في الصفحة 74 من طريق الأولياء في حال إبراهيم هكذا: (لا يعلم حاله إلى سبعين سنة من عمره وهو تربى في الوثنيين، ومضى أكثر عمره فيهم ويعلم أن أبويه ما كانا يعرفان الإله الحق. ويحتمل أن إبراهيم أيضاً كان يعبد الأصنام ما لم يظهر الله عليه، ثم ظهر عليه وانتخبه من أبناء العالم، وجعله عبداً خاصاً) انتهى. فظهر أن المظنون عند المسيحيين أن إبراهيم إلى سبعين سنة من عمره كان يعبد الأصنام. أقول كونه عابد الأصنام إلى أن بلغ سبعين سنة، قريب اليقين، نظراً إلى أصولهم. لأن أهل العالم في هذا الوقت عندهم كانوا وثنيين، وهو تربى فيهم، وأبواه أيضاً كانا منهم. ولم يظهر عليه الرب إلى ذلك الوقت، والعصمة عن عبادة الأوثان ليست بشرط بعد النبوة، فضلاً عن أن تكون شرطاً قبل النبوة. وإذا ظهر حال أبي الأنبياء هذا إلى سبعين سنة من عمره قبل النبوّة، فانقل حاله بعد النبوة.
[4] في الباب الثاني عشر من سفر التكوين هكذا: 11 (فلما قرب أن يدخل إلى مصر، قال لسارة زوجته إني علمت أنك امرأة حسنة) 12 (ويكون إذا رآك المصريون فإنهم سيقولون أنها امرأته ويقتلوني ويستبقونك) 13 (والآن أرغب منك فقولي أنك أختي، ليكون لي خير بسببك، وتحيي نفس من أجلك). فسبب الكذب ما كان مجرد الخوف، بل رجاء حصول الخير أيضاً، بل الخير كان أقوى. ولذلك قدمه وقال ليكون لي خير بسببك، وتحيي نفسي من أجلك. وحصل له الخير أيضاً، كما هو مصرح به في الآية السادسة عشر. على أن خوفه من القتل مجرد وهم، لا سيما إذا كان راضياً بتركها فإنه لا وجه لخوفه بعد ذلك أصلاً، وكيف يجوز العقل أن يرضى إبراهيم بترك حريمه وتسليمها ولا يدافع دونها، ولا يرضى بمثله من له غيرة ما، فكيف يرضى مثل إبراهيم الغيور.
[5] في الباب العشرين من سفر التكوين هكذا: 1 (وارتحل إبراهيم من هناك إلى أرض التيمن، وسكن بين قادس وسور والتحى في جرارا) 2 (قال عن سارة امرأته إنها أختي، ووجه أبي مالك ملك جرارا وأخذها) 3 (فجاء الله إلى أبي مالك في الحلم بالليل، وقال له: هو ذا أنت تموت من أجل الامرأة التي أخذتها لأنها ذات بعل) 4 (ولم يكن أبو مالك قربها، فقال: يا رب أتهلك شعباً باراً لا علم له) 5 (أليس هو القائل إنها أختي، وهي قالت إنه أخي). كذب هناك إبراهيم وسارة مرة ثانية، ولعل السبب هاهنا ما عدا الخوف أيضاً، كان حصول المنفعة، وقد حصلت كما هي مصرحة بها في الآية الرابعة عشر، على أنه لا وجه للخوف إذا كان راضياً بتسليمها بدون المقاتلة في الصفحة 99 من طريق الأولياء هكذا: (لعل إبراهيم لما أنكر كون سارة زوجة له في المرة الأولى، عزم في قلبه أنه لا يصدر عنه مثل هذا الذنب، لكنه وقع في شبكة الشيطان السابقة مرة أخرى بسبب الغفلة) انتهى.
[6] في الصفحة 92 و 93 من طريق الأولياء: (لا يمكن أن يكون إبراهيم غير مذنب في نكاح هاجر، لأنه كان يعلم جيداً قول المسيح المكتوب في الإنجيل، أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى، وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً) انتهى. أقول كما لا يمكن هذا، فكذا لا يمكن أن يكون غير مذنب في نكاح سارة، لأنه كان يعلم جيداً قول موسى المكتوب في التوراة: (لا تكشف أختك من أبيك كانت أو من أمك التي ولدت في البيت أو خارجاً من البيت. وكذا قوله: (أي رجل تزوج أخته ابنة أبيه أو أخته ابنة أمه، ورأى عورتها ورأت عورته، فهذا عار شديد، فيقتلان أمام شعبهما. وذلك لأنه كشف عورة أخته فيكون إثمهما في رأسهما). وكذا قوله: (يكون ملعوناً من يضاجع أخته من أبيه أو أمه). كما عرفت في الباب الثالث من هذا الكتاب، ومثل هذا النكاح مساوٍ للزنا عند علماء بروتستنت. فيلزم أن يكون إبراهيم عليه السلام زانياً قبل النبوة وبعدها، ويكون أولاده كلهم من سارة أولاد الزنا، ولو جوز نكاح الأخت في شريعته لزم عليهم تجويز تعدد النكاح أيضاً في تلك الشريعة، فلا اعتراض باعتبار هاجر ولا باعتبار سارة وهو الحق عندنا، لكنه يلزم على أصلهم الفاسد أن هذا النبي أبا الأنبياء، كما كان كاذباً، فكذا كان زانياً من أول عمره إلى آخره، ومع هذا كان خليل الله، أيكون خليل الله مثله.
[7] في الباب التاسع عشر من سفر التكوين هكذا: 30 (فصعد لوط من صاغر وسكن الجبال وابنتاه معه وخاف أن يسكن صاغر وأوى إلى كهف هو وابنتاه معه) 31 (فقالت الكبرى منهما للصغرى إن أبانا قد شاخ وليس رجل على الأرض يستطيع يدخل علينا كالمرسوم لكل الأرض) 32 (فهلمي نسقيه خمراً ونضطجع معه ونقيم من أبينا خلفاً) 33 (فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة ودخلت الكبرى فاضطجعت مع أبيها وهو لم يعلم عند انضجاع ابنته ولا نهوضها) 34 (ولما كان الغد قالت الكبرى للصغرى هو ذا قد اضطجعت البارحة مع أبي فلنسقه خمراً في ليلتنا هذه أيضاً وادخلي فاضطجعي معه فنقيم نسلاً من أبينا) 35 (فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً ودخلت الصغرى فاضطجعت مع أبيها ولم يعلم عند انضجاعها ولا نهوضها) 36 (فحملت ابنتا لوط من أبيهما) 37 (وولدت الكبرى ابناً ودعت اسمه مواب وهو أبو الموابيين إلى يومنا هذا) 38 (وولدت الصغرى أيضاً ابناً ودعت اسمه عمان، أي ابن جنسي فهو أبو العمانيين إلى اليوم).
وفي الصفحة 128 من طريق الأولياء بعد نقل هذا الحال هكذا: (حاله حري أن يبكى عليه ونحن بعد التأسف والخوف والخشية على أنفسنا نتعجب منه، أهو الذي بقي نقي الثوب عن جميع شرور سادوم، وكان قوياً في السلوك على صراط الله، وبعيداً عن جميع نجاسات تلك البلدة وغلب عليه الفسق بعد ما خرج إلى البر، فأي شخص يكون مأموناً في بلد أو بر أو كهف) انتهى كلامه. فلما بكى [ص 304] القسيسون على حاله فلا حاجة لنا إلى الإطالة، وبكاؤهم يكفي غير أني أقول أن مواب وعمان الذين تولدا بالزنا ما قتلهما الله، وقتل الولد الذي تولد بزنا داود عليه السلام بامرأة أوريا، لعل الزنا بامرأة الغير أشد من الزنا بالبنات عندهم، بل هم كانا من المقبولين عند الله. أما مواب فلأن عوبيد جد داود عليه السلام اسم أمه راعوث كما هو مصرح به في الباب الأول من إنجيل متى وراعوث هذه كانت موابية من أولاد مواب، فهي من جدات داود وسليمان وعيسى عليهم السلام، وداود ابن الله البكر وسليمان أيضاً ابن الله وعيسى ابن الله الوحيد، بل الله على زعم المسيحيين. وأما عمان فلأن رحبعام ابن سليمان، من أجداد عيسى عليه السلام، كما هو مصرح به في الباب الأول من إنجيل متى أيضاً، وأمه كانت عمانية من أولاد عمان كما هو مصرح به في الباب الرابع عشر من سفر الملوك الأول، فهي أيضاً من جدات ابن الله الوحيد، بل الله على زعمهم.
والآية التاسعة عشر من الباب الثاني من سفر الاستثناء هكذا: (وتدنو إلى قرب بني عمان احذر تقاتلهم ولا تحترك إلى محاربهم فإني لا أعطيك شيئاً من أرض بني عمان إني أعطيتها بني لوط ميراثاً). فأي شرف لمواب وعمان ولدي الزنا، أزيد من أن بعض بنات الأول صارت جدة معظمة لأبناء الله، بل الله على زعمهم. وبعض بنات الثاني صارت جدة لابن الله الوحيد، بل الله على زعمهم. وأن الله منع بني إسرائيل الذين كانوا أبناء الله بنص التوراة عن توريث أرض أولاده، لكنه بقيت خدشة وهي أنه إذا وصل نسب عيسى عليه السلام باعتبار هاتين الجدتين المعظمتين إلى مواب وعمان صار موابياً وعمانياً، وما كان للعمانيين والموابيين أن يدخلوا جماعة الرب إلى الأبد.
الآية الثالثة من الباب الثالث والعشرين من كتاب الاستثناء هكذا: (والعمانيون والموابيون بعد عشر أحقاب أيضاً لا يدخلون جماعة الرب إلى الأبد).
فكيف دخل عيسى عليه السلام جماعة الرب بل صار رئيسهم، بل ابن الله على زعمهم، وإن قيل أن اعتبار النسب بالآباء لا بالأمهات، فلا يكون عيسى عليه السلام عمانياً ولا موابياً، قلت لو كان كذا يلزم أن لا يكون إسرائيلياً يهودياً أو داودياً سليمانياً أيضاً، إذ حصول هذه الأوصاف له أيضاً من جانب الأم لا الأب، فلا يكون مسيحاً موعوداً به، واعتبار هذه الأوصاف باعتبار الأم وعدم اعتبار كونه عمانياً وموابياً من جهة الجدات، ترجيح بلا مرجح، وهذا وارد على داود وسليمان عليهما السلام أيضاً باعتبار راعوث، لكني لا أطيل الكلام في هذا وأرجع إلى أصل القصة، وأقول: أن لوطاً عليه السلام هذا الذي حاله حري بأن يبكى عليه عند القسيسين، لا شك أنه بحكم الإنجيل بار قديس، لم يقع الوهن عندهم في قديسيته بعد هذه الحركة الشنيعة التي لم يسمع مثلها في الأراذل الذين يكونون مخمورين أكثر الأوقات، لأنهم يميزون في حال الخمر أيضاً بناتهم عن الأجنبيات، وإذ سقط الامتياز بين البنات وغيرها لشدة الخمر، لا يبقى السكران في هذا الوقت قابلاً للجماع كما شهد به المولعون بشرب الخمر، وما سمعنا إلى الآن في الهند أن رذيلاً من الأراذل فعل هذا الأمر في الخمر ببنته أو بأمه، فإذا كان الخمر موصلاً إلى هذه الرتبة، فوا أسفي على حال أهل أوربا من المسيحيين، كيف يرجى نجاة أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم من أيدي الأبناء والآباء والأخوة، لأنهم في أغلب الأوقات يكونون سكرانين رجالهم ونساؤهم، سيما إذا قسنا الحال بالنسبة إلى أراذلهم. والعجب أن هذا القديس كما ابتلي في الليلة الأولى، ابتلي في الليلة الثانية، إلا أن يقال إن هذا الأمر كان أمراً مقضياً ليتولد أبناء الله، بل الله من بعض بناته ويدخل هو في سلسلة نسب ابن الله الوحيد، ومثل هذا لو وقع لبعض آحاد الناس ضاقت عليه الأرض بما رحبت حزناً وهماً، فالعجب من لوط. أعوذ بالله من هذه الخرافات، وأقول إن هذه القصة الكاذبة من المفتريات: في الباب الثاني من الرسالة الثانية لبطرس هكذا: 7 (وأنقذ لوطاً البار مغلوباً من سيرة الأردياء في الدعارة) 8 (إذا كان البار بالنظر والسمع وهو الساكن بينهم يعذب يوماً فيوماً نفسه البارة بالأفعال الأثيمة). فأطلق بطرس البار على لوط عليه السلام ومدحه، فأنا أشهد أيضاً أنه كان باراً برياً مما نسبوه إليه.
[8] في الباب السادس والعشرين من سفر التكوين هكذا: 6 (فمكث إسحاق في جرارة) 7 (وسأله رجال ذلك الموضع عن زوجته، فقال هي أختي لأنه خاف أن يقول أنها زوجته لئلا يقتلوه من أجل حسنها). فكذب إسحاق عمداً أيضاً مثل أبيه، وقال لزوجته أنها أخته. في الصفحة 168 من طريق الأولياء: (زل إيمان إسحاق لأنه قال لزوجته أنها أخته). ثم في الصفحة 169 (يا أسفي إنه لا يوجد كمال في أحد من بني آدم غير الواحد العديم النظير، والعجب أن شبكة الشيطان التي وقع فيها إبراهيم، وقع فيها إسحاق أيضاً، وقال عن زوجته أنها أخته، فيا أسفي أن أمثال هؤلاء المقربين عند الله محتاجون إلى الوعظ) انتهى كلامه. ولما تأسف القسيسون تأسفاً بليغاً على مزلة إيمانه وعدم وجود كمال فيه ووقوعه في شبكة الشيطان التي وقع فيها إبراهيم عليه السلام وكونه محتاجاً إلى الوعظ فلا نطيل الكلام فيه.
[9] في الباب الخامس والعشرين من سفر التكوين هكذا: 29 (فطبخ يعقوب طبيخاً ولما جاء عيسو إليه تعبان من الحقل) 30 (فقال له أطعمني من هذا الطبيخ الأحمر فإني تعبان جداً ولهذا السبب دعى اسمه أدوم) 31 (فقال له يعقوب بع لي بكوريتك) 32 (فأجاب وقال هو ذا أنا أموت فماذا تنفعني البكورية) 33 (فقال له يعقوب احلف لي فحلف له عيسو وباع البكورية) 34 (فقدم يعقوب لعيسو خبزاً ومأكولاً من العدس فأكل وشرب ومضى وتهاون في أنه باع البكورية). فانظروا إلى ديانة عيسو الذي هو الولد الأكبر لإسحاق عليه السلام، أنه باع البكورية، التي كان بها استحقاق منصب النبوة والبركة عنده ما كانا في رتبة هذا الخبز والأدام من العدس، وكذا انظروا إلى محبة يعقوب عليه السلام وإلى جوده، أنه ما أعطى للأخ الأكبر الجائع التعبان هذا المأكول إلا بالبيع وما راعى المحبة الأخوية والإحسان بلا عوض.
[10] من طالع الباب السابع والعشرين من سفر التكوين، علم يقيناً أن يعقوب عليه السلام كذب ثلاث مرات وخادع أباه، وخداعه كما أثر عند إسحاق عليه السلام، أثر عند الله أيضاً، لأن إسحاق عليه السلام كان بصميم قلبه واعتقاده داعياً لعيسو لا ليعقوب عليه السلام، فكما لم يميز إسحاق بين الأخوين في الدعاء، فكذا لم يميز الله بينهما عند إجابة الدعاء، فالعجب أن ولاية الله والنبوة والصلاح تحصل بالمحال. وأنا تذكرت قصة مناسبة لهذا المقام وهي: أن فاجراً من فرقة بانو طلب حشيشاً من الحمّار لأجل حصانه وما أعطاه الحمار فقال إن لم تعطني أدع على حمارك فيموت الليلة، وراح فمات حصانه في تلك الليلة، فلما استيقظ ووجد حصانه ميتاً، حرك رأسه متعجباً فقال: يا عجباً يا عجباً أنه مضى مليونات من السنين على ألوهية إلهنا ولا يميز الحصان من الحمار إلى هذا الحين، دعوت على الحمار وأهلك حصاني، ولو كان حال ديانة أبي الأنبياء الإسرائيلية هكذا أو حال علم الله هكذا، فللمنكر أن يقول: يجوز أن يكون مبنى معاملات الأنبياء الإسرائيلية مع الله أيضاً على الخداع كأبيهم الأعلى، ويجوز أن يكون عيسى عليه السلام وعد الله أن تعطيني قدرة الكرامات، أدع الخلق إلى توحيدك وربوبيتك، لكن الله ما ميز الصدق عن الكذب فأعطاه القدرة فدعا إلى ربوبية نفسه وبغى على الله. أعوذ بالله من هذه الأمور الواهية.
وأنقل بعض فقرات طريق الأولياء من الصفحة 179 و 180 و 181، قال أولاً: (هذا مقام غاية الخوف أن مثل هذا الشخص تفوه بكذب بعد كذب وأشرك اسم الله في خداعه)، ثم قال ثانياً: (قال يعقوب قولاً هو نهاية الكفران إرداة الله كانت أني وجدت الصيد سريعاً)، ثم قال ثالثاً: (نحن لا نعتذر من جانب يعقوب في هذا الأمر بعذر ما وليتنفر كل صالح وليفر عن مثل هذا الأمر)، ثم قال رابعاً: (خلاصة الكلام أنه أساء ليحصل الخير وفي الإنجيل يجب الجزاء على مثله)، ثم قال خامساً: (كما أذنب يعقوب أذنبت أمه أزيد منه لأنها كانت بانية هذا الفساد وهي أمرت يعقوب بفعل هذه الأمور الخادعة) انتهى.
[11] في الباب التاسع والعشرين من سفر التكوين هكذا: 15 (ثم قال ليعقوب لعل أنك أخي مجاناً تخدمني ما أجرتك) 16 (فكانت له ابنتان اسم الكبرى ليا واسم الصغرى راحيل) 17 (وكان بعيني ليا استرخاء وراحيل جميلة الوجه وحسنة المنظر) 18 (فأحب يعقوب راحيل وقال أنا أتعبد لك براحيل ابنتك الصغرى سبع سنين) 19 (فقال له لابان أنت أحق بها من غيرك فأقم عندي) 20 (وتعبد يعقوب براحيل سبع سنين وكانت عنده مثل أيام قليلة لما دخله من محبتها) 21 (فقال للابان أعطني امرأتي لأني قد أكملت الأيام لكي أدخل إليها) 32 (فجمع لابان جمعاً كثيراً من المحبين وصنع عرساً) 23 (ولما كان المساء أدخل ابنته ليا على يعقوب) 34 (وأعطى لابان أمة اسمها زلفا لابنته ودخل عليها يعقوب كالعادة ولما كان الصبح رآها أنها ليا) 25 (فقال للابان ما هذا الذي صنعت بي ألم أتعبد لك براحيل فلم خدعتني) 26 (أجاب لابان ليس في أرضنا عادة أن تزوج الصغرى قبل الكبرى) 27 (فأكمل الأسبوع هذه فأعطيك الأخرى عوضاً عن العمل الذي تعمل لي سبع سنين أخرى) 28 (ففعل يعقوب هكذا وبعد ما دخل الأسبوع تزوج براحيل) 29 (ودفع لابان إلى ابنته راحيل أمة اسمها بلها) 30 (فدخل على راحيل وأحبها أكثر من ليا وتعبد له وخدمه سبع سنين أخرى) ويرد عليه ثلاثة اعتراضات:
(الأول) أن يعقوب عليه السلام كان يقيم في بيت لابان وكان يرى بنتيه ويعرفهما معرفة جيدة، باعتبار وجوههما وأجسامهما وأصواتهما، وكان في ليا علامة بينة هي استرخاء العينين، فالعجب كل العجب أن تكون ليا في فراشه جميع الليل ويراها ويضاجعها ويلمسها ولا يعرفها، إلا أن يقولوا أنه كان سكراناً كلوط عليه السلام، فكما لم يميز لوط عليه السلام فكذا هو.
(والثاني) أنه أحب راحيل وخدم لأجلها أباها أولاً سبع سنين، وكانت عنده مثل أيام قليلة لأجل عشقها وفرط محبتها، ثم لما خادع لابان وزوجه بنته الكبرى، خاصمه يعقوب، وأخذ راحيل بخدمة سبع سنين أخرى، وهذه الأمور على زعم المسيحيين لا تناسب رتبة النبوة، وكما خادع أباه خودع من صهره.
(والثالث) أنه ما اكتفى على زوجة واحدة، ولا يجوز نكاح امرأتين سيما أختين على زعمهم الفاسد.
واعتذر صاحب طريق الأولياء في الصفحة 189 من كتابه هكذا: (الظاهر أن يعقوب إن لم يخادعه لابان لم يتزوج غير راحيل ولا يستدل بها على جواز تعدد الزوجات، لأنه ما كان بحكم الله ولا برضا يعقوب) انتهى.
أقول: هذا العذر بارد لا يسمن ولا يغني ولا يحصل النجاة ليعقوب عليه السلام عن الحرمة، لأنه ما كان مكرهاً ومجبوراً على النكاح الثاني، وكان عليه أن يكتفي بزوجة واحدة. وأقول: كما قال هذا المعتذر في طعن إبراهيم عليه السلام، أن يعقوب عليه السلام كان يعلم جيداً قول المسيح المكتوب في الإنجيل، أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى الخ. وكذا كان يعلم جيداً قول موسى عليه السلام إن الجمع بين الأختين حرام قطعاً، كما علمت في الباب الثالث. فأحد النكاحين باطل، والامرأة التي كان نكاحها باطلاً يلزم أن يكون أولادها وأولاد أولادها أولاد الزنا، فيلزم على كلا التقديرين كون كثير من الأنبياء الإسرائيلية كذلك والعياذ بالله. فانظروا إلى ديانة المسيحيين إنهم لأجل صيانة أصولهم الفاسدة كيف يتهمون الأنبياء، وينسبون القبائح إليهم. على أن هذا العذر الأعرج، لا يمشي في زلفا، وبلها اللتين تزوجهما يعقوب بإشارة ليا وراحيل كما هو مصرح به في الباب الثلاثين من سفر التكوين، وأولادهما كافة تكون أولاد الزنا على أصولهم.
[12] في الباب الحادي والثلاثين من سفر التكوين هكذا: 19 (وقد كان لابان ذهب ليجز غنمه، وراحيل سرقت أصنام أبيها) 20 (فكتم يعقوب عليه السلام أمره عن حميه، ولم يعلمه أنه هارب) 21 (وهرب هو، وجميع ما كان له، وعبر النهر، وتوجه نحو جبل جلعاد) 22 (وبلغ لابان في اليوم الثالث أن يعقوب قد هرب) 23 (فأخذ لابان أخوته، وتبعه مسيرة سبعة أيام ولحقه في جبل جلعاد) 29 (وقال ليعقوب: لماذا فعلت هكذا، وسقت بناتي خفياً عني مثل من قد سبي بالسيف) 30 (والآن قد انطلقت، وإنما حملك على ذلك الشهوة أن تمضي إلى بيت أبيك فلم سرقت آلهتي) 31 (أجاب يعقوب الخ) 32 (وأما ما توبخني به في سرقته فمن وجدت عنده آلهتك يقتل قدام أخوتنا الخ) 33 (فدخل لابان إلى خباء يعقوب وليا والأمتين فلم يجدها، ولما دخل إلى خباء راحيل) 34 (فهي أسرعت، وخبت الأصنام تحت حداجة جمل، وجلست عليه، ففتش لابان الخباء كله، ولم يجد شيئاً) 35 (وقالت لا تؤاخذني يا سيدي إني لا أستطيع النهوض نحوك لأني في علة النساء، وفتش لابان جميع ما في البيت فلم يجد).
فانظروا إلى راحيل كيف سرقت أصنام أبيها، وكيف كذبت، والظاهر أنها سرقت لعباداتها، كما يدل عليه ظاهر عبارة الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين، كما ستعرف في الشاهد الآتي، ولأنها كانت من بيت الوثنيين وأن أباها كان وثنياً يعبد الأصنام، كما دلت عليه الآية الثلاثون، والثانية والثلاثون والظاهر أنها تكون على دين أبيها، فهذه الزوجة المحبوبة ليعقوب عليه السلام كانت سارقة، كاذبة، وعابدة للأصنام.
[13] في الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين هكذا: 2 (وقال يعقوب لأهله، وجميع من معه اعزلوا الآلهة الغرباء من بينكم وتطهروا، وأبدلوا ثيابكم) 4 (فدفعوا له جميع الآلهة الغرباء التي كانت في أيديهم والأقرطة التي كانت في آذانهم، فدفنها تحت البطمة التي عند شخيم).
والظاهر من هذه العبارة أن أهل بيت يعقوب عليه السلام، ومن معه إلى هذا الحين كانوا يعبدون الأصنام، وهذا الأمر بالنظر إلى بيته شنيع جداً أما نهاهم قبل هذا عن عبادة الأوثان، وإذا دفعوا إليه جميع الآلهة الغرباء، فالظاهر أن راحيل أيضاً دفعت الآلهة المسروقة أيضاً، فكان على يعقوب عليه السلام أن يرسلها إلى لابان لا أن يدفنها تحت البطمة التي عند شخيم، ويعذر راحيل على سرقتها.
[14] في الباب الرابع والثلاثين من سفر التكوين هكذا: 1 (وخرجت دينا ابنة ليا لتنظر إلى بنات ذلك البلد) 2 (فنظرها شخيم بن حمور الحاوي، رئيس الأرض فأحبها فأخذها وضاجعها وذلها) 3 (وتعلقت نفسه بها، وأحبها وكلمها بما وافقها، ووقع بقلبها) 4 (فقال شخيم لحمور أبيه خذ هذه الجارية لي زوجة) 8 (فكلمهم حمور) الخ 13 (فأجاب بنو يعقوب الخ) 14 (لا نستطيع نصنع ما تطلبان، ولا أن نعطي أختنا لرجل أغلف فإن ذلك عار علينا) 15 (بهذا نشبهكم إذا ما صرتم مثلنا لكي تختنوا كل ذكوركم) 24 (فارتضى جميعهم واختتن كل من كان منهم ذكراً) 25 (فلما كان اليوم الثالث وقد بلغ منهم الوجع جداً، أخذ ابنا يعقوب شمعون ولاوى أخوا دينا، كل واحد منهما سيفه، ودخلا المدينة على طمأنينة، وقتلا كل ذكر) 26 (وحمور، وشخيم ابنه، وأخذا دينا [ص 312] أختهما من بيت شخيم) 27 (وخرجا ودخل بنو يعقوب على القتلى، ونهبوا المدينة التي فضحت فيها دينا أختهم) 28 (وأخذوا غنمهم، وبقرهم، وحميرهم، وكل ما في البيوت، وكل ما في الحقل وسبوا صبيانهم، ونساءهم).
فانظروا إلى عصمة دينا بنت يعقوب أنها زنت، وتعشقت بشخيم كما يدل عليه قوله: ووقع بقلبها. وانظروا إلى ظلم أبناء يعقوب، أنهم قتلوا ذكور أهل البلدة كلهم، وسبوا نساءهم وصبيانهم، ونهبوا جميع أموالهم. فخطؤهم وظلمهم ظاهر، وخطأ يعقوب عليه السلام أنه لم يمنعهم عن هذه الحركة الشنيعة قبل وقوعها، وما أخذ القصاص منهم، وما رد النساء والصبيان والأموال المسلوبة، وإن كان غير قادر على منعهم، ورد هذه الأشياء، وأخذ القصاص، فكان عليه أن يترك رفاقة هذه الظلمة، على أنه يبعد كل البعد أن يقتل رجلان أهل البلدة كلهم، ولو فرضنا أنهم كانوا في وجع الختان.
[15] في الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين هكذا: (مضى روبيل، وضاجع بلها سرية أبيه فسمع إسرائيل).
فانظروا إلى روبيل الولد الأكبر ليعقوب عليه السلام، أنه زنى بزوجة أبيه، وإلى يعقوب أنه ما أجرى الحد أو التعزيز، لا على ابنه، ولا على هذه الزوجة، والظاهر أن حد الزنا في هذا الوقت كان إحراق الزاني والزانية بالنار، كما يفهم من الآية الرابعة والعشرين من الباب الثامن والثلاثين من سفر التكوين، ودعا على هذا الابن في آخر حياته كما هو مصرح به في الباب التاسع والأربعين من هذا السفر.
[16] في الباب الثامن والثلاثين من سفر التكوين: 6 (وأن يهوذا زوج ابنه بكره عير امرأة اسمها ثامار) 7 (وكان عبر بكر يهوذا رديئاً بين أيدي الرب فقتله الرب) 8 (وقال يهوذا لابنه أونان: ادخل على امرأة أخيك، وكن معها، وأقم زرعاً لأخيك) 9 (فلما علم أونان أن الخلف لغيره كان إذا دخل إلى امرأة أخيه، يفسد على الأرض لئلا يكون زرعاً لأخيه) 10 (فظهر ذلك منه سوء أمام الرب لفعله ذلك، وقتله الرب) 11 (فقال يهوذا لثامار كنته اجلسي أرملة في بيت أبيك حتى يكبر شيلا ابني) الخ 13 (فاعلموا ثامار قائلين هو ذا حموك صاعداً إلى تمنت ليجز غنمه) 14 (فطرحت عنها ثامار ثياب الترمل وأخذت رداء وتزينت، وجلست في قارعة الطريق) الخ 15 (فلما رآها يهوذا ظن أنها زانية لأنها كانت قد غطت وجهها لئلا تعرف) 16 (ودخل عندها وقال لها دعيني أدخل إليك، لأنه لم يعلم أنها كنته. فقالت له: ماذا تعطيني حتى تدخل إليّ) 17 (فقال لها: أنا أرسل لك جدياً ماعزاً من القطان، وهي قالت له: أعطني رهناً حتى ترسله) 18 (فقال يهوذا: أي شيء أعطيك رهناً. فقالت: خاتمك، وعمامتك، وعصاك التي بيدك. فأعطاها لها، ودخل عليها فحبلت منه) 19 (وقامت فمضت، وطرحت عنها لبسها ورداءها، ولبست ثياب ترملها) 24 (فلما كان بعد ثلاثة أشهر أخبروا يهوذا قائلين: زنت ثامار كنتك وهو ذا قد حبلت من الزنا. فقال يهوذا أخرجوها لتحرق) 25 (وإذا هم أخرجوها، أرسلت إلى حميها قائلة: مِنَ الرجل الذي هذه له، حبلت أنا، فاعرف لمن هو الخاتم والعمامة، والعصا) 26 (فعرفها يهوذا، وقال تبررت هي أكثر مني لموضع أني لم أعطها لشيلا ابني، ولكنه لم يعد يعرفها بعد ذلك) 27 (وكان لما دنا وقت الولادة وإذا توأم في بطنها فعند طلقها، الواحد سبق وأخرج يده فأخذت القابلة قرمزاً وربطته في يده قائلة: هذا يخرج أولاً) 29 (فهاضم يده إليه للوقت، وخرج أخوه فقالت: هي لماذا من أجلك انقطع السياح، ولذلك دعت اسمه فارض) 30 (وبعد ذلك خرج أخوه الذي على يده القرمز، فدعت اسمه زارح).
ههنا أمور: الأول: أن الرب قتل عير لكونه رديئاً ورداءته لم تبين أكانت هذه الرداءة أشد من رداءة عمه الكبير حيث زنا بزوجة أبيه، ومن رداءة عميه الآخرين شمعون ولاوى حيث قتلا ذكور أهل البلدة كلهم، ومن رداءة أبيه وجميع أعمامه حيث نهبوا أموال تلك البلدة وسبوا نساءها وأطفالها، ومن رداءة أبيه حيث زنى بزوجته بعد موته. أهؤلاء كانوا قابلين للرأفة وعدم القتل وكان عير قابلاً للقتل فقتله الرب.
والثاني: العجب أن الرب قتل أونان على خطأ عزل المني، وما قتل أعمامه وأباه على الخطيآت المذكورة. أهذا العزل أشد ذنباً من هذه الخطيآت.
والثالث: أن يعقوب لم يجر الحد ولا التعزيز على هذا الولد العزيز ولا على هذه الامرأة الفاجرة، بل لم يثبت من هذا الباب ولا من باب آخر أنه تنغص لأجل هذا الأمر من يهوذا، والباب التاسع والأربعون من سفر التكوين شاهد صدق على عدم تكدره حيث ذم روبيل وشمعون ولاوى على ما صدر عنهم، وما ذم يهوذا على ما صدر عنه، بل سكت عما صدر عنه ومدحه مدحاً بليغاً ودعا له دعاء كاملاً ورجحه على أخوته.
والرابع: أن ثامار شهد في حقها يهوذا صهرها بشدة البر، فسبحان الله نعم البار ونعمت البارة الفائقة في البر من الباب المذكور كيف لا تكون بارة شديدة حيث لم تكشف عورتها إلا لأبي زوجها وما زنت إلا بحميها أو حصلت منه بهذا الزنا الواحد ابنين كاملين.
والخامس: أن داود وسليمان وعيسى عليهم السلام كلهم في أولاد فارض الذي حصل بالزنا كما هو مصرح به في الباب الأول من إنجيل متى.
والسادس: أن الله ما قتل فارض وزارح مع كونهما ولدي الزنا، بل أبقاهما كابني لوط اللذين كانا ولدي زنا، وما قتلهما كما قتل ولد داود عليه السلام الذي تولد بزناه بامرأة أوريا، لعل الزنا بامرأة الغير أشد من الزنا بزوجة الابن.
[17] في الباب الثاني والثلاثين من سفر الخروج هكذا: 1 (ورأى الشعب أن موسى قد تأخر أن يهبط من الجبل فاجتمع الشعب إلى هارون وقالوا له قم فاجعل لنا آلهة يسيرون أمامنا من أجل أن موسى هذا الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا ندري ماذا أصابه) 2 (فقال لهم هارون: انزعوا قرطة الذهب التي في آذان نسائكم وأبنائكم وبناتكن وائتوني بها) 3 (فنزع الشعب الأقرطة التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون) 4 (فأخذها منهم وصيرها عجلاً سبيكاً وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر) 5 (فلما نظر هارون ذلك بنى مذبحاً أمامه ونادى وقال غداً عيد للرب) 6 (فقاموا بالغداة وقربوا وقوداً وذبائح مسلمة وجلس الشعب يأكلون ويشربون وقاموا يلعبون). فظهر من هذه العبارة أن هارون صنع عجلاً وبنى مذبحاً أمامه ونادى وقال: غداً عيد للرب. فعبد العجل وأمر بني إسرائيل بعبادته فقربوا وقوداً وذبائح، ولا شك أنه رسول.
كتب القسيس اسمت في القسم الأول من كتابه المسمى بتحقيق الدين الحق المطبوع سنة 1842 في الصفحة 42: (كما أنه لم يكن بينهم) أي بين بني إسرائيل (سلطان لم يكن بينهم نبي غير موسى وهارون وسبعين من المعينين) انتهى. ثم قال: (لم يكن غير موسى وهارون ومعينيهما نبياً لهم) انتهى. فظهر أن هارون نبي عند المسيحيين.
ولا بد أن يعلم الناظر أني نقلت هاتين العبارتين من النسخة المطبوعة سنة 1842 وكتبت الرد على هذه النسخة، وسميته تقليب المطاعن، ورد صاحب الاستفسار أيضاً على هذه النسخة، وسمعت أن هذا القسيس بعد الرد حرف كتابه فزاد في بعض المواضع ونقص في البعض، وبدل البعض، كما فعل صاحب ميزان الحق في نسخة الميزان مثله، فلا أعلم أن هذا القسيس ألقى هاتين العبارتين في النسخة الأخيرة المحرفة أم لا، وعبارات العهد العتيق تدل على نبوته أيضاً وكونه متبعاً لشريعة موسى عليه السلام لا ينافي نبوته، كما لا ينافي هذا الأمر نبوة يوشع وداود وأشعيا وأرمياء وحزقيال وغيرهم من الأنبياء الإسرائيلية، الذين كانوا ما بين زمان موسى وعيسى عليهم السلام. في الآية السابعة والعشرين من الباب الرابع من سفر الخروج هكذا: (فقال الرب لهارون اذهب وتلق موسى إلى البرية فمضى وتلقى به إلى جبل الله وقبله). وفي الباب الثامن عشر من سفر العدد هكذا: 1 (وقال الرب لهارون) الخ 8 (ثم كلم الرب هارون وقال له) الخ 20 (ثم قال الرب لهارون) الخ. وفي هذا الباب من الأول إلى الآخر هو المخاطب حقيقة. وفي الباب الثاني والرابع والرابع عشر والسادس عشر والتاسع عشر توجد هذه العبارة: (وكلم الرب موسى وهارون وقال لهما) في ستة مواضع. وفي الآية الثالثة عشر من الباب السادس من سفر الخروج هكذا: (فكلم الرب موسى وهارون وأوصاهما وأرسلهما إلى بني إسرائيل وإلى فرعون ملك مصر ليخرجا بني إسرائيل من مصر). فظهر من هذه العبارات أن الله أوحى إلى هارون عليه السلام منفرداً وبشركة موسى عليه السلام، وأرسله إلى بني إسرائيل وفرعون كما أرسل موسى عليه السلام، ومن طالع كتاب الخروج يظهر له أن المعجزات التي صدرت في مقابلة فرعون، ظهر أكثرها على يد هارون عليه السلام، وكانت مريم أخت موسى وهارون عليهما السلام أيضاً، نبيئة كما هو مصرح به في الآية العشرين من الباب الخامس عشر من سفر الخروج هكذا: (وأخذت مريم النبيئة أخت هارون دفاً في يدها) الخ. والآية السادسة والعشرون من الزبور المائة والخامس هكذا: (أرسل موسى عبده وهارون الذي انتخبه). والآية السادسة عشر من الزبور المائة والسادس هكذا: (واغضبوا موسى في المعسكر وهارون قديس الرب). فإنكار صاحب ميزان الحق نبوة هارون في الصفحة 105 من كتابه المسمى بحل الإشكال المطبوع سنة 1847 ليس بشيء.
[18] في الباب الثاني من سفر الخروج هكذا: 11 (وفي تلك الأيام لما شب موسى خرج إلى أخوته وأبصر تعبدهم ورأى رجلاً من أهل مصر يضرب رجلاً من أخوته العبرانيين) 12 (فالتفت إلى الجانبين فلم ير أحداً فقتل المصري ودفنه). فقتل موسى عليه السلام بعصبية قومه المصري.
[19] في الباب الرابع من سفر الخروج هكذا: 10 (فقال موسى أرغب إليك يا رب إني لست برجل فصيح الكلام من أمس ولا من أول منه أيضاً ولا من حين خاطبت عبدك إني ألثغ وثقيل اللسان) 11 (فقال له الرب من الذي خلق فم الإنسان، أو من صنع الأخرس والأصم والبصير والأعمى أليس أنا) 12 (فاذهب وأنا أكون في فيك وأعلمك ما تتكلم) 13 (فأما هو فقال أرغب إليك يا رب أن ترسل من أنت ترسل) 24 (فاشتد غضب الرب على موسى) الخ. فاستعفى موسى عليه السلام عن النبوة، وقد كان الرب وعده وجعله مطمئناً، فاشتد عليه غضب الرب.
[20] في الآية التاسعة عشر من الباب الثاني والثلاثين من سفر الخروج هكذا: (فلما دنا من المحلة وأبصر العجل وجوق المغنيين فاشتد غضب موسى ورمى باللوحين من يده فكسرهما في أسفل الجبل). وهذان اللوحان كانا من عمل الله وخط الله، كما هو مصرح به في هذا الباب، فكسرهما خطأ، ولم يحصل بعد ذلك مثلهما، لأن اللوحين اللذين حصلا بعدهما كانا من عمل موسى ومن خطه، كما هو مصرح به في الباب الرابع والثلاثين من سفر الخروج.
[21] الآية الثانية عشر من الباب العشرين من سفر العدد هكذا: (وقال الرب لموسى وهارون من أجل إنكما لم تصدقاني وتقدساني قدام بني إسرائيل، من أجل ذلك لا تدخلان أنتما بهذه الجماعة إلى الأرض التي وهبت لهم). وفي الباب الثاني والثلاثين من سفر الاستثناء هكذا: 48 (وكلم الرب موسى في ذلك اليوم وقال له) 49 (ارق هذا الجبل عبريم وهو جبل المجازاة إلى جبل نابو الذي في أرض مواب تلقاء أريحاء، ثم انظر إلى أرض كنعان التي أنا أعطيها لبني إسرائيل ليرثوها ثم مت في الجبل) 50 (الذي تصعد إليه ويجتمع إلى شعوبك، كما مات أخوك هارون في هور الطور واجتمع إلى شعبه) 51 (على أنكما عصيتماني في بني إسرائيل عند ماء الخصام في قادس برية صين ولم تطهراني في بني إسرائيل) 52 (فإنك ستنظر إلى الأرض التي أنا أعطيها بني إسرائيل من تلقائها، وأما أنت فلا تدخلها). ففي هاتين العبارتين تصريح بصدور الخطأ عن موسى وهارون عليهما السلام بحيث صارا محرومين عن الدخول في الأرض المقدسة، وقد قال الله زاجراً: إنكما لم تصدقاني وتقدساني وإنكما عصيتماني.
[22] زنى شمسون الرسول بامرأة زانية، كانت في غزة، ثم تعشق امرأة اسمها دليلي التي كانت من أهل وادي شوارق، وكان يدخل إليها، فأمرها كفار فلسطين أن تسأله، كيف يقدر الفلسطانيون عليه ويوثقونه، ولا يقدر هو على كثر الوثاق، ووعدوا العطية الجزيلة. فسألته فكذب ثلاث مرات، فقالت له هذه الفاجرة كيف تقول أنك تحبني وقلبك ليس معي وقد كذبتني ثلاث دفعات، وضيقت عليه بكلامها أياماً كثيرة فأطلعها على كل شيء، وقال: إن حلقوا شعر رأسي زالت عني قوتي وصرت كواحد من الناس. فلما رأت أنه قد أظهر ما في قلبه فدعت رؤساء أهل فلسطين، وأنامته على ركبتها، ودعت الحلاق فحلق سبع خصال شعر رأسه. فزالت عنه قوته، فأسروه وقلعوا عينيه وحبسوه في السجن، ثم استشهد هناك. وهذه القصة مصرح بها في الباب السادس عشر من سفر القضاة وشمسون نبي وتدل على نبوته الآية 5 و 25 من الباب الثالث عشر. والآية 6 و 19 من الباب الرابع عشر، والآية 14 و 18 و 19 من الباب الخامس عشر من السفر المذكور، والآية الثانية والثلاثون من الباب الحادي عشر من الرسالة العبرانية.
[23] في الباب الحادي والعشرين من سفر صموئيل الأول في حال داود، لما فر من خوف شاوول ملك إسرائيل، ووصل إلى نوبا عند أخيملك الكاهن هكذا: 1 (وأتى داود إلى نوبا أخيملك الحبر، فتعجب أخيملك من إتيان داود وقال له لماذا جئت وحدك وليس معك أحد) 2 (فقال داود لأخيملك الكاهن إن الملك أمرني بشيء وقال لي لا يعلم أحد بهذا فيما أبعثك وأمرتك، فأما الفتيان فقد فرضت لهم ذلك الموضع وذلك) 3 (والآن إن كان شيء تحت يدك أو خمسة من الخبز فادفع إلي أو مهما وجدت) 6 (وأعطاه الخبز خبز القدس الخ) 8 (وقال داود لإخيملك أهنا تحت يدك سيف أو حربة، لأن سيفي وحربتي لم آخذ معي، لأن كان أمر الملك مسرعاً). فكذب داود عليه السلام كذباً بعد كذب، وصارت ثمرة هذا الكذب أن شاوول السفاك ملك بني إسرائيل قتل أهل نوبا كلهم، ذكورهم ونساءهم وأطفالهم ودوابهم من البقر والغنم والحمر، وقتل في هذه الحادثة خمسة وثمانون كاهناً، ونجا في هذه الحادثة ابن لإخيملك اسمه ابيثار، وفر ووصل إلى داود عليه السلام. وأقر داود عليه السلام بأني سبب لقتل أهل بيتك كلهم، كما هو مصرح به في الباب الثاني والعشرين من السفر المذكور.
[24] في الباب الحادي عشر من سفر صموئيل الثاني هكذا: (قام داود عليه السلام من فراشه بعد الظهر يتمشى على سطح مجلس ملكه، فأبصر امرأة تغتسل على سطحها وكانت جميلة جداً، فأرسل داود عليه السلام وسأل عن الامرأة وقالوا له إنها بنت شباع امرأة أوريا، فأرسل داود رسلاً وأخذها ونام معها، ثم رجعت إلى بيتها فحبلت وأخبرته وقالت إني قد حبلت. فأرسل داود عليه السلام إلى يواب قائلاً له: أرسل إلى أوريا، فأرسل يواب أوريا، وسأل داود عليه السلام أوريا عن سلامة يواب وعن سلامة الشعب وعن الحرب، ثم قال: انزل إلى بيتك. فخرج أوريا فرقد بباب بيت الملك ولم ينحدر إلى بيته، وأخبروا داود عليه السلام، أن أوريا لم ينزل إلى بيته. فقال داود عليه السلام: لماذا لم تنحدر إلى بيتك. فقال أوريا: تابوت الله وإسرائيل ويهوذا في الخيام وسيدي يواب وعبيد سيدي في القفر وأنا أنطلق إلى بيتي وآكل وأشرب وأنام مع امرأتي، لا وحياتك وحياة نفسك أني لا أفعل هذا. وقال داود عليه السلام: أقم اليوم أيضاً ههنا، وإذا كان الغد أرسلك. وبقي أوريا في أورشليم ذلك اليوم، وفي اليوم الآخر داعه داود عليه السلام ليأكل قدامه ويشرب فسكره، وخرج وقت المساء فنام مكانه على جانب عبيد سيده ولم ينحدر إلى بيته، فلما كان الصباح كتب داود عليه السلام صحيفة إلى يواب، وأرسلها بيد أوريا وقال صيروا أوريا في أول الحرب، وإذا اشتبك الحرب ارجعوا واتركوه وحده ليقتل، فلما نزل يواب حول القرية أقام أوريا في المكان الذي يعلم أن الرجال الشجعان هناك، فخرج أهل القرية فقاتلوا يواب فسقط من الشعب قوم من عبيد داود عليه السلام وأوريا فمات، وأرسل يواب إلى داود عليه السلام وأخبره، وسمعت امرأة أوريا أن زوجها قد مات فناحت عليه، فلما انقضت مناحتها، أرسل داود عليه السلام فأدخلها بيته وصارت له امرأة وولدت له ابناً، وساء هذا الفعل الذي فعل داود أمام الرب) انتهى ملخصاً. وفي الباب الثاني عشر من سفر صموئيل الثاني حكم الرب لداود على لسان ناثان النبي عليهما السلام هكذا: 9 (ولماذا أزريت بوصية الرب وارتكبت القبيح أمام عيني وقتلت أوريا الحيتاني في الحرب وامرأته أخذتها لك امرأة وقتلته بسيف بني عمون) 14 (ولكن لأنك أشمت بك أعداك الرب بهذه الفعلة فالابن الذي ولد لك موتاً يموت) فصدر عن داود ثمانية خطيئات:
(الأولى) أنه نظر إلى امرأة أجنبية بنظر الشهوة، وقد قال عيسى عليه السلام أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه، كما هو مصرح به في الباب الخامس من إنجيل متى.
(والثانية) أنه ما اكتفى على نظر الشهوة، بل طلبها وزنى بها، وحرمة الزنا قطعية، ومن الأحكام العشرة المشهورة. كما قال الله في التوراة لا تزن.
(والثالثة) أن هذا الزنا كان بزوجة الجار، وهذا أشد أنواع الزنا، وذنب آخر كما هو مصرح به في الأحكام العشرة المشهورة.
(والرابعة) ما أجرى حد الزنا لا على نفسه، ولا على هذه الامرأة. والآية العاشرة من الباب العشرين من سفر الأحبار هكذا: (ومن زنى بامرأة لها رجل فليقتل الزاني، والزانية). والآية الثانية والعشرون من الباب الثاني والعشرين من سفر الاستثناء هكذا: (إن اضطجع رجل مع امرأة غيره فكلاهما يموتان الزاني والزانية، وارفع الشر من إسرائيل).
(والخامسة) أن داود عليه السلام طلب أوريا من المعسكر، وأمره أن يذهب إلى بيته، وجل غرض داود عليه السلام أن يلقي على عيبه ستراً، ويكون هذا الحبل منسوباً إلى أوريا. ولما لم يذهب لأجل ديانته، وحلف أنه لا يروح، فأقامه داود عليه السلام اليوم الثاني، وجعله سكران يسقي الخمر الكثير ليروح إلى بيته في حالة الخمار، لكنه لم يرح في هذه الحالة أيضاً مراعياً لديانته، ولم يلتفت إلى زوجته الجميلة التي كانت جائزة له شرعاً وعقلاً. فسبحان الله العزيز حال ديانة العوام عند أهل الكتاب في ترك الأمر الجائز لأجل الديانة هكذا، وحال ديانة الأنبياء الإسرائيلية في ارتكاب الفواحش هكذا.
(والسادسة) أنه لما لم تحصل ثمرة مقصوده على إسكار أوريا، عزم داود عليه السلام على قتله، فقتله بسيف بني عمون، وفي الآية السابعة من الباب الثالث والعشرين من سفر الخروج: (لا تقتل البار الزكي).
(والسابعة) أنه لم يتنبه على خطأه، ولم يتب ما لم يعاتبه ناثان النبي عليه السلام.
(والثامنة) أنه قد وصل إليه حكم الله بأن هذا الولد الذي تولد بالزنا يموت، ومع هذا دعا لأجل عافيته، وصام وبات على الأرض.
[25] في الباب الثالث عشر من سفر صموئيل الثاني، أن حمنون الولد الأكبر لداود زنى بثامار قهراً ثم قال لها أخرجي، ولما امتنعت عن الخروج أمر خادمه فأخرجها، وأغلق الباب خلفها فخرجت صارخة، وسمع داود عليه السلام هذه الأمور، وشقت عليه، لكنه لم يقل لحمنون شيئاً لمحبته له ولا لثامار، وكانت ثامار هذه أختاً لأبي شالوم بن داود عليه السلام يقيناً، ولذلك بغض أبيشالوم حمنون، وعزم على قتله، ولما قدر عليه قتله.
[26] في الآية الثانية والعشرين من الباب السادس عشر من سفر صموئيل الثاني هكذا: (فضربوا لأبيشالوم خيمة على السطح، ودخل على سراري أبيه تجاه جميع إسرائيل) ثم حارب أبيشالوم الأب حتى قتل في تلك المحاربة عشرون ألفاً من بني إسرائيل كما هو مصرح به في الباب الثامن عشر، فابن داود عليه السلام هذا فاق روبيل الولد الأكبر ليعقوب عليه السلام بثلاثة أوجه:
(الأول) أنه زنى بجميع سراري أبيه بخلاف روبيل فإنه زنى بسرية واحدة.
(والثاني) أنه زنى تجاه جميع إسرائيل علانية بخلاف روبيل فإنه زنى خفية.
(والثالث) أنه حارب أباه حتى قتل عشرون ألفاً من بني إسرائيل. وداود عليه السلام مع صدور هذه الأمور عن هذا الخلف السوء، كان وصى رؤساء العسكر أن لا يقتله أحد، لكن يواب خالف أمره، وقتل هذا الخلف السوء، ولما سمع داود عليه السلام بكى بكاءً شديداً، وحزن عليه. وأنا لا أتعجب من هذه الأمور لأن أمثالها لو صدرت عن أولاد الأنبياء، بل الأنبياء، ليست عجيبة على حكم كتبهم المقدسة، بل أتعجب ان زناه بسراري أبيه كان بعدل الرب، وهو كان هيج هذا الزاني، لأنه كان وعده على لسان ناثان النبي عليه السلام لما زنى داود عليه السلام بامرأة أوريا. في الباب الثاني عشر من السفر المذكور هكذا: 11(فهذا ما يقول الرب هو ذا أنا مثير عليك شراً من بيتك، وآخذ نساءك عيانك فأعطي صاحبك فينضجع مع نسائك عيان هذه الشمس) 12 (فإنك أنت فعلت هذا خفياً، وأنا أجعل هذا الكلام أمام جميع إسرائيل، ومقابل الشمس) فوفى الله بما وعد.
[27] في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول هكذا: 1 (وكان سليمان الملك قد أحب نساء كثيرة غريبة، وابنة فرعون، ونساء من بنات الموابيين، ومن بنات عمون، ومن بنات أدوم، ومن بنات الصيدانيين، ومن بنات الحيثانيين) 2 (من الشعوب الذين قال الرب لبني إسرائيل لا تدخلوا إليهم، ولا يدخلوا إليكم لئلا يميلوا قلوبكم إلى آلهتكم، وهؤلاء التصق بهم سليمان بحب شديد) 3 (وصار له سبعمائة امرأة حرة، وثلثمائة سرية، وأغوت نساءه قلبه) 4 (فلما كان عند كبر سليمان أغوت نساءه إلى آلهة أخر، ولم يكن قلبه سليماً للّه ربه مثل قلب داود أبيه) 5 (وتبع سليمان عستروت إله الصيدانيين وملكوم صنم بني عمون) 6 (وارتكب سليمان القبح أمام الرب ولم يتم أن يتبع الرب مثل داود أبيه) 7 (ثم نصب سليمان نصبة لكاموش صنم مواب في الجبل الذي قدام أورشليم، ولملكوم وثن بني عمون) 8 (وكذلك صنع لجميع نسائه الغرباء، وهن يبخرن، ويذبحن لآلهتهن) 9 (فغضب الرب على سليمان حيث مال قلبه عن الرب إله إسرائيل الذي ظهر له مرتين) 10 (ونهاه عن هذا الكلام أن لا يتبع آلهة الغرباء، ولم يحفظ ما أمره به الرب) 11 (فقال الرب لسليمان: إنك فعلت هذا الفعل، ولم تحفظ عهدي ووصاياي التي أمرتك بهن، أشق شقاً ملكك، وأصيره إلى عبدك). فصدر عن سليمان عليه السلام خمس خطيئات:
(الأولى) وهي أعظمها أنه ارتد في آخر عمره، الذي هو حين التوجه إلى الله. وجزاء المرتد في الشريعة الموسوية الرجم، ولو كان نبياً ذا معجزات كما هو مصرح به في الباب الثالث عشر، والسابع عشر من سفر الاستثناء، ولا يعلم من موضع من مواضع التوراة، أنه يقبل توبة المرتد، ولو كان توبة المرتد مقبولة، لما أمر موسى عليه السلام بقتل عبدة العجل، حتى قتل ثلاثة وعشرين ألف رجل على خطأ عبادته.
(والثانية) أنه بنى المعابد العالية للأصنام في الجبل قدام أورشليم، وهذه المعابد كانت باقية مئتين سنة حتى نجسها، وكسر الأصنام يوسنا بن آمون ملك يهوذا في عهده، بعد موت سليمان عليه السلام بأزيد من ثلثمائة وثلاثين سنة، كما هو مصرح به في الباب الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني.
(والثالثة) أنه تزوج نساء من سفر الشعوب، التي كان الله منع من الالتصاق بهم، في الباب السابع من الاستثناء هكذا: (ولا تجعل معهم زيجة فلا تعط ابنتك لابنه، ولا تتخذ ابنته لابنك).
(والرابعة) تزوج ألف امرأة، وقد كانت كثرة الأزواج محرمة على من يكون سلطان بني إسرائيل في الآية السابعة عشر من الباب السابع عشر من سفر الاستثناء هكذا: (ولا تكثر نساؤه لئلا يخدعن نفسه).
(والخامسة) أن نساءه كن يبخرن ويذبحن للأوثان، وقد صرح في الباب الثاني والعشرين من سفر الخروج: (من يذبح للأوثان فليقتل). فكان قتلهن واجباً، وأيضاً أنهن أغوين قلبه، فكان رجمهن واجباً على ما هو مصرح به في الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء، وهو ما أجرى عليهم الحدود إلى آخر حياته.
فالعجب أن داود وسليمان عليهما السلام ما أجريا حدود التوراة على أنفسهما، ولا على أهل بيتهما فأية مداهنة أزيد من هذا، أهذه الحدود التي فرضها الله للإجراء على المساكين المفلوكين فقط. ولم تثبت توبة سليمان عليه السلام من موضع من مواضع العهد العتيق، بل الظاهر عدم توبته لأنه لو تاب لهدم المعابد التي بناها، وكسر الأصنام التي وضعها في تلك المعابد، ورجم تلك النساء المغويات. على أن توبته ما كانت نافعة لأن حكم المرتد في التوراة ليس إلا الرجم، وما ادعى صاحب ميزان الحق في الصفحة الخامسة والخمسين من طريق الحياة المطبوعة سنة 1847 من توبة آدم وسليمان عليهما السلام، فادعاء بحت وكذب صرف.
[28] قد عرفت في الأمر السابع من مقدمة الكتاب أن النبي الذي كان في بيت أيل كذب في تبليغ الوحي، وخدع رجل الله المسكين، وألقاه في غضب الرب وأهلكه.
[29] في الباب العاشر من سفر صموئيل الأول في حق شاوول ملك إسرائيل السفاك المشهور هكذا: 10 (وأتوا إلى الرابية وإذا صف من الأنبياء استقبله، وحل عليه روح الرب فتنبأ بينهم) 11 (وحينما نظره الذين يعرفونه من أمس، وقبل من الأمس فإذا هو مع الأنبياء متنبي، قال كل امرئ منهم لصاحبه: ما هذا الذي أصاب ابن قيس شاوول في الأنبياء) 12 (فأجاب بعضهم البعض وقالوا: من أبوهم من أجل هذا صار مثلاً هل أيضاً شاوول في الأنبياء) 13 (وفرغ مما تنبيء فأتى إلى الخضيرة).
والآية السادسة من الباب الحادي عشر من سفر صموئيل الأول هكذا: (فاستقام روح الله على شاوول حين سمع هذا القول، واحتمى غضبه جداً).
يعلم من هذه العبارات أن شاوول كان مستفيضاً بروح القدس، وكان يخبر عن الحالات المستقبلة.
وفي الباب السادس عشر من السفر المذكور: (وابتعد روح الله من شاوول وصار روح ردي يعذبه بأمر الرب).
ويعلم منه أن هذا النبي سقط عن درجة النبوة فابتعد عنه روح الله، وتسلط عليه روح الشيطان.
وفي الباب التاسع عشر من السفر المذكور هكذا: 23 (فانطلق شاوول إلى نويت التي في الرامة، وحلت عليه أيضاً روح الرب، فجعل يسير ويتنبأ حتى انتهى الأمر إلى نويت في الرامة) 24 (وخلع هو ثيابه وتنبا هو أيضاً أمام صموئيل، وسقط عريان نهاره ذلك كله وليلته تلك كلها، فصار مثلاً هل شاوول في الأنبياء).
فحصل لهذا النبي الساقط عن درجة النبوة هذه الدرجة العليا مرة أخرى، ونزل عليه روح القدس نزولاً قوياً، بحيث رمى ثيابه وصار عرياناً، وكان على هذه الحالة يوماً بليلته، فهذا النبي الجامع بين الروح الشيطاني والرحماني، كان مجمع العجاب، فمن شاء فلينظر حال ظلمه وعتوه في السفر المذكور.
[30] يهوذا الأسخريوطي كان أحد الحواريين، وكان مستفيضاً بروح القدس، وممتلئاً عنة، صاحب الكرامات، كما هو مصرح به في الباب العاشر من إنجيل متى، وهذا النبي باع دينه بدنياه، وسلم عيسى عليه السلام بأيدي اليهود بطمع ثلاثين درهماً، ثم خنق نفسه ومات، كما هو مصرح به في الباب السابع والعشرين من إنجيل متى، وشهد يوحنا في حقه في الباب الثاني عشر من إنجيله أنه كان سارقاً، وكان الكيس عنده، وكان يحمل ما يلقى فيه. أيكون النبي مثل هذا السارق البائع دينه بدنياه.
[31] فر الحواريون الذين هم في زعمهم أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيلية عليهم السلام، في الليلة التي أخذ اليهود فيها عيسى عليه السلام وتركوه في أيدي الأعداء، وهذا ذنب عظيم، وإن قيل أن هذا الأمر إن صدر عنهم لجبنهم، والجبن أمر طبعي. أقول: لو سلم هذا فلاعذر لهم في شيء آخر، هو كان أسهل الأشياء، وهو أن عيسى عليه السلام كان في غاية الاضطراب في هذه الليلة، وقال لهم إن نفسي حزينة جداً، امكثوا ههنا واسهروا معي، ثم تقدم قليلاً للصلاة، ثم جاء إليهم فوجدهم نياماً، فقال لبطرس أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة، اسهروا وصلوا. فمضى مرة ثانية للصلاة ثم جاء فوجدهم نياماً فتركهم ومضى ثم جاء إلى تلاميذه وقال لهم ناموا واستريحوا. كما هو مصرح به في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى. ولو كان لهم محبة ما لما فعلوا هذا الأمر، ألا ترى أن العصاة من أهل الدنيا إذا كان مقتداهم أو قريب من أقاربهم في غاية الاضطراب، أو المرض الشديد في ليلة، لا ينامون في تلك الليلة ولو كانوا أفسق الناس.
[32] أن بطرس الحواري الذي هو رئيس الحواريين، وخليفة عيسى عليه السلام على ادعاء فرقة كاتلك، وإن كان متساوي الأقدام في الأمر المتقدم مع الحواريين الباقين، لكنه حصل له الفضل بأن اليهود لما أخذوا عيسى عليه السلام، تبعه من بعيد إلى دار رئيس الكهنة، فجلس خارج الدار فجاءت جارية قائلة: وأنت كنت مع يسوع الجليلي. فأنكر قدام الجميع، ثم رأى أخرى وقالت للذين هناك، هذا كان مع يسوع الناصري. فأنكر أيضاً يقسم إني لست أعرف هذا الرجل، وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس حقاً أنت أيضاً منهم، فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف: إني لا أعرف هذا الرجل. وللوقت صاح الديك، فتذكر بطرس كلام عيسى عليه السلام، إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات كما هو مصرح به في الباب السادس والعشرين من إنجيل متى. وقد قال المسيح عليه السلام له: اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما للّه، لكن تهتم بما للناس، كما هو مصرح به في الباب السادس عشر من إنجيل متى. وكتب مقدسهم بولس في الباب الثاني من رسالته إلى أهل غلاطية هكذا: 11 (ولكن لما أتى بطرس إلى أنطاكية، قاومته مواجهة لأنه كان ملوماً) 12 (لأنه قبل ما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم، ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه خائفاً من الذين هم من أهل الختان) 13 (ورأى معه باقي اليهود أيضاً حتى أن برنابا أيضاً انقاد إلى ريائهم) 14 (لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل، قلت لبطرس قدام الجميع إن كنت وأنت يهودي تعيش أممياً، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا). وكان بطرس يتقدم على الحواريين في القول، لكنه في بعض الأوقات لا يدري ما يقول كما صرح به في الآية الثالثة والثلاثين من الباب التاسع من إنجيل لوقا، وفي الرسالة الثانية من كتاب الثلاث عشرة رسالة المطبوعة سنة 1849 في بيروت في الصفحة 60: (أن أحد الآباء يقول إنه كان به شديداً داء التجبر والمخالفة). يوحنا فم الذهب مقاله 82 و 83 في متى ثم في الصفحة 61: (يقول فم الذهب أنه كان ضعيفاً متخلخل العقل، والقديس اغوستينوس يقول عن بطرس: أنه كان غير ثابت لأنه كان يؤمن أحياناً ويشك أحياناً، وتارة يعرف أن المسيح غير مائت، وتارة يخاف أن يموت، وكان المسيح يقول له مرة طوبى لك، وأخرى يقول له يا شيطان) انتهى بلفظه.
فهذا الحواري عندهم أفضل من موسى وسائر الأنبياء الإسرائيلية، فإذا كان حال الأفضل من موسى كما علمت. فماذا يعتقد في حق المفضولين.
[33] كان رئيس الكهنة قيافا نبياً بشهادة يوحنا في الآية الحادية والخمسين من الباب الحادي عشر من إنجيل يوحنا، قوله في حق قيافا في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1841 وسنة 1844 هكذا: (ولم يقل هذا من نفسه، لكن من أجل أنه كان عظيم الكهنة في تلك السنة، فتنبأ أن يسوع كان مزمعاً أن يموت بدل الأمة). فقوله تنبأ يدل على نبوته، وهذا النبي أفتى بقتل عيسى عليه السلام، وكفره وأهانه، فلو كانت هذه الأمور بالنبوة والإلهام، فعيسى عليه السلام واجب الرد والعياذ بالله. وإن كانت بإغواء الشيطان، فأي ذنب أكبر من هذه. وأكتفي على هذا القدر وأقول أن الذنوب المذكورة وأمثالها، مصرح بها في كتب العهدين، ولم تقدح هذه الذنوب في نبوة أنبيائهم، أفلا يستحيون أن يعترضوا على (محمد) ﷺ في أمور خفيفة.