وصايا الملوك وصية يشجب بن يعرب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن يشجب بن يعرب ثبت على وصية أبيه دون غيره من سائر إخوته وعشيرته، فساد الجميع بثباته على هذه الوصية، وحفظه إياها وعمله بها.

قال وسألت بعض النَّسابين عن إخوته بني يعرب، فقال: العمالقة إخوته فئتان؛ أما الفئة الأولى فمن ولد إرم بن سام بن نوح النبي ، وأما الفئة الأخرى الذين كانوا سكان مكة وما حولها فمن ولد يعرب بن قحطان إخوتهم طسم وجديس والحي جرهم الأولى وعاد الصغرى. فكأن يشجب سادها ولاء من إخوته، وساد عشيرته التي منها آباؤه من ولد سام بن نوح النبي .

وحدّثنا علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن يشجب بن يعرب بن قحطان وصى بنيه، فقال لهم: بني إني لم أسُد إخوتي وعشيرتي إلا بحفظي وصية أبي يعرب بن قحطان وبعملي بها وثباتي عليها. وإن أبي يعرب بن قحطان لم يسد إخوته وعشيرته إلا بحفظه وصية أبيه قحطان بن هود النبي وبعمله بها وثباته عليها، وإن جدي قحطان بن هود النبي لم يسد قومه وإخوته إلا بحفظه وصية أبيه هود النبي وبعمله بها وثباته عليها. فابقوا على ما وجدتموني عليه، وهو الذي أنهيته إليكم كلاماً وشعراً مما وصاني به أبي. وقد حفظتم الكل، فاثبتوا علي، واعملوا به، والله يخلفني عليكم، ثم الرشيد المهتدي منكم. وأنشأ يقول: " من البسيط "

أوصى النبي ابنه قحطان جدِّي بما
وصَّى بنيه أبي من بعدِ قحطانِ
علمٌ حواهُ أبي من دونِ إخوتهِ
وحُزتُه بعدَه من دونِ إخواني
وزادَني يعربٌ من بعدِهِ شيماً
وصّى بنيه بها يوماً ووصَّاني
حفظتُها حينما غيري استهان بها
وحفظُها آخرَ الأيامِ من شاني
أعبدَ شمسٍ أبيتَ اللعنَ من خلفٍ
هل أنتَ بعدي لنا في مُلكنا ثانِ
هل أنتَ تحفظُ عنِّي ما حفظتُ وما
بهِ ثبتتُ لكم مُلكي وسُلطاني
بلى رأيتك هشاً ماجداً فطناً
وقد إخالُكَ ظناً غيرَ إعلانِ

قال علي بن محمد، قال الدعبل بن علي: فيقال إن عبد شمس بن يشجب حفظ وصية أبيه وثبت عليها وعمل بها، فساد الجميع من إخوته وعشيرته وأهل بيته، وكان ملك الجميع وعمادهم، وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود النبي ، واسمه عبد شمس بن يشجب. ويقال: إنه أول من سبى السبايا وأسر الأعادي فلذلك سمي سبأ، وهو عبد شمس بن يشجب بن يعرب، وهو أبو حمير وكهلان. ويقال: إنه أغار على بابل بالخيل والرجال، ففتحها، وأخذ إتاوتها، وضرب بالخيل في الأرض، فكان لا يذكر له بلد إلا قصدها بالخيل والرجال وفتحها. وهو أول من فتح البلاد، وأخذ الإتاوة من أهلها،وفيه يقول بعض أهل زمانه:

لقد مَلَكَ الآفاقَ من حيثُ شرقها
إلى الغربِ منها عبدُ شمسِ بن يشجبِ
لهُ مُلكُ قحطان بنِ هودٍ وراثةً
عن اسلاف صدق من جدود ومرأبِ
فما مِثلُ قحطان السماحةِ والندى
ولا كابنهِ ربِّ الفصاحةِ يعربِ
ومن كالمُصفَّى عبدِ شمسِ بن يشجُبٍ
إذا عُدَّ خيرُ الناس من خيرِ منصبِ
سما بالجيادِ الأعوجيةِ والقَنَا
إلى بابلٍ في مقنبٍ بعد مقنبِ
فآب بأبكارٍ وحُورٍ أوانسٍ
مع الخَرجِ منها في الخميسِ العصبصبِ
ورعَّلَ فيها الخيلَ شرقاً ومغرِباً
فمَشرِقُها يُجبى له بعد مغربِ

وحدّثنا علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن عبد شمس وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود النبي جمع أهل مملكته ووجوه أهل بيته وعشيره، وأجلس ابنه حمير عن يمينه، وأجلس ابنه كهلان عن شماله، ثم قال لهم: أيها الناس، هل يصلح ليميني أن تقطع شمالي، أو يصلح لشمالي أن تقطع يميني؟ فقالوا بأجمعهم: أيها الملك، إنه لا يصلح شيء مما ذكرت. فقال لهم: إن أنتم إن همت يميني لقطع شمالي أو همت شمالي لقطع يمين وأكون غافلاً عنهما لا أسُدُّ الشِّمال عن اليمين ولا أسُدُّ اليمين عن الشمال فما أنتم صانعون؟ قالوا: نمنع اليمين عن الشمال، ونمنع الشمال عن اليمين. فقال لهم أعطوني العهود والمواثيق على وفائكم بما تكلمتم به وقلتم إنكم تفعلونه في يميني وشمالي. قال: فأعطوه العهود والمواثيق على ذلك.

ثم قال: أيها الناس إني لم أرد بيميني وشمالي إلا حمير وكهلان، وإني لن آمن أن يختلفا بعدي في الأمر، ولم آخذ العهود والمواثيق عليكم إلا لتحولوا بين من يروم من هذين لصاحبه سوءاً أو خلافاً، وأن لا يطلب أحدهما بعدي أكثر مما يقسم له في مجلسنا هذا.

ثم قال لهم: أيها الناس، إن حمير أكبر من كهلان، وحقه أن يكون عن يميني، وإن كهلان أصغر من حمير، وحقه أن يكون عن شمالي، وإن نصيب حمير من ملكي مثل نصيب يميني من بدني، فانظروا - معشر الناس - ما يصلح لليمين، فادفعوه إلى اليمين، وما يصلح للشمال فادفعوه إلى الشمال.

قال: فدفعوا إلى اليمين السيف والقلم والسَّوط، وحكموا لليمين بذلك. وقالوا: هذه ثلاثة أشياء تعمل بها اليمين، ولا تعمل بها الشمال. ودفعوا إلى الشمال العنان والترس والقوس. وقالوا: هذه ثلاثة أشياء تعمل بها الشمال دون اليمين؛ أما القوس فإنه لا بد للشمال من معونة اليمين في القوس. قال: ثم حكموا بأن صاحب السيف لا يصلح له إلا الثبات والوقوف في موضعه، وحكموا أن صاحب القلم لا يكون إلا مدبراً فاتقاً راتقاً. وحكموا أن صاحب السوط لا يكون إلا رابضاً سائساً. ثم حكموا أن الفتق والرتق والثبات والوقوف والتدبير والرياضة والسياسة لا يكون إلا للملك الأعظم الراقد في دار المملكة، وهو حمير. قال: ثم حكموا أن العنان يقود أعنة الخيل للذب عن الملك ومكابدة الأعداء حيث كانوا. وحكموا أن الترس يرد به البأس، ويدرأ به الحد وتقهر به الحروب عند التلاقي، وتتجشم به المعارك. وحكموا أن القوس ينال بها المناوئ والمناصي على البعد منها. ثم حكموا قيادة أعنة الخيل والمكابدة للأعداء حيث كانوا ورد البأس ودفع الحد وقهر الحروب عند التلاقي ومناوأة الأعداء ومناصاتها لا يصلح إلا لصاحب الدولة والذاب عنها والرامي عن جمرتها والساد لخللها والقائم بحروبها وفتوحاتها وإصلاح الثغور وسدها عنها، وهو كهلان.

قال: فتقلد حمير الملك الراتب في دار المملكة وسمي أيمن، لجلوسه عن يمين أبيه، وتقلد كهلان الأطراف وأعمالها وثغورها ومناوأة العدو حيث كان. على أن لكهلان على حمير المعونة في ذلك مثل معونة اليمين للشمال بالرمي بالقوس، وحكموا أن معونة اليمين للشمال بالرمي بالقوس والنزع والنبل، وهما في غير القوس المال والنجدة، وكان لحمير على كهلان الطاعة وكفاية ما تقلده كهلان،ففي ذلك يقول هي بن بيّ بن جرهم: " من البسيط "

ما سادَ هذا الورى أبناءُ قحطانِ
إلا لفضلٍ لهم قِدماً وإحسانِ
ما في الأنام لهم حيٌّ يشاكلهمْ
ولا لواحدهمْ في الأرضِ من ثانِ
لم يشهدوا الناس في بدو ولا حضر
حكماً كحكم عظيمِ المُلكِ والشانِ
سبا بن يشجب لابنيه وإنَّهما
للسيدانِ الرفيعانِ العظيمانِ
أعطى ابنه حميراً منهُ اليمينَ وقد
أعطى الشِّمالَ ابنه المُسمى بكهلانِ
وقال يُقسمُ ملكي اليوم بينهما
وقسمةُ الملكِ للاثنان سهمانِ
تُعطى اليمينُ الذي تسطو اليمينُ به
فيما تعانيهِ من سرٍّ وإعلانِ
وللشِّمال الذي تسطوا الشمال بهِ
عندَ النوائبِ من بأسٍ وسلطانِ
والسَّيفُ والسَّوطُ صارا لليمينِ معاً
وذلك القلمُ الجاري ببرهانِ
والقوسُ والتُّرسُ صارا للشِّمالِ وقد
صار العنانُ لهما والمُلكُ نصفانِ
فصار هذا بتاج المُلكِ مُعتصباً
دونَ الجحاجحِ من أولادِ قحطانِ
وصارَتِ الخيلُ تحمي الأرضَ قاطبةً
ومن عليها لهذا الآخرِ الثَّاني

قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال إن حمير وكهلان لم يزالا على ذلك وأولادهما من بعدهما وأولاد أولادهما لحمير على كهلان بالطاعة، ولكهلان على حمير المال والنجدة، والملوك الرَّاتبة في دار المملكة من حمير، والملوك في الأطراف والثغور من كهلان.

وصايا الملوك دعبل الخزاعي

مقدمة | وصية هود النبي عليه السلام | وصية قحطان بن هود | وصية يعرب بن قحطان | وصية يشجب بن يعرب | وصية حمير بن سبأ | وصية زهير بن أيمن | وصية عريب بن زهير | وصية تبع بن عمرو | وصية يزيد بن هاشم | وصية كهلان بن سبأ | وصية زيد بن كهلان | وصية مازن بن الأزد | وصية ثعلبة بن مازن | وصية ماء السماء | وصية عمرو بن عامر | وصية أفصى بن حارثة | وصية عمرو بن لحي الخزاعي | وصية جفنة بن ثعلبة | وصية الحارث بن ثعلبة بن جفنة | وصية عمرو بن الحارث | وصية كندة | وصية واثلة بن كندة | وصية معاوية الأكرمين | وصية عمرو المفضور | وصية معديكرب | وصية همدان بن أوسلة | وصية جشم بن حبران | وصية أدد بن مالك | وصية أود بن مالك | وصية مراد بن سعد | وصية الحارث بن كعب