نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/سعد بن أبي وقاص

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

هو أبو إسحاق سعد بن مالك بن أُهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كِلاَب القرشي الزهري رضي الله عنه، كان أحد السابقين إلى الإسلام، ففي صحيح البخاري عنه أنه قال: لقد مكثت سبعة أيام وإني لثالث ثلاثة في الإسلام، وهو أحد الفرسان المعدودين بألف فارس، وأحد العشرة المبشرين بالجنة وآخرهم موتًا، وأحد ستة الشورى الذين عيَّنهم الفاروق للخلافة وعهد إلى واحد منهم يعينه بقيتهم وقال في وصيته: إن أصابته الإمْرَةُ فذاك، وإلا فلْيستعن به الوالي؛ فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة.

قال ابن إسحاق في المغازي: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يستخفون بصلاتهم فبينا سعد في شِعب من شِعاب مكة في نفر من الصحابة؛ إذ ظهر عليهم المشركون فنافروهم وعابوا عليهم دينهم حتى قاتلوهم فضرب سعد رجلًا من المشركين بلَحِى جمل فشجَّه فكان أول دم أريق في الإسلام.

وروى الشيخان والترمذي والنسائي من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أرِقَ ليلة فقال: ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني؛ إذ سمعنا صوت السلاح، فقال: «من هذا»؟ قال: أنا سعد، فقام، وفي رواية: فدعا له.

وروى الترمذي من حديث جابر، قال: أقبل سعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا خالي فليُرِنِي أمرؤ خالَه».

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سعد بن أبي وقاص يعدّ بألف فارس» أخرجه المُلاَّ في «سيرته».

حضر المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله في سريَّة عُبيدة بن الحارث حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى رابغ لتلقي عِير قريش، فتراموا بالنَّبل، فكان سعد أول من رمى بسهم، ورامى يوم أحُد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلقد رأيته صلى الله عليه وسلم يناولني النَّبل، ويقول: «ارْمِ فدِاك أبي وأمي».

وروى البخاري عنه قال: نَثَل لي صلى الله عليه وسلم كِنانته يوم أحد، فقال: «ارْمِ فداك أبي وَأمي».

وروى الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه عن علي رضي الله عنه، قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلَّا لسعد بن مالك؛ فإني سمعته يقول يوم أحد: «ارْمِ سعدُ فداك أبي وأمي»، ورمى يوم الخندق رجلًا من المشركين فوقع السهم في نحره فوقع مستلقيًا وبدت عورته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وكان هذا المشرِك آذى المسلمين يرميهم ويشتمهم حتى رمى أمَّ أيمن بسهم فأصاب ذَيْلها فضحك عليها وكانت جاءت تسقي الجرحى.

ولما ملَّكَتِ الفرسُ يزدجرد ووجه وزيره رستم قائدًا لجيش جرَّار إلى القادسية لحرب المسلمين وبلغ ذلك الفاروق، خرج من المدينة في عسكر من أكابر الصحابة وغيرهم إلى طريق العراق، فاستشار من معه في الذهاب إلى العراق بنفسه لمحاربة فارس فأشار عليه العامة بذلك، وقالوا: نحن معك، وأشار عليه خواص الصحابة عليٌّ وغيره بإرسال بطل محنَّك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإمداده بالجنود، فقال: ومَن هو؟ فقالوا: هو الأسد عادِيًا سعد بن مالك، وكان سعد عاملًا له على صدقات هوازن فبعث إليه فجاءَه فولاه قائدًا عامًّا على حرب فارس، وأمدَّه بالجنود فَثلَّ عروش فارس بالقادسية وفتح مدائن كسرى عاصمة ملكهم ودخلها، ولما لم يوافق المسلمين هواؤها بنى لهم مدينة الكوفة بأمر الفاروق، وفتح أكثر بلاد فارس، وثلَّ عروشهم أيضًا بجلولاء فقتل منهم بها مائة ألف، وكان قائد جيش المسلمين بها ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال بعثه عمه سعد إليهم في اثني عشر ألفًا من المسلمين.

وولاه الفاروق على الكوفة بعدما بناها فشكاه أوباشُها بَغيًا فعزله عنهم، وقال في وصيته بعد طعنه كما تقدم: إن أصابت الخلافة سعدًا فذاك، وإلا فلْيستعن به من يتولى؛ فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة، وقد ولاه عثمان رضي الله عنه ثم عزله، وقد دعا سعد رضي الله عنه وكان مستجاب الدعوة على أولئك الأوباش الباغين عليه، فاستجيب له فيهم كلهم، وقصصهم في ذلك مذكورة في كتابي ابن جرير وابن الأثير وغيرهما.

روى الترمذي من حديث قيس بن أبي حازم عنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم استجب لسعد إذا دعاك»، فكان لا يدعو إلا استجيب له.

وروى أبو العباس السراج في «تاريخه» عن جرير بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه أنه مرَّ بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فسأله عن سعد بن أبي وقاص، فقال: تركته في ولايته أكرم الناس مقدرة وأقلهم قسوة، هو لهم كالأم البرَّة يجمع لهم كما تجمع الذرة، أشد الناس عند البأس، وأحب قريش إلى الناس.

وأخرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة في «تاريخه» بسند جيد عن ابن إسحاق، قال: كان أشد أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم أربعة: عمر، وعليٌّ، والزبير، وسعد رضي الله عنهم.

توفي سعد رضي الله عنه بقصره بالعقيق، وحمل إلى المدينة على أعناق الرجال فدفن بالبقيع سنة خمس وخمسين للهجرة.