نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/المقداد بن عمرو

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


المقداد رضي الله عنه

هو ابن عمرو بن ثعلبة البَهْراني حليف بني زهرة، كان أبوه عمرو أصاب دمًا في قومه فلحق بحضرموت وحالف كِندة فصار ينسب إليهم وتزوج منهم امرأة فولدت له المقداد، فلما كبر المقداد وقع بينه وبين أبي شمَّر بن حجر الكندي شرٌّ فضرب رجله بالسيف وهرب إلى مكة فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهري وكتب إلى أبيه فقدم عليه وتبنَّاه الأسود فصار يقال له: المقداد بن الأسود، فلما أبطل الله عادة التبني نسب إلى أبيه.

أسلم قديمًا وتزوج ضُباعة بنت الزُّبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم، شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله وكان يوم بدر فارسًا حتى إنه لم يثبت أنه كان فيها أحد على فرس غيره1، وهو ممن يوزن بألف، وتقدمت قصة إنزاله خُبيبًا عن خشبته مع الزبير، ومن مناقبه في الشجاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى عير أبي سفيان ببدر وسمع بخروج قريش في جيش لحماية العير استشار الصحابة؛ لأنهم لم يخرجوا على استعداد للحرب، وأعلمهم بمسير قريش إليهم فأجابه عمر بن الخطاب وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو، فقال: يا رسول الله، امضِ لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت به إلى بِرَكْ الغماد لجالدنا مَعك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له، وكان طويلًا آدم كثير الشعر أعين مقرونًا يخضب لحيته، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم: علي، والمقداد، وأبو ذر، وسلمان»، أخرجه الترمذي وابن ماجه وإسناده حسن.

ولما أغارت غطفان على إبل النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة وتُعرف بغزوة ذي قَرَد وجاء الخبر إلى المدينة كان المقداد رضي الله عنه أول فارس جاء النبي على فرسه ثم تلاه سبعة من الفرسان فأمَّر النبي على الثمانية الفوارس سعد بن زيد الأنصاري وقال لهم: «اخرجوا مسرعين حتى ألحقكم بالجيش»، وذكره حسان في شعره في هذه الغزوة منها:

لولا الذي لاقت ومس نسورها
بجنوب (ساية) أمس في التَّقوَادِ
لَلقينكم يحملن كل مدجَّجٍ
ولَسر أولاد اللَّقيطة أننا
كنا ثمانية وكانوا جَحْفَلًا
حامي الحقيقة ماجد الأجداد
سلْمٌ غداة فوارس المقداد
لَجِبًا فَشُكُّوا بالرِّماح بَدَادِ

وتوفى سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان بأرضه بالجرف وحمل إلى المدينة فصلى عليه عثمان وعمره سبعون سنة وقد حضر فتح مصر.


  1. في مغازي الواقدي «وكان معهم فرسان فرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي وفرس للمقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة. ويقال فرس للزبير ولا اختلاف عندنا أن المقداد له فرس وعن ضباعة بنت الزبير زوجة المقداد عن المقداد قال: كان معي فرس يوم بدر يقال له "سبحه"».