نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/الزبير بن العوام
الزبير رضي الله عنه
هو ابن العوام بن خوَيلِد بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصَي بن كِلاب القرشي الأسدي أبو عبد لله حوارِيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، أمّه صفية بنت عبد المطلب وخالهُ حمزة، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى وممن يعدُّون بألف فارس كما تقدم في الرجز، أسلم وله اثنتا عشرة سنة، وهاجر الهجرتين، قال عروة: كان الزبير طويلًا تخط رجلاه الأرض إذا ركب، وقاتل الزبير وهو غلام بمكة رجلًا فكسر يده فَمُرَّ بالرجل محمولًا على صفية وقيل لها: إن ابنك فعل به هذا، فقالت للرجل: كيف رأيت الزبير أأقطًا وتمرًا أو مشمَعٍلًا صقرًا؟ وهو أول من سلَّ سيفه في سبيل الله، وذلك أنه قيل: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل الزبير يشق الناس بسيفه والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة.
وكانت عليه عمامة صفراء يوم بدر معتجِرًا بها، فقال النبي: «إن الملائكة نزلت على سيماء الزبير»، وقيل: إن آية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}[البقرة:207] نزلت فيه وفي المقداد، وذلك أن قريشًا لما أخرجوا خُبيب بن عدي إلى التنعيم وصلبوه وتركوه معلقًا على خشبة هناك مدة وعنده حرس من فتيانهم فبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه: «من ينزل خُبيبًا من خشبته وله الجنة»؟ فقال الزبير رضي الله عنه: أنا يا رسول الله، وصاحبي المقداد بن عمرو، فركبا فرسيهما وقدِما مكة فوصلا إلى خشبة خبيب ليلًا فوجدا عنده أربعين فتى من قريش نائمين فنزل المقداد وأنزل خُبيبًا من الخشبة ووضعه أمام الزبير على فرسه وانصرفا راجعَين فاستيقظ المشركون من حسِّ خيولهم فقاموا إلى الخشبة فلم يجدوا خبيبًا فتبعوا أثرهما فلما لحقوهما رمى الزبير خبيبًا في الأرض فابتعلته فلقب خُبيب بليع الأرض، ثم وقفا لهم وكشف الزبير لِثامه، وكان متنقبًا وقال لهم ماذا تريدون يا معشر قريش منا؟ أنا الزبير بن العوام وأمي صفية بنت عبد المطلب وخالي حمزة، وهذا المقداد بن عمرو صاحبي أسدان رابضان يدفعان عن أشبالهما، فإن شئتم ناضلناكم، وإن شئتم بارزناكم واحدًا واحدًا، وإن شئتم قاتلناكم جميعًا، وإن شئتم انصرفتم إلى أهلكم سالمين، فانصرفوا راجعين إلى مكة وهم أربعون رجلًا أو يزيدون، وقدم الزبير ورفيقه المدينة، فنزلت الآية فيهم.
ولما انهزمت هوازن يوم حنين خرج مالك بن عوف رئيسهم عند الهزيمة حتى وقف فوارس من قومه على ثَنِيَّة من الطريق وقال لأصحابه: قفوا حتى تمضى ضعفاؤكم ويلحق أخراكم فوقف هنالك حتى مضى من كان لحق بهم من المنهزمين فطلعت عليهم خيل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومالك وأصحابه على الثنية، فقال لأصحابه: ماذا ترون؟ فقالوا: نرى أقوامًا واضعي رماحهم بين آذان خيلهم طويلة بِدَادهم، فقال: هؤلاء بنو سليم، ولا بأس عليكم منهم، فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي ومضوا، ثم طلعت خيل أخرى تتبعها، فقال لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: نرى قومًا عارضي رماحهم أغفالًا على خيلهم، فقال: هؤلاء الأوس والخزرج ولا بأس عليكم منهم، فلما انتهوا إلى أصل الثنية سلكوا طريق بني سليم ثم طلع فارس، فقال لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: نرى فارسًا طويل الباد واضعًا رمحه على عاتقه عاصبًا رأسه بملاءة حمراء، فقال: هذا الزبير بن العوام، وأحلف باللَّات ليخالِطَّنكم فاثْبُتوا له، فلما انتهى الزبير إلى أصل الثنية أبصرهم فصمَد إليهم فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها.
وقتل ياسرًا اليهودي يوم خيبر مبارزة، وياسر أخو مرحب الذي قتله علي رضي الله عنه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: «من يأتيني بخبر القوم»؟ فقال الزبير: أنا، فذهب وأتاه بخبرهم، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: «إن لكل نبي حواريَّ وحواريَّ الزبير».
وقال ابنه عروة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف كنت أدخل أصابعي فيها ألعب وأنا صغير ثنتان يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك، وكان الجيش يوم اليرموك قالوا له: احمل يا أبا عبد الله نحمل معك، فقال لهم: أخاف أن لا تصدقوا، فقالوا: بلى فحمل في صفوف الروم حتى خرج من ورائهم ثم كرَّ راجعًا، ثم حمل ثانيًا كذلك ثم حمل ثالثًا وفي كل حملة يَقتل، وضُرب في الثالثة تلك الضربة بين كتفيه.
واستشهد بوادي السباع وهو راجع إلى المدينة قتله عمرو بن جرُموز السعدي التميمي غدرًا، وذلك أنه لما التقى الجيشان ناداه عليٌّ أن أخرج إلى يا زبير، فخرج إليه، فقال له عليٌّ: أنشدك الله، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنك تقاتل عليًّا وأنت ظالم» قال: نعم ولم أذكر ذلك إلى الآن لو تذكرته ما وصلت هذا المحل، ثم انصرف راجعًا إلى جيشه وقال لابنه عبد الله: قم بجيشك؛ فإني والله ما دخلت في أمر إلا وخرجت منه إلا في هذه المرة؛ فإني أخطأت وإني راجع إلى المدينة، فقال له ابنه: ما بك من ضعف رأي، ولكنك رأيت رماح بني هاشم طوالًا فغضب، وقال: أجل أتخوفني بها إنها لرماح حدّاد يحملها فتية أمجاد ثم أقبل نحو جيش علي رافعًا رمحه، فقال: أظن الزبير قد أغضب وما قصده قتالكم فنكِّسوا له الرماح حتى يجوز فنكسوا له الرماح حتى خرج من الجيش، فلما وصل وادي السباع نام تحت شجرة هناك فجاءه عمرو بن جُرموز وقتله وهو نائم، وأتى بسيفه إلى عليٍّ يبشره، فقال له علي: أبشر بالنار وستأتي، ترجمة ولده عبد الله في الطبقة الثانية من الشجعان.