مجلة المقتبس/العدد 19/قصيدة مجهولة للسموأل

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 19/قصيدة مجهولة للسموأل

مجلة المقتبس - العدد 19
قصيدة مجهولة للسموأل
ملاحظات: بتاريخ: 15 - 8 - 1907



نشرت بعض المجلات والجرائد العربية منذ بضعة أشهر قصيدة نسبها الناشر الأول وهو الأستاذ مر جليوث الإنكليزي إلى السمو أل الشهير ثم وجدت منها نسخة ثانية في الموصل أصح رواية من الأولى. ثم وجدت منها نسخة ثالثة أصح من السابقتين في بغداد. وذلك بينما أنا أبحث في كتبي على أحد شعراء بغداد في القرن المنصرم ورد ذكره في مخطوط نفيس عندي فعثرت على قصيدة السمو أل ولما أنعمت النظر فيها وجدتها قليلة الضرائر الشعرية والأغلاط النحوية وألفيتها تختلف الرواية عن النسختين المذكورتين فجئت أتحف بها قراء المقتبس واصفاً لهم المخطوط مع بعض الانتقاد لهذه المنظومة.

وردت القصيدة في الصفحة 174 من مخطوطنا وقد ترجمت بهذا العنوان. هذه القصيدة للسمو أل من بني قريظة لا للسمو أل من بني غسان وإليك الآن نصها:

ألا أيها الضيف الذي عاب سادتي ... ألا أسمع جوأبي لست عنك بغافل

ألا أسمع لفخر يترك القلب مولهاً ... وينشب ناراً في الضلوع الدواخل

فأحصي مزايا سادة بشواهد ... قد اختارهم رحمانهم للدلائل

قد اختارهم عقماً عواقر للورى ... ومن ثم ولأهم سنام القبائل

من النار والقربان والمحن التي ... لها استسلموا حب العلا المتكامل

فهذا خليل صير النار حوله ... رياحين جنات الغصون الذوابل

وهذا ذبيح قد فداه بكبشه ... يراه بديها لا نتاج الثياتل

وهذا رئيس مجتبى تم صفوه ... وسماه إسرائيل بكر الأوائل

ومن نسله السامي أبو الفضل يوسف ال ... ذي أشبع الأسباط قمح السنابل

وصار بمصر بعد فرعون أمره ... بتعبير أحلام لحل المشاكل

ومن بعد أحقاب نسوا ما أتي لهم ... من الخير والنصر العظيم الفوأصل

ألسنا بني مصر المنكة التي ... لنا ضربت مصر بعشر مناكل

ألسنا بني البحر المفرق والتي ... لنا غرق الفرعون يوم التحامل

وأخرجه المبدي إلى الشعب كي يرى ... أعاجيبه مع جودة المتوأصل

وكيما يفوزوا بالغنيمة أهلها ... من الذهب الإبريز فوق الحمائل

ألسنا بني القدس الذي نصبت لهم ... غمام تقيهم في جميع المراح من الشمس والأمطار كانت صيانة ... تجير نواديهم نزول الغوائل

ألسنا بني السلوى مع المن والذي ... لهم فجر الصوان عذب المنأهل

على عدد الأسباط تجري عيونها ... فراتاً زلالا طعمه غير حائل

وقد مكثوا في البر عمراً مجدداً ... يغديهم العالي بخير المآكل

فلم يبل ثوب من لباس عليهم ... ولم يحوجوا للنعل كل المنازل

وأرسل نوراً كالعمود أمامهم ... ينير الدجى كالصبح غير مزايل

ألسنا بني الطور المقدس والذي ... تدخدخ للجبار يوم الزلازل

ومن هيبته الرحمان دك تذللاً ... فشرفه الباري على كل طائل

وناجي عليه عبده وكليمه ... فقد سنا للرب يوم التبأهل آه

فمن قابل بين هذه الراوية الروايتين الأوليين اللتين يحكم أن أصبح من تينك. وأن هذه نقلت عن أصل أصدق رواية من النسختين اللتين أخذت عنهما الروايتأن الإفرنجية والموصلية. يظهر ذلك من مقابلة بعض الألفاظ مثلاً قد ورد في القصيدتين الأوليين هذا البيت:

فهذا خليل صير الناس حوله ... رياحين جنات الغصون الذوابل

فهذا لا معنى له وهو محرف والأصح ما في نسختنا أيصير النار حوله وورد أيضاً في النسختين: بتعبير تدبير لحل المشاكل والتدبير لا يعبر وإنما تعبر الرؤى والأحلام ومنه ما أنشده المبرد في الكامل لبعض الأعراب:

رأيت رؤيا ثم عبرتها ... وكنت للأحلام عبارا

وعليه فإن روايتنا أصح أيضاً في هذا البيت وقول النسختين:

ومن الشمس والأمطار كانت صيانة ... تجيز عسا كرهم لهوف الغوائل

فهذا مكسور البيت فضلاً عن اضطراب معناه في قولهلهوف الغوائل والأصح ما جاء في روايتنا تجيز (بالراء المهملة) نواديهم نزول الغوائل لأن الغوائل تنزل بالمرء وبهذا المبنى والمعنى ورد أغلب كلام العرب كما هو مشهور وجاء في النسختين:

وأرسل نوراً كالعمود أمامهم ... ينير الرجا كالصبح لا غير مزائل

فهذا البيت لا يخلو من المعنى. لكن من لا يرى أن هذا البيت مصحف الرواية وأن الصحيح ينير الدجى بالدال المهملة لا بالراء كما يتضح لأدنى تأمل.

وأما البيت الأول على أن النسختين فلا يخلو من معنى بقوله: ألا أيها الصنف لكن نوع التصحيف فيه باد لكل ذي عينين والأصح ألا أيها الضيف أما ناظم هذه القصيدة قط أنها للسمو أل بن عاديا فأين هذا الشعر من قوله:

تغيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها أن الكرام قليل. . . الخ

ففي هذا النظم من محكم المبني ومتانة المعنى ما لا يرى أثر في القصيدة ولعل سبب وهم الناس في نسبتها إلى السمو أل بن عاديا. توأفق في اسم ناظم آخر عرف باسم السمو أل لأن هذا الاسم يوأفق شموئيل وشموئيل أو شيمل ورد لألوف من اليهود ففي نسبتها إلى واحد من بني قريظة أمكان لأن هؤلاء محقوا بعد الإسلام بقليل أما لأنهم دانوا بالإسلام أو لأنهم هجروا وطنهم ولحقوا بإخوانهم خارج بلاد العرب فلم يصل إلينا من شعرهم إلا النزر القليل وعلى كل فليس هذا من نظمهم أو نظم بعضهم لأن تعبير النصرانية الحديثظاهر من خلال النظم يشف عن حداثة وضعه لأن ورود كي وكيما في الشعر الجاهلي قليل نادر وهاتأن اللفظتان قد وردتا تباعاً في هذين البيتين:

وأخرجه المبدي إلى الشعب كي برى ... أعاجيبه مع جودة المتوأصل

وكيما يفوزوا بالغنيمة أهلها ... من الدهر الإبريز فوق الحمائل

ثم انظر ماذا قوله:

ألا اسمع لفخر يترك القلب مولهاً=وينشب ناراً في الضلوع الدواخل

فهل من ضلوع تكون خوارج حتى تنشب النار في الدواخل منها. فلا غرو أن في هذا التعبير لغواً وتكلفاً ولا تأتيهما واحد من أهل الجاهلية ولو أردنا أن نقبل الروايتين الأوليين فلا يمكننا إلا أن نضرب بهذا النظم عرض الحائط إذ فيهما من الأغلاط الفظيعة ما لا يرتكبه أضعف طلبة المدارس في يومنا هذا فكيف يعزى إلى ناظم بليغ كالسمو أل ابن عاديا الغساني.

ومما يشهد أن يداً غريبة تصرفت بهذه الأبيات البيت الأخير الذي ورد في القصيدة الموصلية ولم يرد في الرواية الإفرنجية ولا في الرواية البغدادية وهو هذا:

وفي آخر الأزمان جاء مسيحنا ... فأهدى بني الدنيا التكامل فما معنى سلام التكامل ثم أننا إذا قررنا بنسبة هذه الأبيات إلى السمو أل المشهور وهو يهودي فح كما تشهد عليه جميع كتب العرب فلا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام وكذلك إذا نسبناه إلى يهودي أخر. فلا جرم أن ناظم هذا البيت الأخير مسيحي النحلة لإقراره بمجيء المسيح ولأنه زاد هذا البيت بدون أن ينظر إلى التسلسل التشأبيه والرموز فجاء به تهجماً بدون أدنى مراعاة لما ورد قبله ولو قيل لنا أن السمو أل بن عاديا كان من غسان وغسان كلها نصارى قلنا أن السمو أل كان مسيحياً فجميع مؤرخي العرب وكتبهم وأديارهم فضلاً عن أن غسأن لم تكن كلها على النصرانية مخالفون لها فقد كان فيهم من يعبد الأصنام ومن أوثانهم مناة. قال ياقوت في معجمه: هذا الاسم اسم صنم في جهة البحر مما يلي قديداً بالمشلل على سبعة أميال من المدينة. وكأنت الأزد وغسان يهللون له من جهة البحر ويحجون إليه وكان أول من نصبه عمرو بن لحي الخزاعي. . . ومنهم من كان على دين دهماء العرب كسطيح بن ذئب الكاهن فلم يكن نصرانياً البتة. وقد جاء في تاريخ اليعقوبي 1: 297 - (كانت تلبية غسان عند قومهم وقوفها أمام صنمها لبيك رب غسان راجلها والفرسان) وقال في ص298 (وتهود قوم غسان) وقال في ص299 (وتنصر. . . غسان وهذا كلام يدل على النصرانية واليهودية كانتا في غسأن لا النصرانية وحدها) وقال الطبري في تاريخه 1: 176 (وكان الحارث بن أبي شمر الغساني نذر سيفين وثنياً مشركاًُ وكل من وقف على النسختين السابقتين وعلى نسختنا يعرف بنفسه يعرف بنفسه ما في نسبة هذه القصيدة إلى السمو أل من الشطط. أما اسم مخطوطنا فهونيل السعود في ترجمة الوزير داود كتب في سنة 1232 وعدد صفحاته المكتوبة والبيضاء 314 وطول الصفحة 21 سنتيمتراً في عرض 13 وهو مصحف أحمر ومزين بخطين أحمرين مزدوجين وفي الوسط خطان متآزران على بعد سنتمتر والقرطاس المخطوط من النوع المسمى بالترمذي المشهور عند العامة بالترمة. وتبتدئ الصفحة الثالثة بقصيدة لناظمها في مديحه الملا جواد البصير يمدح بها والي بغداد والبصرة وشهر زور داود باشا ثم تليها عدة قصائد في مديحه أيضاً بخط حسن وهي لعدة شعراء عراقيين مجهولين اليوم لا نعرفهم إلا مما بقي مدوناً من قريضهم في هذه المجموعة وهذا وحده كاف لأن يعرفك منزلة هذا الديوان النفيس إذ بواسطته نعرف عدة شعراء عراقيين من بصريين وحلين وبغداديين وغيرهم.

وقد بلغت عدة القصائد في مديح الوزير ستاً وسبعين ثم يتلوها قصائد أخرى مختارة من نظم الأقدمين والمولدين ومعاصري الكاتب ثم يتلو ذلك منتجات من كتب الحديث والأدب والأقوال المشهورة مختلفة الموضوعات والأغراض وكلها من أنيق النثر والنظم ومما يزري ضياء حسنة ببهاء النجم وأغلب ما جاء في هذا الديوان لم أعثر عليه في الكتب المطبوعة. جمعه مؤلفه من عدة كتب مخطوطة عزيزة المنال. ومما فيه أبواب الأحاديات والثنائيات والثلاثيات ثم ديوان مرتب القوافي على حروف المعجم لعدة شعراء وكلها قصائد غراء آخر قصيدة منها دالية لأبن حجة. ومن الغريب ما هذا الديوان بيت شعر لبديع الزمان وهو يقرأ من أحد عشر وجهاً وهو من أغرب ما جاء في هذا الصدد ونحن نورده هنا لما فيه من الغرابة. ودونك إياه بنصه ومواقع الحبر الأحمر منه.

(كفى) نا بأنا في زمان مذمم ... يذاد عن الحق المبين ويدفع

(حزناً) أنا نزور معاشراً ... فنهمل فيما بينهم ونضيع

(أني) أقول مقالة ... فيمنعني منها اللئيم ويقمع

(بدار) أرذال ... قلوبهم غيظاً علي تقطع

(مذلة) ... وليس بها حراً من الناس ينفع

(أرى) كل من فيها عن الحق يدفع

(الذل) فيها دائماً ليس يقطع

(من) إرجائها يتنوع

(أ) كنافها يتسرع

(ملاكها) يتفرع

(يتوقع)

وفي الوجه الثاني من هذا الديوان صور لبعض الرسائل التي دارت بين خأن الحويرة ورستم أغا بشأن معركة البصرة سنة 1156 وهي من الأثار التاريخية التي يحرص عليها الباحث كل الحرص لأنها لا توجد في غير هذا الكتاب النفيس وتقع في أربع قوائم ونيف مشتبكة السطور محبوكة الحروف وفي الصفحة 313 قصيدة للسيد عبد الغفار الموصلي مكتوبة بقلمه على ورقة طيارة فأخذها وهو من مشاهير شعراء القرن الماضي. وهذه القصيدة هي الدرة الثمينة لأنها هي وحدها محفوظة بخطه فلا يحفظ من خطه غيرها وبها يختم الكتاب الضخم وليس في صفحة من صفحاتها ذكر اسم جامعه.