مجلة الرسالة/العدد 94/تمادوا بشكواهم
مجلة الرسالة/العدد 94/تمادوا بشكواهم
للأستاذ فخري أبو السعود
لقد زهَّدَتني في القريض معَاشر ... إذا نَظَموا فالحزنَ والمّ والغَمَّا
كأنْ ليس غيرَ البؤسِ للشعرِ مُلْهِمُ ... ولولاه ما قالوا ولا عرَفوا النظما
قوافيهمُ آهُ فواهُ فعَبْرَةُ ... تَلى زَفرةً من مُهجَةٍ منْ أَسَى تَدْمَى
تمادَوْا بشكوَاهم فَمُلَّتْ وَأصبحوا، ... إذا ما شكَوْاهَمَّا لقارئهم، همَّا
أكلُّ أخي شِعرٍ خدينُ بلابل ... يفوز سواه بالأماني وبالنعمى؟
يَخالون أنَّ الشعر يزداد رقةً ... إذا وصفَ الأشجان والألم الجمّا
فهذا شكا في جنبه ألفَ طعنةٍ ... وذاك طوى في كلِّ جارحةٍ سهما
وذا صدرُهُ وعيناه ديمةُ ... وأضلاعُه حرَّى وأحشاه كَلْمى
وذاك بطئُ ليلهُ متطاولُ ... يُساهر فيه وحده الأفْق والنجما
وذلك أضواه وأَوْهَى اصطبارهُ ... غرامُ مَشَى في جسمه يُنْحِل الجسما
وذلك يبكي كالوليدة ساخطاً ... بلا سبب يُدرى ولا غرض يُسمَى
وذَيَّك يشكو دهره ويذمه ... ويزعم أنَّ الدهر أَوْسَعَهُ ظلماً
يكلِّف باعَ الدهر ما لا يطيقه ... ويُنحى عليهِ - حين يَمْنعُه - لوما
يود لَوَ أنَّ الدهر يأتيه بالمني ... جميعاً ولم يدأَب ولا عَقَد العزما
وقد يَبْلُغُ الساعي إذا جَدَّ سعيُه ... مُناهُ ولم يَلْحَ الزمانَ ولا ذَما
يَخَلُ حياةَ الناسِ قارئُ شعرِهم ... بلاءً فلا نُعمى هناك ولا رُحْمى
وكم في رحيب الكون من نِعَم ومن ... مَحَاسِنَ تُصْبى العين والروح والفهما
وكم عَرَضَتْ فينا الطبيعيةُ حسنَها ... بلا ثمنٍ غُمْاً لِمَنْ بَاَدَرَ الغنما
تَرَى في مجاليها وأَلوان حسنها ... عَزاَء لمن يأسى وَرِيَّا لمن يَظْماَ
ووحياً لشعرٍ ينبذ الشكو َوالبُكا ... ويستلهم الأنوارَ والروضَ واليَماَّ
فخري أبو السع