مجلة الرسالة/العدد 918/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 918/الكتب
شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم
للأستاذ أحمد عبد الغفور عطار
نشرت مجلة الرسالة الغراء بعددها الصادر في 25 ديسمبر سنة 1950 خبراً صاغه صديقنا الأستاذ عباس خضر جاء فيه أن المفوضية اليمنية في القاهرة تلقت (كتاباً مخطوطاً اسمه شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم بناء على أمر جلالة الإمام أحمد ملك اليمن).
وهذا الكتاب المخطوط الذي أشارت إليه الرسالة معجم من معاجم اللغة العظيمة في العربية، ولكن أحداً لم يهتم به فبقى موصوداً كل هذا الزمن الطويل؛ بل لم يعرف هذا المعجم في الشرق العربي إلا آحاد من المشتغلين باللغة، أما الذين قرءوا هذا فلا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة عدا، باستثناء اليمن الذي أعتقد أن عديداً من أهله اطلعوا عليه ودرسوه.
وطبع هذا المعجم من قبل حكومة اليمن بعد مشاركة منها في بناء صرح العربية بعد أن تهدم أكثر جوانبه، وأعتقد أن حكومة اليمن قد أحسنت بهذا العمل الجليل الذي يعد مفخرة من المفاخر وقربى من القرب.
إلا أنني ارجوا من حكومة اليمن التي تتولى طبع هذا المعجم وإخراجه أن تعنى به عناية لا مزيد عليها، لأن حياة الكتاب طبعه طبعاً أنيقاً مصححاً تصحيحاً دقيقاً، ونشره نشراً علمياً صحيحاً ولا بد في طبع هذا المعجم النفيس من لجنة تشرف عليه، لجنة عالمة فاحصة محققة تتولى تحقيقه وتصحيحه وتجنيبه من التصحيف والتحريف والخطأ، وتعلق عليه، وتسهل مراجعته على كل من يريد الكشف عن كلمة من الكلمات.
ولو كان لي أن أقترح على حكومة اليمن لطلبت إليها أن تجعل في هذه اللجنة اثنين من أعظم محققي الكتب القديمة هما الأستاذان الجليلان: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون تستعين بهما في طبع الكتاب وإخراجه ونقده وتحقيقه والتعليق عليه.
وإني ما كدت أقرأ هذا الخبر في مجلة الرسالة ومجلة الحج التي تصدر بمكة المكرمة حتى شعرت بسرور وسعادة، لأن ما لدي من أفكار أرى بعضه يحيا أمامي، فأنا من رأيي طبع معاجمنا المضبوطة، وهاأنذا أرى حكومة اليمن تقوم بهذا العمل الجليل الذي يكسبها ثناء لا يقوم بثمن ولا يحد بزمن.
وإنني أهنئ حكومة اليمن من كل قلبي، وأرجو أن تتجه إلى إحياء العلوم وبعث الكتب، فإن قيامها بهذا الأمن كاف لأن يوجه إليها الأنظار، ويصنع لها من الدعاية الصادقة التي لا كذب فيها ولا نفاق مالا تعد بجانبه الدعاية المأجورة إلا شيئاً تافهاً حقيراً.
وأود لو أن حكومة اليمن اتجهت إلى إحياء العلوم وبعث الكتب النادرة التي تزدحم بها أبهاء دورها الفسيحة اتجاهاً قوياً إنها لو اتجهت هذا الاتجاه فستربح مادة ومعنى، وتفيد سمعتها، وتشارك مصر خدماتها للغة والعلم.
ويقوم بالإشراف على طبع المعجم القاضي العلامة عبد الله بن عبد الكريم الحرافي، وهو من علماء اليمن المبرزين في اللغة وغيرها، وأنا وإن كنت أعرف كفاية هذا العالم الجليل إلا أنني أود أن تقوم بالإشراف على الكتاب لجنة، ويكون من أعضاء هذه اللجنة شاكر وهارون مبالغة في توخي الحق وتحري الصواب، وعندي مقترحات أخر ستظهر من خلال كلمتي هذه أوجه إليها نظر حكومة اليمن وأحب أن تعنى بها لأنها تفيد مشروعها اللغوي.
أما هذا المعجم العربي الكبير فإنني أصفه لقراء العربية بما وعته الذاكرة، وبما تحتفظ ربه أوراق التي أدون فيها بعض ما يبدو لي تدوينه.
واسم هذا المعجم: (شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، وصحيح التأليف ومعجم التصنيف والأمان من التحريف) واسم مؤلفه العظيم: أبو الحسن نشوان بن سعيد بن نشوان اليمني الحميري، وذكر في معجم الأدباء لياقوت وفي بغية الوعاة للسيوطي أنه: (أبو سعيد) ولعل لنشوان كنيتين.
وأبو الحسن من علماء اللغة المعدودين في العربية، وكان في زمنه علامة اليمن الفذ، ومن علماء العربية المشار إليهم بالبنان كما يدل عليه مؤلفه القيم العظيم (وكان أوحد أهل عصره وأعلم أهل دهره).
ولم تكن اللغة أعظم علومه وفنونه، بل كان (فقيهاً نبيلاً، عالماً متفنناً عارفاً بالنحور واللغة والأصول والفروع والأنساب والتواريخ وسائر فنون الأدب، شاعراً فصيحاً بليغاً مفوهاً) وكان طلبة العلم يقصدونه من كل بلد، بل كان يقصده العلماء يأخذون من علمه الواسع الغزير، ويتزودون من ماله الذي منحه الله منه ما تنتهي عنده صبوة الطامع المستزيد.
وكما منحه الله علماً واسعاً نافعاً، ومالاً عظيماً، فقد منحه الله سلطاناً مبيناً، وشعباً يحبه ويفديه لخلائقه الفاضلة الأصيلة، وعدله وكرمه وتقواه، ولم يشغله الحكم عن العلم والتأليف، بل كان يأمر وينهي، ويتعبد ويخشى، ويدرس ويؤلف، دون أن يغفل عن شيء من هؤلاء، وقد بارك الله له في وقته حتى استطاع أن يملأه بالخير والنفع والعلوم والآداب.
وكان تملكه أن استولى على قلاع وحصون، ورأى أهلها أنه منقذهم، وخير من يصلح لحكمهم، فقدمه أهل جبل صبر وجعلوه ملكاً عليهم فحكم بما أنزل الله، وتوفى بعد عصر يوم الجمعة الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة 573 ثلاث وسبعين وخمسمائة. رحمه الله.
وخير مؤلفات أبي الحسن معجمه (شمس العلوم) الذي أشارت الرسالة إلى أن حكومة اليمن أخذة في أسباب طبعه
ويوجد من هذا المعجم نسخة بدار الكتب المصرية إلا أنها غير كاملة، بل الموجود منها الجزء الأول من أربعة أجزاء، ينتهي إلى حرف الدال، وهي مكتوبة بقلم تلميذ المؤلف وقريبه العلامة علي بن نشوان بن سعيد بن أبي حميد الحميري وقد فرغ منها يوم الأربعاء الثالث من شهر شوال سنة خمس وتسعين وخمسمائة، أي بعد وفاة المؤلف بعشرين سنة.
وإن بمكتبة شيخ الإسلام الإمام عارف حكمة الله الحسيني بالمدينة المنورة نسخة منه مبدوءة بقول المؤلف رحمه الله: (الحمد لله الواحد القديم القادر العظيم العزيز العليم الخ) أما ترتيبه فعلى حروف المعجم، جاعلاً لكل حرف باباً، ولكل باب شطرين أسماء وأفعالاً، ولكل كلمة من الأسماء والأفعال باباً ومثالاً.
وننقل للقارئ بعض ما جاء في مقدمة (شمس العلوم) وهذا نص ما قال مؤلفه: (وقد صنف العلماء رحمهم الله تعالى في ذلك كثيراً من الكتب، وكشفوا عنه ما يستر من الحجب، واجتهدوا في حراسة ما وضعوه، وضبط ما حفظوه، وصنفوا من ذلك وجمعوه، ورددوه عن الثقات وسمعوه، فمنهم من جعل تصنيفه حارساً النقط، وضبطه يهذا الضبط، ومنهم من حرس تصنيفه بأمثلة قدروها، وأوزان ذكروها، ولم يأت أحد منهم بتصنيف يحرس جميع النقط والحركات إلا بأحدها، ولا جمعها في تأليف لتبعدهما، فلما رأيت ذلك ورأيت تصحيف الكتاب والقراء وتغييرهم ما عليه كلام العرب من البناء، حملني ذلك على تصنيف، يأمن كاتبه وقارئه من التصحيف، يحرس كل كلمة بنقطها وشكلها، ويجعلها مع جنسها وشكلها، وبردها إلى أصلها، وجعلت لكل حرف من حروف المعجم كتاباً، ثم جعلت لكل حرف معه من حروف المعجم باباً، ثم جعلت كل باب من تلك الأبواب شطرين: أسماء وأفعالاً، ثم جعلت لكل كلمة من تلك الأسماء والأفعال وزناً ومثالاً، فحروف المعجم تحرس النقط وتحفظ الخط، والأمثلة حارسة الحركات والشكل، ورادة كل كلمة من بنائها إلى الأصل، فكتابي هذا يحرس النقط والحركات جميعاً، ويدرك الطالب ملتمسه سريعاً، بلا كد مطية غريزية، ولا إتعاب خاطر ولا روية، ولا طلب شيخ يقرأ عليه، ولا مفيد يفتقر في ذلك إليه، فشرعت في تصنيف هذا الكتاب، مستعيناً بالله رب الأرباب، طالباً لما عنده من الأجر والثواب، في نفع المسلمين وإرشاد المتعلمين، وكان جمعي له بقوة الله عز وجل وحوله، ومنته وطوله، لا بحولي وقوتي، ولا بطولي ومنتي، لما شاء عز وجلّ من حفظ كلام العرب وحراسته بهذا الكتاب، على الحقب، وسميته كتاب (شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، وصحيح التأليف ومعجم التصنيف والأمان من التصحيف)
ثم ذكر أبو الحسن - مؤلف هذا المعجم - فصلاً في التصريف ثم بدأ في معجمه على ترتيب حروف المعجم.
والحق أن (شمس العلوم) معجم عظيم دقيق، وما ذكر مؤلفه في مقدمته صحيح لا زيف فيه ولا ادعاء به، فهو معجم ضخم كبير سيكون في عديد من الجلدات، وأقول تخميناً: إن به ثمانين ألف مادة. وقد أختصر هذا المعجم الشيخ علي بن نافع الحميري اليمني - أحد تلامذة أبي الحسن مؤلف شمس العلوم - اختصاراً جميلاً وسماه: (ضياء الحلوم المختصر من شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم) وقد ذكر السيوطي - رحمه الله - معتمداً على البلغة: أن ولد المؤلف اختصره في جزأين وسماه ضياء الحلوم، والصحيح ما ذكرناه.
وتوجد هذا المختصر نسخة في مكتبة الشيخ عارف حكمة بالمدينة المنورة ورقمها بقسم اللغة 82 وأوراقها 400، وعدد كلمات كل سطر 30 كلمة إلى 33 في أكثر الصفحات، وعدد السطور في كل صفحة 33 سطراً وكل ورقة مكتوبة من صفحتيها، والخط نسخ جميل، والكلمات مضبوطة بالشكل ضبطاً صحيحاً متقناً.
وهذه النسخة من ضياء الحلوم ليست بخط المؤلف بل بخط علي بن إبراهيم بن طيب من بلدة كوتاهية، وفرغ من نسخها في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر سنة 1116هـ بمدينة القسطنطينية.
ويحسن أن تفيد حكومة اليمن من الجزء المحفوظ بدار الكتب المصرية من شمس العلوم، وبنسخة مكتبة عارف حكمة من هذا المعجم ومن مختصره، وتعارض ذلك بالأصل الموجود عندها مبالغة في تحري الصواب.
وإذا صح عزمهم على المراجعة فإنني أذكر لهم أن مجلد مكتبة عارف حكمة قد انتزع مقدمة شمس العلوم ووضعها توطئة لنسخة من معجم (الراموز) للسيد محمد بن السيد حسن الشريف، حتى ليخيل إلى من يقرأ الراموز أن هذه التوطئة مقدمتها، مع أن ما جاء فيها من وصف الكتاب لا ينطبق على الراموز.
ونسخة الراموز التي ألحقت بها المقدمة خطأ تحتل من قسم اللغة بتلك المكتبة رقم 59، كما أن بها نسخة أخرى من الراموز رقمها 60.
وقد نبهت مدير المكتبة الذي بلغ الثمانين حتى أحوجت سمعه إلى ترجمان إلى هذا الخطأ الذي تركه حتى الآن.
وأرى أن يعلق (الناشر) على كل مادة تتطلب التعليق في أسفل الصفحة التي تتضمن المادة، ويرتبه ترتيباً يسهل على الباحث سبيله. وذلك بأن يجعل كل مادة في أول السطر، ويصنع مثل ذلك بكل كلمة تتفرع من المادة حتى لا يتعب القارئ، ويكون الحرف كبيراً حتى لا تجهد العين، وألا يكون كل جزء أكثر من مائتي صفحة.
كما أن من اللازم أن يبحث الناشر الفاضل أو المكلف بالنشر في مكتبات العالم عن نسخة من (شمس العلوم) للمعارضة، أما إذا كانت النسخة الموجودة لدى حكومة اليمن نسخة المؤلف فإن من الممكن الائتناس بنسخة دار الكتب المصرية ونسخة مكتبة المدينة المنورة مع الإشارة إلى الفارق بين الأصل والمنسوخ منه.
وقبيل أن أختم كلمتي هذه أهنئ حكومة اليمن على هذا التوفيق العظيم لإخراج معجم لغوي ضخم كبير ممتاز، وأتمنى لها النجاح، وأرجو أن تسير في هذا الطريق الذي يفضي بها إلى ما تريد من دعاية حسنة وسمعة طيبة وصوت بعيد، كما أنني أشكر الصديق عباس خضري الذي يرجع إليه الفضل في كتابة هذه الكلمة التي أملتها إشارته إلى شمس العلوم في عدد مضى من هذه الملجة الكريمة الغراء.
أحمد عبد الغفور عطار