مجلة الرسالة/العدد 886/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 886/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 886
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 26 - 06 - 1950



للأستاذ عباس خضر

عودة السفير الأدبي

عاد إلى مصر من أوربا معالي الدكتور طه حسين بك وزير المعارف، يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، بعد الرحلة الثقافية التي مر فيها بروما وباريس وفلورنسا، وفي كل من هذه البلاد كان سفيراً أدبياً لمصر، أدى لها خدمات عملية ورفع رأسها في المحيط الثقافي الخارجي، وليس كل ما أداه في هذا العام جديد، فقد اعتاد كل صيف أن يرحل إلى البلاد الأوربية رحلات، ليست كلها استمتاعاً وتفريج عناء، فهو لا يخلص من مراد نفسه الكبيرة أينما توجه، والجديد في هذا العام هو الأعراض الرسمية التي كان أظهرها رياسته لوفد مصر في مؤتمر اليونسكو بفلورنسا، وقد اعتدنا منذ أنشئت اليونسكو، أن نكون جزءاً من مؤتمراتها، نصنع فيها ما يصنع سائر الأعضاء، يتحدث ممثلونا كما يتحدث ممثلو سائر اليلاد، تكتب بيانات وتلقي خطب وتوزع منشورات ثم يسدل الستار على المؤتمر المنقضي ويظل مسدولاً حتى يرفع من الممثلين في المؤتمر التالي، ولكنا في هذا العام كان ممثلنا طه حسين، الذي سخر من بعض أمر اليونسكو، وحاول أن يرد هذه الهيئة إلى أغراضها وما يليق بها، فنفي النعاس والتثاؤب عن الأعضاء، ولم يغادر مكانه في جنبات المؤتمر، الذي لا يزال منعقداً، أصداء من أحلام الإنسانية وأمانيها في مستقبل ثقافي تهيأ فيه سبل المعرفة لجميع الناس، وتتقارب فيه أفكار الجميع، وهي - كما قال الدكتور - صدور أمر يرجى تمامها، كما يرجى أن يبعث الأمل في تمام عواقبه يوماً من الأيام.

والجديد أيضاً في رحلة هذا العام أنها كانت قصيرة، أعجلته فيها الرسميات وما ينتظره هنا من الجلائل عن أن يأخذ لنفسه قسطاً من المتعة، ولكنه على رغم هذا القصر ومع هذا الحرمان قام بسفارته الأدبية قياماً عرفته مصر فابتسم له ثغرها (الإسكندرية) إذ تلقته الجموع هناك من رجال التعليم وغيرهم بما هو أهله من الحفاوة وروعة الاستقبال.

لقد كان طه حسين عنواناً لمصر في أوربا أمام ممثلي العالم، فكان خير دعاية لها، وكان بشخصيته مصداق قوله في المؤتمر: إن مصر قد سبقت إلى تحقيق الآمال الثقافية التي يسعى إليها الناس في هذا العصر، فهي تحقق الصلة بين الشرق والغرب وهي تأخذ م الغرب ما تأخذه فتذيعه في الشرق، لأن مصر ليست أثره، لا تحب أن تستأثر بالخير من دون جيرانها.

ما أكثر الذين يسافرون إلى بلدان أوربا وأمريكا من المصريين للمؤتمرات وغيرها، وما أكثر ما تنفقه مصر عليهم، وما أقل ما تجنيه من (نزهاتهم) وما أجدرهم أن ينظروا إلى هذا الرجل الدؤوب، طه حسين، ليتخذوه مثلاً يحتذي في جهوده المتواصلة المثمرة.

معجم فيشر

كان مجلس مجمع فؤاد الأول للغة العربية قد أحال مهمة فحص جزازات المرحوم فيشر إلى لجنة مؤلفة من الأساتذة أحمد العامري وعباس العقاد وإبراهيم مصطفى وقد قامت اللجنة بهذا الفحص وكتبت تقريراً قالت فيه إنها كانت تتمنى أن ترى وسيلة لاتمام هذا العمل العظيم فإن جهد الدكتور فيشر طول حياته في إعداد هذا المعجم جدير أن يسجل وألا يضيع شيء منه، فتأسف اللجنة إذ ترى استحالة تحقيق هذا الغرض الآن لأن الجزازات لم تتم وما تم منها لم يرتب، فالعمل مع ما تم منه لم يزل في حاجة إلى جهد عظيم ليس من اليسير تحقيقه بعد كارثة المعجم بوفاة الدكتور فيشر. واقترحت اللجنة لحفظ هذا الأثر والانتفاع به بما يلي:

1 - ترتيب الجزازات الموجودة في المجمع.

2 - السعي لاسترداد الجزازات الناقصة والتي اصطحبها الدكتور معه إلى أوربا.

3 - أن تفسخ هذه الجزازات بعد ترتيبها وتدون في كتاب جامع ليبقى محفوظاً للرجوع إليه والانتفاع بشيء منه.

4 - وعلى سبيل الاحتفاظ بقدر الإمكان بآثار الدكتور فيشر تشير اللجنة بأن تنشر المقدمة التي وضعها والجزء الذي راجعه في مجلة المجمع.

وقد ناقش مجلس المجمع هذه المقترحات في إحدى جلساته، فرأى الأستاذ الزيات أن المعجم الكبير الذي يقوم به المجمع يشبه معجم الدكتور فيشر وأن الاختلاف بينهما لا يتجاوز النظام والطريقة، ومن الفرق بينهما أن معجم فيشر يحرص على مراعاة التطور التاريخي للكلمة والمعجم الكبير يميل إلى الاستطراد والحشد.

وعلى ذلك يرى الأستاذ توحيد العمل في المعجمين. وقال الأستاذ إبراهيم مصطفى: إن المقترح الثالث من مقترحات اللجنة يتضمن المعنى الذي أشار إليه الأستاذ الزيات من الاستفادة بمعجم الدكتور فيشر، ويصح أن نضيف إلى المقترح عبارة (وتكون تحت تصرف يدي لجنة المعجم الكبير)

وبعد نقاش طويل وافق المجلس على قرارات اللجنة، وقد تضمنت القرارات أيضاً، أن ينظر مكتب المجمع في تعيين خمسة من الموظفين لترتيب هذه الجزازات وتدوينها، على أن يتم هذا العمل في نحو سنتين.

المرأة في نظر الإذاعة المصرية

في برامج الإذاعة المصرية برنامج اسمه (ركن المرأة) أكثر ما يذاع فيه عن المأكولات والمشروبات والملبوسات والمفروشات، مثل كيفية صنع (المكرونة بالفرن) و (الحمام المحشي) و (سلطة البذنجان) وكيف تنظمين هندامك يا سيدتي، وكيف تزيلين (البقع) من السجاد. . . إلى آخره وأحياناً يتحدث بعض الأطباء، فيتناولون موضوعات مثل آلام الحمل والعادة الشهرية. . . إلى آخره أيضاً.

وهكذا لا تخرج مواد ذلك (الركن) عن أمثال تلك الضرورات الحيوانية، فلا أدب ولا ثقافة ولا شيء من هذه الأمور التي تخاطب العقل والروح أو تمتع الذوق الفني. كأنهم يرون أن المرأة لا يعنيها غير الأكل والشرب وإزالة (البقع) ولو أنهم كلفوا أنفسهم النظر إلى برامج المرأة في الإذاعات الأخرى لرأوا فيها إلى جانب هذه الأشياء المنزلية ألواناً من الآداب والثقافات تقدم إلى المرأة باعتبارها إنساناً له عقل يحتاج كما تحتاج المعدة إلى الغذاء.

والأمر لا يحتاج إلى خبرة فنية إذاعية كالتي اكتسبها رؤساء الإذاعة أو التي يقال إنهم اكتسبوها من عملهم هنا أو رحلاتهم هناك. . فالمسألة يسيرة جداً ى تتطلب أكثر من أن ينظر أي موظف يعرف القراءة فيما تنشره مجلة الإذاعة المصرية نفسها من برامج الإذاعات العربية الأخرى، وهذا هو العدد الأخير نرى فيه (مراجعة كتاب غربي للدكتورة سهير القلماوي) و (برنامج اختبري معلوماتك للآنسة عناية رمزي) و (المرأة والفنون الجميلة للآنسة نلي نقادي) و (المرأة في الشعر والنثر) وغير ذلك من أمثال هذه الموضوعات.

فهل ترى الإذاعة المصرية أن المرأة (حيوان طابخ!)؟ ولم إذن لا تسمى ذلك (الركن (مطبخ المرأة)؟

مسرحية عزيزة هانم

افتتحت الفرقة المصرية موسمها الصيفي من أول شهر رمضان الحالي في المسرح الصيفي الذي أعدته في مكان سينما حديقة الأزبكية، وذلك بمسرحية (عزيزة هانم) وهي رواية فكاهية من نوع (الفودفيل) التي يقوم على سوء التفاهم الذي تنشأ عنه المفارقات المضحكة، فعزيزة هانم إنما هي فرس يعالجها الطبيب البيطري الذي أفهم خطيبته أنه طبيب بشري، ويحدث بسبب ذلك ارتباك تفهم منه الخطيبة أن عزيزة اسم خطيبة أخرى للدكتور، ويتبين لها في آخر الأمر أنها من مرضاه. . .

والرواية لا يقصد بها غير التسلية، وهي وإن كانت لا موضوع لها بطبيعة هذا النوع إلا أنها فكاهة راقية لا ابتذال فيها ولا إسفاف، أعني أنها تسلي المثقف وصاحب الذوق من غير أن يصطدم بمناظر متكلفة أو حركات مبتذلة. والرواية حقاً ليست مما يناسب رسالة الفرقة المصرية ولكن عذرها أنها تقدم بضاعة للصيف في الهواء الطلق وأنها احتفظت بجمهور الراقي لعدم الابتذال ونوع الفكاهة.

على أنها ستقدم بعد هذه الرواية مسرحية (مدرسة النساء) اقتباس المرحوم عثمان جلال عن موليير وهي مسرحية فكاهية أيضاً ولكنها تعتمد على الطبيعة الإنسانية في منطقها وتحليلها.

ورواية (عزيزة هانم) أخرجها الأستاذ فتوح نشاطي فأحسن إخراجها وإن كنت آخذ عليه إظهار الفرس على المسرح ولا سيما أن منظرها ليس جميلاً فهي مما يجر العربات وحالتها تستدعي تدخل جمعية الرفق بالحيوان، وكذلك منظر العملية التي أجريت للحمار، فقد كان ذلك مملاً وممجوحاً لا يستريح إليه ذوق المشاهد، وكان يكفي الحديث عن هذه الأشياء في الحوار دون حاجة إلى إظهارها.

والحوار طبيعي ظريف مما ساعد على إجادة الممثلين والممثلات، فقد قام كل من هؤلاء بدوره خير قيام، وخصوصاً حسين رياض وأمينة رزق ونعيمة وصفي وفاخر فاخر، ولا يمنعني عدم معرفة اسم الممثل الذي قام بدور (أبو شوال) عن الإشارة إلى توفيقه في هذا الدور.

عباس خضر