انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 83/الراعي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 83/الراعي



للأستاذ محمود الخفيف

راعني في الحقل إنشادٌ بديع ... والندى يغسل أجفان الصباحْ

فتطلعت الى راعي القطيع ... قد شجاه حسنُ اقبال الربيع

وتبدت روعة الكون له

فتغنى في هيام ومراح

باسم كالصبح في طلعته ... حالم العينين لماح الجبين

حمرة الاصباح في وجنته ... وصفاء الكون في مقلته

مرهفٌ كالغصن نشوان الصبا

غردٌ كالطير فياض الحنين

ثمل اللفتة في إقباله ... تتراءى فوق عطفيه عصاه

مرح يختال في سرباله ... معجل يعثر في أذياله

أو حليم قربُ المرعي له

فتهادى وتأني في خطاه

ذاكرٌ ليلاه في تحنانه ... رائع الانشاد في الارض الفضاء

تحمل الريحُ صدى ألحانه ... فتهزُ الحقلَ من أركانه

تذهل النوامَ عن أحلامهم

قبل أن تغرق في سيل الضياء

يصفُ الحب كما يعرفه ... قلبه الخالص من سوء الطباع

هاتفٌ، يسألُ (من ينصفه ... من غزال صد، لا يعطفه

دمعه المفسوح أو يرفه

عن دلال لج فيه وخداع)

أخت نفسي منه روعةٌ ... واستخفى معانيه العذاب

ملكتني إذ تعني نشوةٌ ... وتنزت في فؤداي صبوة

تركتني غارقاُ في حلم ضاحك الاطياف رفاف الجناب

تضحك الارض مع الشمس له ... ويشيع السحرُ في أركانها

يتبدى ل شيء حوله ... طافحَ البشر طروباً مثله

وترى الورق شجاها لحنه

فتغنت في ذرى افنانها

يصبحُ الراعي طروباً شادياً ... مطمئناً ليس يدري ما الشجن

وتراه حين يمس راضيا ... في ظلام الكوخ يغفو ثاويا

ناعمَ البال قريراً آمنا

هادي الضجعة ريان البدن

لم يكد صفوة حرصٌ ولا ... سَهَّدَتْ جفنيه أطماع الحياة

لن تراه نائحاً يوماً على ... أمل فات ولا يصبو إلى

ما طواه الغيب في أحشاءه

حسبه الله فلا يرجو سواه

ملهمٌ رُكبَ في فطرته ... حب ما في الكون من آي الجمال

تسمع التسبيح في لهجته ... وترى لاعجابَ في نظرته

ساذجُ الأحلام إلا أنه

صادق الوجدان مشبوب الخيال

كم رأى الفجر وما في أفقه ... من جمال واجتلى نور السحر

وتماى الصبح في إشراقه ... يفتن النظار من عشاقه

بصفاء تعلق الروحُ به

عبقري الحسن موموق الصور

ولكم أنس من حالي الضحى ... ومن الآصال مزدان الحُللْ

يجدُ الكونَ جميعاً مسرحاً - يجتليه غادياً او رائحاً

هائم يضرب في آفاقه

دائم الترحال موصول الجذل ولكم شاهد إقبال الدجى ... حين ذابت فيه ألوان الشفق

ورأى الليلَ إذا الليلُ سجا ... وانجلى البدرُ وضيئاً أبلجا

تقبس الألحاظ من رونقه

قبل أن يدركه موج الغسق

كم رأى الحقول النضره ... حفلت بالحسن في عيد الربيع

ورأى الصيف يعفى أثره ... بيد عاتيةٍ مقتدرة

تركت جنته خلويةً

جف فيها الزهر والروض المريع

ولكم أبهجه صفو الخريف ... ورآى سحر مجاليه الوضاء

واغتدى يرتع في ظل وريف ... قد سرى في جوه نفح لطيف

يملأ الصدر به مستروحا

قبل أن تعصف انواء الشتاء

يا قنوعا مثلت عيشته ... عيشة الانسان في فجر الوجود

يا خليا انسه وحدته ... إيه يا من برئت فطرته

من غرور العيش في زخرفة

يا طليقاً ما دري معنى القيود

يا قرير العين في خلوته ... لم يجرب مزة غدرَ الصديق

يا نقي القلب في غزلته لم ير العالم في زحمته

هات من لحنك ما يطربني

يا غريراً انت بالبشر خليق

يا رضي النفس في إيمانه ... نعمت نفسك في ظل رضاها

إيه يا من قر في وجدانه ... من هدى الله ومن رضوانه

ما ترنمت به في غبطة

فطن القلب إليها فوعاها

هات من لحنك يا راعي القطيع ... قد نفي لحنك عن قلبي الحزن هيه إني ما تغنيت سميع ... وسأمضي شاكراً هذا الصنيع

ذاكراً لحنك مفتوناً به

إن في ذكراه روحاً وسكن

محمود الخفيف