مجلة الرسالة/العدد 810/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 810/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 810
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 10 - 01 - 1949



للأستاذ عباس خضر

وميض الأدب:

صدر أخيراً كتاب (وميض الأدب بين غيوم السياسة) لمعالي الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظه باشا، وقد نشره الأستاذان أحمد عبد المجيد الغزالي والعوضي الوكيل. وهو كتاب أدب خالص، لا كما قال الناشران في كلمتهما إنه من أدب السياسة، وما أخال المؤلف إلا يعني بعنوانه أنه إنتاج أدبي استطاع أن يفرغ له بعض الفترات في خلال اشتغاله بالسياسة. فأكثره دراسات لشعراء معاصرين، بعضها ألقي في حفلات تأبين وذكرى شعراء فارقوا الحياة، والباقي مقدمات لدواوين شعراء أحياء، بعضها نشر وبعضها لم ينشر.

والكتاب يدل على أصالة أدبية لدى مؤلفه الكبير، ولولاها لما ومض هذا الأدب بين غيوم السياسة. ومعاليه رجل كريم، حتى في الأدب، وقد خيل إلى وأنا أقرأ بعض الفصول أنها (مآدب) يأدب إليها من يتحدث عنهم، وإن معاليه لناقد ذواقة حصيف لولا هذا (الكرم).

وفي الكتاب شيء لا أدري ماذا أسميه، وأكبر الظن أنه من عمل من قام بجمع مواد الكتاب. فيه مقالة كانت قد نشرت في الرسالة بعنوان: (أدباء معاصرون أرشحهم للخلود)، وقد كتب بازائها في الكتاب أن الرسالة افتتحت بها عددها رقم 780 ولكن حدث في الكتاب تغيير وتبديل وتقديم وتأخير وحذف وزيادة. . . ومن ذلك أن جاء في الكتاب: (إذا ما ذكر الناثرون كان في أولهم الأساتذة الأعلام: العقاد وهيكل والزيات والمازني) وبعد الكلام على الأول والثاني جاء عن الثالث (أما الزيات فهو أرق كتاب العصر ديباجة، وأنقاهم أسلوباً وأسلسهم بياناً). وأصل الكلام في الرسالة هكذا (إذا ما ذكر الناثرون كان أول من أذكره، وأول من يستأثر بإعجابي الأستاذ الجليل أحمد حسن الزيات، فهو أقوى كتاب العصر ديباجة وأنقاهم أسلوباً وأعرفهم بالصيغ العربية الصحيحة، ومن أراد البيان العربي في أسمى درجاته فعليه بما يكتبه الزيات).

ولا يخالجني شك في أن الباشا لا يصنع هذا، ولكن هل يعلم به معاليه؟

حدث في الجامعة: أشرت من قبل إلى ما حدث في الجامعة من التحقيق مع أحد خريجي كلية الآداب وهو الأستاذ كمال منصور، لأنه كتب مقالاً في (البلاغ) عن موقف الجامعة من الدكتور طه حسين بك.

وقد عقد له في الأسبوع الماضي مجلس تأديب برياسة مدير الجامعة وعضوية عميد كلية الآداب والأستاذ أمين الخولي الأستاذ بالكلية. وقرر المجلس فصل (المتهم) من معهد الدراسات العليا فصلاً نهائياً.

والمقال الذي حوكم كاتبه وفصل من أجله، يتضمن بيان جهود الدكتور طه في خدمة الجامعة وخاصة كلية الآداب وفضله على أساتذتها، ثم مقابلة ذلك بالتنكر والجحود ومعارضة رجوعه إلى الكلية أستاذاً زائراً، ثم مطالبة الجامعة بأن تعيد الدكتور طه إلى كلية الآداب ليعيد لها الحياة ويرجع إليها مكانتها.

ولا شك أن الجامعة قد ضاقت ذرعاً بذلك المقال، واعتبرته جريمة يستحق مرتكبها حرمانه متابعة الدراسات العليا بها، ولكن أين موطن المؤاخذة في ذلك الكلام؟ لا يجد المتأمل فيه إلا ما عسى أن يفسر به الجزء الخامس بتنكر الأساتذة للدكتور طه ونكران فضله عليهم الذي قال الكاتب إنه فضل مادي وأدبي فإن هذا يمكن أن يفسر أو (يكيف كما يقول القضائيون) بأنه تطاول من طالب على أساتذته، ولكن أما يليق بالأساتذة أن يفسحوا صدورهم إزاء خريج يرى من حقه أن يفضي بما يرى فيضربوا المثل في احترام حرية الرأي؟ ومن أولى من أساتذة الجامعة باحترام حرية القول وإن نالهم منه رشاش؟

ولو أن الجامعة أغضت عما كتب لمرت العاصفة بسلام وقال الناس: كلام. . . ولكنها غضبت فأنزلت العقاب. فأصبح الكلام حادثة في تاريخها. وما الذي يمنع قائلاً أن يقول إن غضب الجامعة على المقال وعقاب صاحبه يؤيد ما تضمنه، لأن رجالها يحاربون حقاً طه حسين فيضطهدون من يؤيده ويقف إلى جانبه، ويذهبون في ذلك إلى أبعد حد فيقضون لأنفسهم بإبعاده عن الجامعة وحرمانه الدراسة فيها.

النهضة الأدبية في العراق:

ألقى معالي الأستاذ محمد رضا الشبيبي محاضرة في الجلسة الخامسة لمؤتمر مجمع فؤاد الأول للغة العربية، عن (النهضة الأدبية العربية في العراق) بين فيها ظروف الحركة الأدبية العراقية في العصر الحديث، وعرض مظاهرها وخصائصها وتحدث عن طبقات الأدباء والشعراء، من عصر الوزير داود باشا إلى الوقت الحاضر. ومما قاله أن مما مني به الأدب أخيراً في العراق فقدان خطة عامة مرسومة للنهوض بالأدب وباللغة العربية في البلاد، ومن نتائج ذلك تشتت في الجهود الأدبية يخشى بعضهم أن يتطور إلى بلبلة فكرية، وقد تباعدت الشقة بين جيلنا الماضي والجيل الجديد، وأصبح حل هذه المشكلة بالتوفيق بين الجيلين شغل المفكرين الشاغل، وقد واجهت مصر مشكلة من هذا القبيل بلا شك ولكنها لم تبلغ حد المشكلة التي نواجهها في العراق وبعض البلاد العربية الأخرى لأن النهضة في مصر سارت منذ عهد محمد علي إلى اليوم في مراحل تدريجية تبعاً لخطة رسمها قادة الرأي في مصر فأدى ذلك إلى نوع من الاستقرار الفكري الأدبي، تغبطون عليه الآن. أما النهضة في العراق فلم تكن تدريجية خاضعة لخطة مرسومة، بل كانت اندفاعاً سريعاً إلى الأمام، على أن في العراق اليوم بالرغم من ذلك كله، طبقة من رجال العلم وأخرى من رجال الأدب والشعر، أما شعراء العصر وشعراء الشباب في العراق، ومثلهم على ما أظن شعراء العصر في مصر والشام، فهم فريقان: فريق يترسم شعراء الجيل في الماضي القريب مع شيء من التجديد. وقد نشرت لعدد من هؤلاء الشعراء دواوين لطيفة، ومنهم أحمد الصافي ومحمود الحبوبي ومهدي الجواهري والمقلد وعلي الخطيب وصالح الجعفري وشعراء الرابطة العلمية الأدبية المعروفة في النجف، ولولا هذه الطبقة الناهضة لخيل إلينا أن القريض العربي قد مات. وأما الفريق الآخر من شعراء الشباب، فهو يميل إلى مجاراة الغربيين ويحاول أن يتعاطى النظم على طريقتهم المعروفة، وعددهم قليل. وقد مالت طبقة تضم بعض حملة الشهادات الجامعية والعالية وغيرهم من الأدباء، إلى فن من فنون الأدب الحديث وهو فن القصة، فراحوا يخرجون القصص ترجمة وتأليفاً، ولا يزال هذا الفن في دور النشوء، وكثير من كتابه مقلدون. وفي البلاد عدد من العلماء والباحثين المنقطعين للدراسات على اختلاف موضوعاتها وكثرتهم في بغداد والموصل والنجف، وفي حواضر عراقية أخرى، ولهم أبحاث تنشر في بعض المجلات المصرية والسورية، نذكر منهم منير القاضي ومحمد بهجت الأثري ومصطفى جواد وعباس العزاوي وداود الجلبي وصادق كمونة.

وقد دار بجلسة المؤتمر نقاش في بعض ما تضمنته المحاضرة، واشتجرت الآراء خاصة في مسألة الخطة التي ترسم للأدب. وهل من صالح الأدب أن يترك ميدانه حراً أو توضع له مناهج؟ ولعلي أستطيع أن آتي بشيء من ذلك في الأسبوع الآتي.

الفرقة المصرية في الفترة الأولى:

انتهى في آخر ديسمبر الماضي موسم الفرقة المصرية بمسرح الأوبرا، وبدأت تعمل به الفرق الأجنبية من أول يناير. وتقوم الفرقة برحلات تمثيلية خارج القاهرة، تعود بعدها إلى العمل في مسرح حديقة الأزبكية.

وقد أمضت الفرقة نصف موسمها في هذا العام إلى الآن، وهي مرحلة يحسن أن نسائل الفرقة ماذا فعلت فيها، وننظر أحققت رسالتها أو شيئاً منها إلى الآن، والغاية من هذا أن نتبين طريقها وما فيه من عقبات، وهل هو طريق طبيعي يؤدي إلى ما تهدف إليه الدول من رعايتها.

الغرض من الفرقة المصرية ترقية التمثيل العربي باعتباره فناً من الفنون الجميلة، وهي بحسب هذا الغرض الفرقة الوحيدة في مصر التي يرجى منها إنهاض المسرح المصري، وأن تكون مركزاً ونواة للتمثيل المسرحي الرفيع. وقد استهلت الفرقة موسمها الحالي ومهدت له بدعاية واسعة، ومضت فيه إلى الآن. وتكشف برنامجها عن رواية مؤلفة جديدة واحدة هي (سر الحاكم بأمر الله) وبعض الروايات المقتبسة، ثم روايات كثيرة قديمة من تأليف المدير العام للفرقة الأستاذ يوسف وهبي بك، كان قد مثلها قديماً على مسرح رمسيس القديم، وهي دون المستوى الفني الذي يلائم الفرقة والذي يتفق مع كلمة (ترقية التمثيل العربي) وإنما تعتمد على تملق عواطف الجمهور تملقاً يؤذي أذواق طلاب الفن الرفيع.

وحقاً إن الحكومة ضنينة على الفرقة ولم تمنحها الإعانة الكافية، فلا تزال إعانتها أحد عشر ألف جنيه في العام، وهو مبلغ ضئيل لا يكفي لمطالب النهوض بالفرقة واتجاهها إلى تأدية رسالتها، لأن الجمهور لا يكفيها نفقاتها، ولكن لا ينبغي أن يفضي ذلك إلى أن تتحول إلى فرقة تهريجية تستجلب الجمهور بالإنتاج الرخيص، فهي لم تنشأ لتكون أداة للربح وإنما يراد بها ترقية فن التمثيل، ولا حاجة بنا إلى أن تهبط ذلك الهبوط بالانحراف عن مستواها، ففي فرق شكوكو وبديعة وغيرهما الكفاية.

على أن يوسف وهبي يستبد بأمور الفرقة استبداداً عجيباً، فهو يأخذ مرتباً شهرياً مائة جنيه وربع إيراد (شباك التذاكر) والباقي ينفذ على مطالب الفرقة ومرتبات سائر الممثلين والممثلات الذين يعملون فيها جنوداً مخلصين مع قائدهم المغوار عميد الممثلين. وهو ينشر الإعلانات في الصحف مشيداً بنفسه على حساب الفرقة أيضاً، وقد استحدث نوعاً باهظاً من الإعلانات وهو مقالات تصدر من إدارة الفرقة في مدح مديرها العام. . . وتنشر هذه المقالات مأجورة! وهو يحرص على أن يظهر بمظهر الزعيم المنقذ، لا الموظف العامل، فمنذ جاء إلى الفرقة دأب على وضعها صفراً على شماله، وإبراز نفسه، المؤلف، والمخرج، والفتى الأول، و. . . الخ، كان وزارة الشؤون الاجتماعية ألغت الفرقة المصرية و (ألفت) يوسف وهبي. ولم يبق إلا أن تسمى الفرقة (يوسف وهبي للتمثيل والموسيقى).

وقد كان الأستاذ زكي طليمات يسير على طريقة ديمقراطية، يعمل في خدمة الفرقة ويقدم أفرادها ويكاد ينكر نفسه. وأخيراً أفسح ليوسف وهبي وتركه يطعن نفسه برواياته، ولكن الطعنات تصيب صميم الفرقة، فهما من هذه الناحية يشتركان في المسئولية عن المصير الذي تنحدر إليه الفرقة الآن.

عباس خضر