مجلة الرسالة/العدد 810/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 810/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 01 - 1949



عيد الجميع:

ورد كتاب من ليبيا. برقة. بإمضاء (الشعب الدرناوي) أي شعب درنة. ولما كانت عادتي أن أرد على كل رسالة تأتيني مهما كان نوعها، فلم أدر لمن أرسل رد هذه الرسالة لأن مرسلها لم يذكر عنوانه. فلم تبق لي حيلة إلا أن أرسل الرد على صفحة من مجلة الرسالة لأن لهذه المجلة نصيباً فيها. وها بعض ما جاء فيها:

جناب. . . الأستاذ. . . نقولا الحداد الموقر

(بعد التحية. الشعب الدرناوي في قطر برقة المعجب بنخوتكم العربية والمعتز بقلمكم السيال الكاوي الصهيونية في مجلة الرسالة. . . (إلى ما هنالك من الثناء والإطراء مما لا أستحقه) يتشرف بتقديم أطيب التهاني لفضيلتكم بمناسبة حلول عيد الميلاد سيدنا المسيح عيسى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. ونرجو الله أن يعيد هذا العيد عليكم وعلى كافة العروبة بالنصر المبين، والاتحاد الدائم. كما أنه يتضرع إليه تعالى بأن يبقيكم لأننا لا زلنا في حاجة ماسة لأمثالكم لنهتدي بنور أفلامكم في مثل هذه الظروف العصيبة والمرحلة الدفيقة. وختاماً تقبلوا من جميع قراء مقالاتكم القيمة على صفحات الرسالة فائق الاحترام).

(ليبيا. برقة. الشعب الدرناوي)

أقول:

أغلى ما في هذه التحية الكريمة من شعب درنة أنها تجعل العروبة دين المسلمين والنصارى (علاوة على دينهما الأصليين) كما هو الواقع اليوم. المسلمون يعايدون النصارى بعيد ميلاد عيسى، والنصارى يعايدون المسلمين بعيد مولد النبي عليه أطيب السلام وعيدي رمضان والأضحى. فالمسلمون والنصارى يتبادلون التهنئة في هذه الأعياد بالتزاور والبريد والجرائد - الأمر الذي يدل على أن كلا الفريقين أدركا أن بين النصرانية والإسلام ليس إلا الزمن والتاريخ.

فالمسيح جاء في وقت كان لا بد من مجيئه فيه لكي يعلم هؤلاء اليهود الجوييم (الأنجاس) أن جميع الشعوب هم شعب الله وأنه لم يختر بني إسرائيل دون سائر الأمم شعباً خاصاً له كما يزعمون. وقد ضرب لهم مثل السامري الذي عني بجريح اعتدى عليه اللصوص واغتصبوا ما معه، بعد أن مر به كاهي ولاوي وفريسي من اليهود ولم يسعفوه وإنما السامري الذي ينبذه اليهود عنى به وأخذه إلى منزله وضمد جراحه الخ. ثم سأل المسيح اليهود من ِمن هؤلاء هو الإنسان الذي يختاره الله. أليس الذي صنع معه الرحمة؟

ولما رأى اليهود أنه يساوي بهم السمر المنبوذين صلبوه. فنظرية أن (الله رب العالمين) ضد عقيدتهم.

ولما جاء محمد كان زمن آخر يستلزم أن يأتي النبي محمد لكي يطهر البلاد العربية من الأوثان والأصنام وينظم الحياة الاجتماعية للعرب وغيرهم، ولكي يوطد التوحيد ويعلمهم أن (الله رب العالمين) أجمعين. فحاربه اليهود. وأمرهم معه معروف.

عيسى ومحمد عليهما أطيب السلام كانا يرميان إلى غاية واحدة وهي تقويم الإنسانية وإصلاح البشرية. وقد نجحا. وأصبح ثلاثة أرباع الكرة الأرضية من أتباعهما. أفليس من الجهل المطبق أن يفرق التعصب بين العرب؟ أو ليس نعمة من الله أن تكونت العروبة فربطت بين الفريقين؟

أجل، إن العروبة هي الحصن الحصين لحفظ كيان العرب كلهم يتماسكون تحت لواء العروبة لكي يدرءوا هذا الخطر الذي شرعنا منذ الآن نحسه - يهود يغزون لبنان، ويهود يحاولون أن يغزوا حدود مصر. وغداً وبعد غد يحاولون أن يغزوا كل ما حول فلسطين بين النيل والفرات، لا سمح الله.

فتنبهوا أيها العرب. . .

نقولا الحداد

2 ش البورصة الجديدة مصر

فلسطي فقط:

نشرت مجلة الرسالة الغراء لأحد موظفي المجمع اللغوي رداً على ما سبق أن نشرته في الأهرام الغراء تحت عنوان (فلسطي) نسبة إلى فلسطين.

وليثق حضرته أن ما كتبه لم يكن غائباً عني حين كتبت ما كتبت، وأن النسبة إلى فلسطين - بالرغم من كل ذلك - هي (فلسطي) فقط للأسباب الآتية: أولاً: أن القاموس بعد أن ذكر الحالين الإعرابيتين لفلسطين وأجاز إعرابها بالحروف وإعرابها بالحركات قال: (والنسبة فلسطي). . . وهذا أسلوب صريح في أن هذه النسبة ملتزمة في الحالين، ولو كانت تجوز نسبة أخرى لنص عليها.

ثانياً: أن المتتبع لكلام العرب الذي يعتد بنطقهم، ويحتج بقولهم: لا يجد فيه إلا (فلسطياً وفلسطية) قال الأعشى:

تخله فلسطياً إذا ذقت طعمه ... على ربذات الفي حمش لثاتها

وقال أبن هرمة:

كأس فلسطية معتقة ... شقت بماء من مزنة السبل

وهذا دليل على أنها النسبة الوحيدة التي استملها العرب، وأنها واجبة الالتزام في الحالين، وإن وافقت القياس في حال الإعراب بالحروف، وخالفته في حال الإعراب بالحركات.

وإذا كان حضرته يقول إن استقامة الوزن فحسب هي التي دفعت الشاعرين إلى إيثار هذه النسبة فليأت حضرته بكلام منثور لعربي حجة ورد فيه (فلسطين أو فلسطينية).

ثالثاً: جاء في لسان العرب بعد ذكر حالي الإعراب لفلسطين: (قال أبو منصور وإذا نسبوا إلى فلسطين قالوا فلسطي) ثم استشهد لسان العرب لهذه النسبة بالبيتين السابقين.

وهذه العبارة مضافاً إليها هذا الاستشهاد تدل أوضح دلالة على أن العرب كانوا يلتزمون هذه النسبة في كل حال.

رابعاً: نقل الأستاذ عن لسان العرب بعد الكلام عن قنسرين قوله: (والقول في فلسطين و. و. كالقول في قنسرين) وليعلم حضرته أن اللسان لا يعني بهذا القول النسبة، وإنما يعني جواز إعرابها بالحروف وجواز إعرابها بالحركات.

ولو أنه أراد النسبة لكان أولى أن يفصلها عند الكلام عن فلسطين نفسها؛ وإن سبق التزامه هناك للنسبة الواردة فقط: يحدد ما عناه هنا، ويلتفت إليه.

خامساً: لقد ورد في النسبة إلى قنسرين: (قنسري وقنسريني) وكان من الممكن أن تقاس عليها لو لم يرد في نسبتها شئ عن العرب. أما وقد ورد فيها (فلسطي) فقط فقد أصبح القياس متعذراً.

وبعد: فقد تجنى الأستاذ هلالي - وهو بالمجمع اللغوي - على اللغة واللغويين حين قال: (اختلف اللغويون في النسبة إلى فلسطين أهي فلسطي أم فلسطيني. . . الخ) إذ الحق أن اللغويين لم يختلفوا في النسبة إلى فلسطين، بل لم يختلفوا في النسبة إلى قنسرين. وإن معنى الاختلاف أن كل فريق منهم يلزم نسبة خاصة لا يجيز غيرها، وهو ما لم يحدث في فلسطين التي التزم اللغويين النسبة المسموعة عن العرب وهي (فلسطي). كما لم يحدث هذا في قنسرين التي اتفق اللغويين على جواز (قنسري وقنسريني) تمشياً مع الوارد فيها وتطبيقاً لقواعد النسب عليها.

إبراهيم بديوي

المدرس بمعهد طنطا

حول (كاد أن):

نشر في البريد الأدبي كلمة أشار فيها بأن الفعل المضارع الواقع في موضع خبر كاد لا يقترن بأن وذلك هو القياس المطرد إلى آخره، وهذا القول غير صحيح من عدة أوجه؛ إذ أن الرأي المتفق عليه عند النحاة أن (كاد) يترجح تجرد خبرها من أن كقوله تعالى: (يكاد زيتها يضئ) (وما كادوا يفعلون) فيكون الكثير في خبرها أن يتجرد. كما أنه يجوز اقتران خبرها بأن مع القلة، وهذا بخلاف ما نص عليه الأندلسيون من أن اقتران خبرها بأن مخصوص بالشعر.

وقد جاء مقترناً بأن في غير الشعر كقول الرسول عليه السلام (وما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب)، والحديث الشريف يتفق مع القرآن في أن القرآن لا يأتي باللغات الشاذة وإلا لما كان معجزاً، فكذلك الحديث لا يأتي باللغات الشاذة، والله تعالى يقول (وما ينطق عن الهوى)، وقول الشاعر:

كادت النفس أن تفيض عليه ... مذ ثوى حشو ربطة وبرود

والشعر العربي إذا تعددت فيه الأمثلة فلا يكون ذلك ضرورة ولا شاذاً وإنما هو قاعدة مسلم بها.

فاروق أحمد سلام معهد إسكندرية الديني