مجلة الرسالة/العدد 788/أيها العرب ما حك جلدك مثل ظفرك
مجلة الرسالة/العدد 788/أيها العرب ما حك جلدك مثل ظفرك
للأستاذ نقولا الحداد
قلتها وسأقولها أيضاً: لا تعتمدوا على الحق مهما كان حقكم صراحاً، لأنه ليس للحق مكان في هذا العالم الشرير؛ فقد علمتم أن هيئة الأمم هي جمعية تقسيم أسلاب وعنائم، وأن مجلس الأمن مجلس مؤامرات وما أوصت هيئة الأمم بتقسيم فلسطين إلا كتقسيم الأسد الأمريكي الفرائس على صعاليك الأمم والدول. وقد طاوعتم مجلس الأمن في الهدنة الأولى لظنكم أنهم يحسبون لكم احترامها كرام أخلاق، فظهر لكم أنها دسيسة سياسية دستها إنجلترا وأمريكا لكي تسلم الهاجناه من الهزيمة النكراء، ولكي تتسامح مزيداً وتزداد عديدا، وهكذا كان.
والآن وقد عاد برنادوت بقض وقضيض من الجنود والبوارج والطرادات والنسافات والطائرات الضخمة والحلزونية المركبات المصفحة والدبابات وو الخ من الأسلحة، وفي هدنة لا آخر لها لكي يجعل فلسطين أخيرا كلها، لا قسما منها، دولة إسرائيل. وقد جعل الهدنة بلا أجل مسمى، لكي يصفو له الجو، ويرتب ويدرب على مهل، وهو يزعم أنه يفاوض ويماحك ويناهض ويعارك وأخيرا يستفتي.
وما معنى كل هذا وقد علم أن فلسطين كل لا يتجزأ، فهل ينكنه أن يعمل أعجوبة بأن يجزئها وتبقى كلا؟ ثم يستفتي من؟ وهو يعلم أن العرب أكثرية ساحقة فلطبيعة الحال ستكون نتيجة الاستفتاء أن فلسطين كلها لسكانها من عرب ويهود وفلسطيينين فما معنى الاستفتاء، وما معنى المفاوضة والأمر واضح؟ إلا إذا كان رنادوت يظن أن العرب يملون طول الهدنة واليهود لا يملونها لأنهم مقيمون في فلسطين كلها يستغلونها وأهلها مشردون عنها. وكيف يمكن أن يعودوا إليها غير مسلحين ويأمنون شر اليهود الأرداء.
لو كان برنادوت (كونتاً) أي من الشرفاء كما قيل لما قبل هذه المهمة العقيمة، وهي مهمة غير شريفة، ولما قال إنه لم يأت لإحقاق الحق، بل لكي يسوى خلافا بين العرب واليهود بأية طريق ولو بالغبن بالعرب. ولما رأى أن هذه المهمة مستحيلة عليه عاد بقوات حربية ضخمة لكي ينفذ بالقوة القاهرة ما شاء وشاء له منتدبوه.
لا ندري الآن إلى أي حد يفلح. نترك الأمر للزمن. وإنما يجدر بالدول العربية كلها أن تحذو حذو العراق باستدعاء مندوبيها من هيئة الأمم إذا لم تقرر هذه الهيئة اقتراح سوريا بعرض قضية فلسطين على محكمة العدل في لاهاي. فربما كان فيها عدل، لأنه لا يليق بالدول العربية أن تكون أعضاء في عصابة متحكمين مستبدين يبتزون من هذا لكي يعطوا لهذا، ولا أن يكونوا في جمعية لا تريد العدالة.
برنادوت يستطيع بقوته الحربية أن يقهركم. ولكنه لا يستطيع أن يقهر عصابة الأرجون الإرهابية لكي تطلق سراح الإنجليز الخمسة، حتى إن إنجلترا التي عجزت عن تخليصهم من براثن الأرجون. تضطر أن ترفع شكواها إلى مجلس الأمن، وأن يقف السير الكسندر كادوجان إلى جنب شقي من أشقياء الأرجون، وهل تخضع عصبة الأرجون لمجلس الأمن إذا كانت لم تخضع لهيئة الإمبراطورية البريطانية العظمى؟
كنت أتمنى أن تكون هذه الحادثة مع ألمانيا في عهد هتلر أو مع فرنسا لعهد ديجول في دمشق، إذن لرأينا تل أبيب كلها تندك على رءوس سكانها في ساعة من الزمن، لأنه لا ألمانيا ولا فرنسا تحتمل هذا الاستخذاء إلا متى قهرت في الحرب.
ليس غرضي من هذا المقال أن أقول ما قلته الآن. بل غرضي أنأسائل: ماذا تعلمنا من دروس في هذه الأحداث الأخيرة؟
ظهر لنا أننا لم نبخل بالمال ولا بالرجال، حتى ولا قصرنا في السياسة وإنما سلاحنا قصر، وجميع الدول تألبت علينا فحرمتنا السلاح، ولولا هذا لكان بنو إسرائيل الآن طعاما لسمك بحر فلسطين.
نحن إذن في حاجة ماسة إلى السلاح، ليس الآن فقط، بل في كل حين، لأننا لا ننتهي مع الصهيونيين بانتهاء هذه المرحلة؛ بل سنبقى في صدام ما داموا بين ظهرانينا. فإن استتبت قدمهم في فلسطين كانوا نكبة علينا لا تنتهي. فيجب أن تكون دائما على استعداد لمناهضتهم إلى أن نقذفهم في بحر فلسطين. فمن أين السلاح؟
يجب أن نستغني عن سلاح أية دولة أجنبية. لماذا لا نصنع سلاحنا بأنفسنا؟ ماذا نقصنا؟ المال؟ نحن أغيناء. بالعقول؟ لقد شهد الأجانب في مؤتمرات كاليفورنيا ونيويورك ولايك سكسس أن لنا عقولا ممتازة. العمال؟ عندنا كثير منهم.
يجب أن ننشئ معمل ضخمة في جميع البلاد العربية لصنع آخر طراز من الطائرات الخفيفة الضخمة، وأن ننشئ معامل ضخمة لصنع المدافع من كل طراز والبنادق والذخائر على اختلاف أنواعها، وأن ننشئ دور صناعة وحياضا لصنع السفن، ومعامل لصنع المركبات على اختلاف أنواعها والدبابات.
كل هذا ممكن إذا كانت الدول العربية تعزم عزما صادقا أن نفعله، لا أن تعتمد على شركات مالية، لأننا نحن الشرقيين لم نجرؤ بعد على الأعمال الاقتصادية الاجتماعية. والعصر عصر اشتراكي أكثر مما هو إفرادي. فيحسن أن تكون هذه المصانع الحربية ملك الأمة لا ملك الأفراد أو الشركات. ويجب أن نقدم هذه المشروعات على كثير من المشروعات الحكومية التي يمكن تأجيلها لمدة خمس سنين على الأقل لأن الدفاع عن النفس يقدم على كل اعتبار
هذا ما يجب أن تفكر فيه الأمم العربية الآن، لأن العصر عصر الاعتماد على النفس، وإلا تغدى بنا الصهيونيون قبل أن نتعشى بهم. لم يعد في إمكان الأمم التواكل أو الاتكال على غيرهم ما دامت تبتغي الاستقلال التام. الاستقلال التام يقتضي الاستقلال في كل شئ على الإطلاق لا الاستقلال بكراسي الحكم فقط.
هذه كلمة صغيرة جداً من عربي صغير جداً، ولكنها كبيرة جداً لأمة عربية كبيرة أو تدعي أنها كبيرة. فالكبير يجب أن يكون مستغنيا عن كل كبير وصغير. والسلام على من اتبع الهدى
نقولا الحداد