انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 788/الفريقان المتحاربان في فلسطين الكرم واللؤم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 788/الفريقان المتحاربان في فلسطين الكرم واللؤم

مجلة الرسالة - العدد 788
الفريقان المتحاربان في فلسطين الكرم واللؤم
ملاحظات: بتاريخ: 09 - 08 - 1948


للدكتور عبد الوهاب عزام بك

وزير مصر المفوض لدى المملكة السعودية

- 2 -

ما ينقم اليهود من العرب إلا أنهم حموهم وأحسنوا إليهم وأفسحوا لهم في ديار العرب يعيشون أحراراً ويغشون معابدهم كما يشاءون ويتولون أمورهم الدينية دون حرج.

فتح العرب فلسطين والروم يسيطرون عليها والأمكنة التي يقدمها اليهود والتي يعادون العرب من أجلها اليوم مزابل عفي عليها الزمان والهوان، فطهر العرب هذه الأمكنة وجعلوها مساجد تنظيماً لها واتباعاً لأمر الإسلام الذي يعترف بما في الأديان السابقة من حقائق، ويعظمها ويبين أنه الدين العام الجامع الذي يجمع كل ما أوحاه الله إلى رسله في العصور كلها، والأقطار جميعها، بعد أ، ينفي عنها تحريف المبطلين، ويخلصها مما علق بها من خرافات الجاهلين.

وعاش اليهود في كنف العرب أحراراً في فلسطين وغير فلسطين وتبحبحوا في الأقطار العربية والإسلامية عامة، وساروا سيرتهم في عبادة المال، والتوسل إليه بكل الوسائل فوجدوا مرتعا خصبا ومتقلبا فسيحاً.

وقد بلغوا في أقطار العرب مناصب عالية، وكان لجماعات منهم شأن عظيم في الدولة الفاطمية في مصر، والدولة الابلخانية في العراق، ودول العرب في الأندلس، وغيرها.

ثم ضرب الدهر ضرباته، ودار الفلك دوراته، وجاء اليهود إلى فلسطين يزحمون أصدقاءهم في ديارهم، ويستعينون على حملتهم بالأمم التي كرهتهم وأذلتهم وشردتهم، ففقدوا بأعمالهم صداقة العرب، ولم يكن لليهود صديق سواهم في هذا العالم.

وينسى اليهود تاريخهم وتاريخ العرب كله ويرمون العرب بكل ما علمتهم أوروبا من عدوان، وبكل ما في سجاياهم وتاريخهم من ختل وعداوة للبشر جميعا إلا من كان يهوديا، وقالوا، بزعمهم: هذه بلادنا ومواطننا، نحن أولى بها، قد عشنا فيها زمناً، وسيطرنا عليها حقبة، ولسنا نبالي أن يكون العب استوطنوها بعدنا، وعاشوا فيها أكثر مما عشنا، عليها أطول مما سيطرنا، ودافعوا عنها ونحن مشردون في أقطار الأرض، وهم اليوم فيها يعمرونها ويتقلبون في أرجائها ويحفظون آثارهم ومآثرهم، وفي جوانبها آبائهم الذين استشهدوا فيها ودافعوا عنها جبروت الروم، وجالدوا من أجلها الصليببين مائتي سنة. يقول اليهود: لا نعرف التاريخ ولا نذكر فضل العرب فإنا قوم لا نزن الأمور إلا بالمال والمنفعة، ولا نقدر الأشياء إلا بفائدتنا وشهوتنا وإن نال غيرنا فهذا الضرر هوانا وبغيتنا، وبه جذلنا وغبطتنا، فإننا نعمل لأنفسنا، ونبغض البشر أجمعين سواء منهم من أساء إلينا كأهل أوروبا ومن أحسن إلينا كالعرب، ولكننا نستعين بجماعة على أخرى، ونتمنى أن يهلكوا جميعاً. . .

لليهود ماض في فلسطين، وللعرب ماض وحاضر؛ لليهود فيها تاريخ النقطع منذ عشرات القرون، وللعرب تاريخ موصول منذ عشرات القرون. لليهود في فلسطين تاريخ ذليل مشرد انقطع بجلائهم عنها وبأسهم منها، وللعرب تاريخ مجيد عزيز دافع عنها في غير بأس، واستقر بها في غير ذلة. لليهود في فلسطين أحجار مهدومة يبكون عليها هي بقايا الأحداث، وفضلات العصور وللعرب آثار قائمة مشيدة تصل تاريخهم، وتشهد بمآثرهم، وتكذب دعوى اليهود في كل بقعة. لليهود في فلسطين صفحات في الكتب، وللعرب صفحات خالدات في أوديتها وجبالها ومدنها وقراها.

ولو لم يكن للعرب في فلسطين إلا أنهم دافعوا الصليبيين فيها وحولها أكثر من مائتي عام حتى أجلوهم عنها، وأقروا مجدهم وتاريخهم فيها، لكان هذا كفيلا لهم بحقهم فيها أبد الدهر.

حق العرب في فلسطين يقاتل باطل اليهود، وإحسان العرب يقاتل كفران اليهود وكرم العرب يلاقى لؤم اليهود. يتقاتل في فلسطين الحق والباطل، الخير والشر، والمروءة، والنذالة، والأخلاق الإنسانية العالية، والطبائع الحيوانية الدنيئة، والتاريخ العزيز القائم، والتاريخ الذليل الميت.

وإن عدل الله سبحانه، وإن كرامة الإنسان، وإن أخلاق البشر، وسنن الخليقة، لتأبى أن يغلب جند الباطل جند الحق، والفئة اللئمية الفئة الكريمة، وأعوان الشر أعوان الخير، وحزب الشيطان، حزب الله.

(بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون).

عبد الوهاب عزام