مجلة الرسالة/العدد 683/القوة في نظر العلم
مجلة الرسالة/العدد 683/القوة في نظر العلم
للأستاذ محمد عاطف البرقوقي
العلماء والقوة:
نشأ الإنسان في الحياة ووجد إنه في كل شئونه يحتاج إلى القوة، ففي إعداد طعامه كان يخرج إلى الصحارى والغابات ليصطاد فريسته، فكان مضطرا إلى حملها بنفسه ليعود بها إلى داره، وفي هذا لا تنجح إلا القوة العضلية، وفي البناء كان قدماء المصريين يشيدون الأهرام والمعابد والقبور، وكانوا يستخدمون الإنسان في حمل أثقل الأحجار ونقل التماثيل من مكان إلى آخر، ومن ذلك انهم استخدموا عشرة آلاف رجل لتشييد الهرم الأكبر، يستبدلون كل ثلاثة ولمدة عشرية عاما، وذلك رغم استخدام الروافع والعربات والسفن.
وإذا ما تلفت الإنسان حوله وجد مظاهر القوة بادية، فقوة الريح تعصف بالأشجار فتكسرها، والماء الجاري يجرف المباني فيهدمها، والأجسام تسقط نحو الأرض بفعل قوة، وهي قوة الجاذبية الأرضية، والمد والجزر أثران من أثار القوة، والكواكب السيارة تدور وتتحرك نتيجة قوة، فلفت ذلك نظر العلماء، فاهتموا بدراسة القوة وآثارها، منهم العالم الإيطالي غاليليو الذي اهتم بدراسة حركة الأجسام الساقطة تحت تأثير جاذبية الأرض وتبعه العالم الإنجليزي سير اسحق نيوتن (1642 - 1727) الذي وضع القوانين التي تربط بين القوة والحركة والقوة والكتلة، ودرس حركة الكواكب السيارة فهو يعتبر بحق واضع أساس علم الميكانيكا وعلم الفلك، وتبعه علماء كثيرون درسوا القوى الناتجة من الهواء والماء والبخار والكهرباء.
القوة والحركة:
ومهما اختلف مصدر القوة فإن هناك علاقة كبيرة بين القوة والحركة، فأينما وجهت النظر إلى قوة من القوى وجدتها يصحبها حركة من الحركات، فالسيارة تبقى ساكنة ما لم تستخدم القوة الناتجة من احتراق بخار البنزين، والقاطرة لا تتحرك إلا بقوة البخار، وكلما زادت القوة زادت الحركة، وعندما توقف القوة فعندئذ تقل الحركة إلى أن تنعدم، وانعدام الحركة في الواقع ناتج من قوة هي قوة الاحتكاك بين العجلات والأرض، فالقوة تحرك الجس الساكن أو تعدم حركة الجسم المتحرك. وقد وضع العالم الإنجليزي نيوتن ثلاثة قوانين في علم (الميكانيكا) تسمى قوانين نيوتن في الحركة، أولها: (إن الجسم يبقى ساكناً أو متحركاً بسرعة منتظمة في خط مستقيم ما لم تؤثر عليه قوة)، فالجسم الساكن لا يتحرك إلا بتأثير قوة، فإذا قربت مغناطيساً من ابره من الصلب أو الحديد ساكنة تحركت بتأثير القوة المغنطيسية. وإذا شاهدنا جسماً متحركاً بغير سرعة منتظمة حكمنا على أن هناك قوة تحركه، وهكذا استنبط العلماء قوة جاذبية الأرض بملاحظة سقوط الأجسام نحو مركزها
قوة الاحتكاك:
ونلاحظ إنه إذا رمينا كرة من الزجاج ناعمة على أرضية ملساء فإنها تستمر بسرعتها المنتظمة في خط مستقيم، وحسب قانون نيوتن إذا لم تؤثر عليها قوة فإنها يجب أن تستمر إلى مالا نهاية كما يقول العلماء، ولكن من الناحية العملية تقل سرعتها تدريجياً حتى تصل في النهاية إلى السكون، وذلك لأنه توجد قوة تغير من حالتها هذه إلى السكون، وهذه القوة هي التي نسميها قوة الاحتكاك بين أي جسمين، وهي صغيرة بين جسمين ناعمي الملمس وتزداد كلما زادت خشونة الجسمين وكتلة الجسم المتحرك، فإذا رميت كرة ثقيلة من الحديد على أرضية خشنة وقفت حركتها بسرعة قوة الاحتكاك بينها وبين الأرض. وفي الواقع أن قوة الاحتكاك هذه تسبب ضياع نسبة لا يستهان بها من الطاقة للتغلب عليها سواء أكانت في حركة القطارات أم السيارات أم في إدارة الآلات
القوة الطاردة أو القوة والدوران:
الجسم المتحرك يميل إلى الحركة في خط مستقيم، فكثيراً ما نلاحظ أن السيارة المتحركة بسرعة كبيرة إذا ما فوجئ سائقها بجزء منحن من الطريق فإنه على الرغم من عمل مجهود كبير لإدارة عجلة قيادة السيارة فإنها تعصى سائقها وتسير في خط مستقيم، فيؤدي ذلك إلى ملاقاة حتفها. . . إما بالغرق إن كان الطريق بجوار ترعة وإما الاصطدام وإما بالخروج عن الطريق على أية حال، وكل ذلك لميلها للسير في خط مستقيم، وإذا ربط ثقل في طرف خيط وحرك الخيط باليد ليدور الثقل في مسار دائري حول اليد، فإن الثقل لا يسقط نحو الأرض بتأثير جاذبية الأرض له بل يدور بفعل قوة مركزية، وإذا قطع الخيط فإن الثقل عندئذ يتحرك في خط مستقيم من حيث أوقف تأثير هذه القوة المركزية
وإذا كان الثقل عبارة عن (كوز) به ماء وأدير الكوز بالماء فإن الماء لا يسقط وذلك لأنه توجد مركزية طاردة أي تحاول أن تطرد الماء نحو الخارج فيعوق قاع الإناء، ذلك وفي الصناعات يستخدمون هذه القوة في نواح شتى، ففي محال غسيل الملابس، يضعون الملابس المبللة بالماء في إناء كبير يدور، فبدورانه فيه قوة طاردة تطرد الماء من ثقوبه إلى الخارج فتعصر الملابس بطريقة سريعة، وفي محال الألبان الكبيرة يستخرجون القشدة من اللبن وهو طازج بأن يضعوا اللبن الحليب في إناء ويدار بسرعة فتنفصل القشدة عن اللبن بتأثير القوة الطاردة.
وراكب الدراجة عند دورانه يجب عليه أن يميل بجسمه إلى داخل الدوران حتى لا تدفعه القوة الطاردة إلى الخارج فيقع، ويخشى اثر هذه القوة في القاطرات والطائرات، فالقطارات عند دورانها يجب أن يكون القضيب الخارجي أعلى من القضيب الداخلي حتى تميل القاطرة عند دورانها إلى الداخل، وهناك قانون يبين مقدار زيادة ارتفاع القضيب الخارجي عن الداخلي، ويصل هذا إلى نحو عشرة سنتمترات.
وفي الطيران كثيراً ما يصاب السائق بدوخة إذا اضطر إلى ادارة طائرة بسرعة كبيرة تصل الآن إلى نحو 400 ميل في الساعة، وتزول الدوخة بعد أن تعود الطائرة إلى سيرها في خط مستقيم، وذلك لان دمه يسير في جسمه بقوة ضربات قلبه، فعند الدوران يميل دمه إلى السير في نفس الخط المستقيم الاصلي، فبذلك ينحرف دمه إلى جانب من جسمه ورأسه فيشعر بالدوخة.
القوة المعنوية:
هذا من ناحية القوة المادية، أو القوة التي لها أثر مادي من حركة أو سكون، واستكمال للبحث نشير أيضاً إلى القوة المعنوية، ورأى أن القوة على العموم - سواء أكانت مادية أم معنوية - يصحبها دائماً حركة، فكما أن القوة المادية تغير من سكون الجسم أو حركته المنتظمة، فكذلك القوة المعنوية تكسب الإنسان اعتزازا بنفسه عند الإقدام، وتهب له الثقة التامة عند العمل، وذلك بقدر اعتزاز الشخص القوى العضلات بجسمه، وثقته في النجاح بقوة إلا أن القوة المادية تظهرها قوة الجسد، والقوة المعنوية كامنة في الروح والنفس، وكما أن القوة المادية تنمي وتزاد سواء أكانت للفرد ام للجماعة، فكذلك القوة المعنوية فإنه يمكن أن تعزز وتقوي للفرد أو للامة ايضاً، فالطفل إذا شجع عند الإتقان، وأغضى عنه عند هفوته، علت نفسه، وقويت عزيمته، والرجل ما هو الا طفل كبير، ومن ناحية على الأقل. . .، والأمة ما هي إلا مجموعة أفراد تربطهم روابط خاصة، ولذلك يلجئون في الحروب إلى الرقابة على الصحافة والإذاعة، وذلك للعمل على رفع القوة المعنوية للامة وجيشها. ولابد لمن يهمهم رفع القوة المعنوية لفرد أو أمة من استخدام علم النفس الفردي والاجتماعي، وعندئذ تجد الأمة ذات القوة المعنوية العالية لا تزعزع منها الثقة، ولا تضعف منها العزيمة، بل تسير قدماً فيما أرادت، واثقة من فوزها في النهاية، متأكدة من الوصول إلى هدفها وإدراك الغاية والثقة - وهي وليدة القوة المعنوية - لها نصف العمل، والنصف الآخر للقوة المادية، وهب لنا الله من لدنه القوة المادية والقوة المعنوية، وهدانا إلى سواء السبيل.
محمد عاطف البرقوقي
ناظر المدرسة التوفيقية