مجلة الرسالة/العدد 507/إلى الأب أنستاس ماري الكرملي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 507/إلى الأب أنستاس ماري الكرملي

مجلة الرسالة - العدد 507
إلى الأب أنستاس ماري الكرملي
ملاحظات: بتاريخ: 22 - 03 - 1943



لا. . . بل النحاة واللغويون ثقات!

للأستاذ عبد الحميد عنتر

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

القسم الرابع

فعلول (المفتوح الأول)

1 - جاء في (الرسالة) بالعدد (504) بين قوسين هكذا (المفعول الأول)، بعد لفظ (فَعْلول) ولعله تحريف، وصوابه (المفتوح الأول).

2 - أثبت الأب هنا قول اللغويين: إنه لم يجئ على زنة (فَعلول) إلا لفظ (صَعفوق) وهو اللئيم من الرجال، أو بلدة باليمامة؛ ثم أخذ ينفخ في بوق (توت عنخ أمون الحربي) حتى أثارها حرباً شعواء، أشنَّها على جميع اللغويين: القدامى منهم والمحدثين. قائلاً: لقد فحصت ونقبت، وحققت ودققت، فإذا الكلمات التي جاءت على هذا الوزن تبلغ الثلاثين أو تزيد، وإذن فيجب نقض القاعدة القائلة: (ليس لفعلول في اللغة سوى حرف أو حرفين) وتذريتها في الهواء هباء منثوراً. انتهى كلامه ببعض تصرف.

قلت (وهو ختام القول): إن الذي قاله اللغويون وتبعهم النحاة صحيح مستقيم، وإن القاعدة التي أسسوها متينة سليمة.

وإيفاء بما وعدت من الإنجاز أجمل ردي فيما يلي:

1 - إن ال 29 حرفاً التي زادها الأدب على كلمة (صعفوق) موزعة كما يأتي:

(بعضها) منكر لم يثبت إلا بطريق الاستنتاج , وهو (صعقول) لضرب من الكمأة!

(وبعضها) روى بالضم والفتح، ولكن الضم أفصح وأشهر. من ذلك: عُصفور ودسُتور وبرُغوث وخرنوب (الخروب) وبرشوم (أبكر النخل بالبصرة)

(وبعضها) على وزنه (فَعَلول) بفتحتين، وهو (قَربَوس)، وسكون الراء لغة ضعيفة.

(وبعضها) على زنه (فَعْلون) لا (فعلولّ!) ومنه: حمدون وسعدون وخلدون، والضم في هذا أفصح، وعبدون، ويكثر هذا الوزن في الأعلام الشخصية.

2 - عجبت كل العجب كيف يذكر الأب حمدون وما على شاكلته، ممثلاً به لما جاء على (فَعلول)، مع أن قواعد الميزان الصرفي تأبى ذلك كل الأباء.

وإنما هي على زنة (فعلون) كما بنيت، وكما هو مسطور في كتب التصريف!!

3 - أتحدى (الأب) أن يأتي بكلمة واحدة، عربية أو معربة، جاءت على وزن (فَعْلول) بفتح فسكون باتفاق علماء اللغة غير صَعْفوق المعرب من اليونانية كما قيل. إن فعل ذلك كنت به من الشاكرين.

4 - كثرة ممارستي لتدريس (علم الصرف) تسمح لي بأن أستنتج السر في امتناع العرب من النطق بألفاظ على زنة (فَعْلول) استقلالاً.

وبيان ذلك، أن العرب أكثرت من استعمال الألفاظ التي على وزن (فَعْلول) بضم الأول، أصيلة ومعربة، كالشمروخ (فرع العِذق)، والأُثكول والعثُكول (كلاهما بمعنى الشمروخ، والعنقُود والعصفور والدّستور، وغيرها كثير في اللغة، ولم تستعمل على زنة فَعْلول إلا صعفوق المعرب، ومع ذلك روى فيه ضم الأول وإن كان ضعيفاً. والسر في هذا خفة الانتقال من ضم إلى ضم بينهما سكون. فالضم في الأول يناسب الواو قبل الطرف. وأما بناء (فَعْلول) الذي كلامنا فيه، فأوله مفتوح. والفتحة لا تناسب الواو التي هي بنت الضمة، ففيه الانتقال من الفتح، وهو خفيف، إلى الضم وهو ثقيل، ولم يحفل العرب بالسكون المتوسط الذي يخفف أمر الثقل؛ لأن الضم بعده سكون ثم ضم، أسلس في لسانهم من فتح بعده سكون ثم ضم؛ لذلك كان فتح الأول في الكلمات التي ورد فيها الضم لغة ضعيفة متروكة. وهذا تعليل لما اقتضاه ذوق العرب آمل أن يكون صحيحاً.

وبعد، فقد أثبت البحث اللغوي، أن النحاة واللغويين، كانوا على يقين لا يخالجه شك، حين قالوا: (ليس في اللغة اسم على وزن فعلول غير (صعفوق) وقد انعقد الاجتماع على أنه معرب دخيل! وإن فليس للأب أنستاس، ولا لغيره من أرباب البحوث اللغوية بعد هذا البيان - أن يرفع عقيرته فوق المنبر الأدبي العلمي العالمي منبر (الرسالة) بقوله: (لماذا لا أثق بأقوال النحاة ولا اللغويين) بل الأجدر به والأليق بمنزلته أن يقول: إن اللغويين والنحاة، أعلام أثبات ثقات

وأقول أخيراً: إني لا أجد مثلاً للنحاة واللغويين مع الأب أنستاس، إلا قول من قال: أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل

وقول الآخر:

أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني

وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني

جّملنا الله بحلية الأدب، وجنبنا مواقع الخطل والزلل، بمنه وكرمه.

عبد الحميد عنتر

أستاذ بكلية اللغة العربية