مجلة الرسالة/العدد 409/غريب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 409/غريب

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 05 - 1941



للأديب محمد قطب

غريب أنا في ذلك الكون كله ... على سعة في الكون توحي بإيناس

غريب بنفسي عن نفوس كثيرة ... غريب بفكري عن دُنى ذلك الناس

وأحسب أنى تائه في غمارهم ... كما ضل ومض في غمار الدجى القاسي

وما نلتقي في خفقة أو وشيجة ... ولا فكرة عليا ولا طيف وسواس

وما بيننا من رابط غير أننا ... نجوب معاً دنيا من الحلك الكاسي

ترى أينا أصفى ضميراً وعنصراً ... ومن فيه صدق أو سلامة إحساس

لأحسب في دنياهُم كل ضلة ... وأحسبها دنيا شرور وأرجاس

لقد كنت قبل اليوم هيمان في الذرا ... أحلّق نشواناً إلى كل مرتاد

يفيض بنفسي الفن بشراً وغبطة ... ويهتف في أذنيّ كالطائر الشادي

ويخلق في نفسي مُنىً عبقرية ... ويلهمني الإحساس كالكوكب الهادي

ويمنحني صفو الحياة وذخرها ... وأجمل ما يهفو له الناهل الصادي

فأشبع حبي للحياة نقية ... ويسمو إلى خلد السماء فؤادي

فأرقب هذا الناس في ديوانه ... كما أرقب الأنعام تنساب في الوادي

فيأخذني رفق بهم في ضلاهم ... يهيمون في دنيا الظلام بلا حادي

ولكنني أقفرت يوماً من المنى ... وجئت إلى الظلماء غير مزود

فلفتني الظماء من كل جانب ... وبثت ليَ الأشواك في كل مقصد

وما أرتوي من مورد، أي مورد ... وما ألتقي إلا بدجوان أجرد

وطال هيامي في الظلام بلا هدى ... فأجهدت من سير ممل مشرد

وأخلد قلبي لسكون وللكرى ... بليداً من الإحساس أي تبلد

فلما أفقت اليوم من ذلك الكرى ... تلمست حولي الكون علِّيَ أهتدي

فألفيتني فيه غريباً مشرداً ... أهوِّم في واد من التيه سرمد

(معهد التربية)

محمد قط