مجلة الرسالة/العدد 352/عقيدة النازي المالية
مجلة الرسالة/العدد 352/عقيدة النازي المالية
للدكتور جواد علي
سمَّيت سياسة الوطنية الاشتراكية المالية وآراءها الاقتصادية (عقيدة)؛ لأن الهتلرية لا تعتقد بالنظريات العلمية، ولا تعترف بالقواعد التجارية التي تسير عليها الدول الأخرى؛ بل تدين بعقائد ثابتة مكتوبة ونصوص تخضع لها ولا تحيد عنها: هي نصوص العنصرية والدم والأرض وهي المفتاح لكل حضارة أو مدنية في العالم، والتجارة والثروة من نتائج الحضارة البشرية، والحضارة البشرية هي المظهر الخارجي للعامل الداخلي الأساسي المختفي: الدماء
لذلك فاقتصاديات شعب مرتبطة بقوته وبسلامة العنصرية من الامتزاج بالدم الأجنبي الدخيل. والروح التي تكون في كل جسم، كما أنها في كل أمة، هي التي تغير اقتصاديات أمة وتكيفها حسبما تريد؛ لا الإنتاج كما هو مذهب كارل ماركس إذ يقول: (غيروا الإنتاج تغيروا البشر). ولا المادية كما عليه البلشفية وأصحاب المادة؛ والروح ليست من قبيل الأحلام أو الأفكار أو الاصطلاحات العلمية أو بالمعنى الذي ورد في فلسفة أفلاطون؛ بل هي حقيقة واقعة لا شك فيها، عاملها الدم لا التفكير البارد فقط
وبما أن لكل شعب روحية خاصة وعقلية تميزه عن عقليات الشعوب الأخرى، فاقتصاديات كل أمة ونظمها التجارية يجب أن تكون وفق نظمها وقواعدها السياسية والعقائد الاجتماعية والتاريخية وآرائها الثقافية العالمية. وعلى ذلك يجب أن نجعل القواعد الاقتصادية وأساليبها خاضعة لمصلحة جماعة الأمة لا أن نجعل الاقتصاد خاضعاً لنظريات وقواعد عالمية وأصول علمية وضعتها أدمغة العلماء بصورة مجردة نظرية لم تستند إلى قواعد العنصرية والظروف التي تحيط بكل أمة. فهي لذلك تضحك من كل علم يحاول وضع قواعد عامة مسلمة أو آراء أممية يجب السير عليها. وهي تفتخر بأنها ألغت نظريات العلم الشائعة اليوم واتخذت قواعد مكتوبة وفق آرائها وعقيدتها. وهي تحارب فكرة حرية التجارة وإلغاء الرسوم الكمركية ومبادئ (آدم سميث) و (ريكاردو) وجميع وهي بالجملة تقارب أصحاب فكرة حماية فكرتها، وتحذو حذو مذهب ال الذي يحاول أن يجعل الدولة المسيطرة على جميع اقتصاديات المملكة ومواردها التجار ولكنها تختلف هنا عن الشيوعية والبلشفية في نظرية إشراك الدولة في المسائل الاقتصادية رأساً. فالوطنية الاشتراكية تريد كما تدعى حق الإشراف المطلق على سياسة الأمة الاقتصادية فتسيرها وفق مبادئها وآرائها، فلا تتساهل مع كل متوان أو متجاهل لأنظمة النازي بواسطة القوانين التي تضعها والمحاضرات التي تلقيها على التجار وبواسطة الهيئات التجارية التي تعينها من بين رجال حزبها لا بطريقة الانتخاب وبواسطة هيئة وضع الأسعار التي يشرف عليها قوميسير الأسعار إلا أنها لا ترى وجوب اشتراك الدولة في البيع والشراء وإدارة المعامل والإنتاج رأساً، ولو أنها تتدخل في الحقيقة في كل شيء، ولها في كل معمل أو محل رجل معين من قبل الحزب يسمى بمثابة عين على كل عامل، وذلك ما يخالف مبدأ البلشفية والمركسية الذي يدير المعامل رأساً وكذلك الاقتصاديات الكبرى.
رأت الهتلرية أن خير حل لمشكلة العمل والعمال هو الاعتراف بمبدأ الملكية الشخصية ولكنها ترى أن صاحب المال أو المعمل من جهة أخرى هو مدير لماله أو لمعمله أو قائداً يتصرف به وفق الأنظمة والقوانين والطرق الشرعية الشريفة، فسمته مدير محل، ولم تسمه مالكاً إذ يتصرف المالك قانوناً كيف يشاء بينما سلب منه هذا الحق هنا. وعلى ذلك فوضع الأسعار والأجور وأوقات العمل وأسعار التصدير إلى الخارج أو البيع في الداخل لم يعد من حق أصحاب المال بل من حق الحكومة فقط. وكل من يحاول استغلال ماله عن طريق يخالف مبادئ النازية يكون نصيبه العقاب الصارم أو الإعدام لأنه خائن للأمة ولص خطير. كما أن كل عامل رجل مؤتمن على العمل فعليه الإطاعة والخضوع لأنظمة العمال التي هي أنظمة الشعب والدولة وإطاعة أوامر من هو أعلى منه درجة، وكل مخالفة تكون عاقبتها العقاب الصارم أو الإعدام أيضاً
تعترف الهتلرية بالأنانية وحب الذات كصفات غريزية في البشر، لذلك ترى مكافحتها بقاعدة (النفع العام قبل النفع الخاص وهذه القاعدة تستدعي وضع تربية سياسية جديدة تكون أسسها مرتكزة على العواطف قبل التفكير وعلى الإطاعة قبل إدراك السبب أو الباعث وهو الطابع الحديث الذي تنطبع به فلسفة الوطنية الاشتراكية. ونظراً إلى ذلك وجب مراقبة الأرباح التي تدعو إلى كل مشكلة وتخليص البشرية من عبودية المرابين، وذلك بجعل أصحاب المال تحت سيطرة سياسة الدولة رأساً لا الدولة تحت سيطرة أصحاب رؤوس الأموال الذين يطلقون عليهم لقب هو الشأن في الدول الديمقراطية والأمريكية، ولذلك يجعلون هؤلاء مصدر كل حب وبغض إلى الألمان ويتهمون هذه الدول بكونها تخضع للسياسة اليهودية التي تنتمي إلى هذه الطغمة
ولإنقاذ الشعب والحكومة من عبودية الربا وجب تنظيم الأرباح على قاعدة (الربح على قدر العمل والقضاء على بيوتات البيع الكبرى والشركات الاحتكارية وتقسيمها إلى محال صغيرة فنحو (100000) اسكاف خير من وجود خمس شركات كبرى، لأن من طبيعة المحال الكبرى الميل إلى الأرباح دون الالتفات إلى التحسين، وبتخليص الفلاح من الديون. والفلاح هو رمز العنصر الشمالي الآري وكل سياسة اقتصادية لا تستند إلى محصولات تكون سبباً لهلاك الشعب وتدهوره. والتاريخ يرينا كما يقول هؤلاء أن سبب سقوط الشعوب هو إهمالها الزراعة، وبسبب تقدم الصناعات الكبرى توسعت المدن وظهرت روح جديدة هي روحية المدن بأمراضها المختلفة وازدراء الفلاحة وسكان الأرض وهذا معناه الانحطاط الثقافي. لذلك كان من واجب الوطنية الاشتراكية مقاومة توسع المدن وإرجاع السكان إلى العمل في الأراضي خارج المدن واتخاذ سياسة استيطان جديدة وإلغاء القوانين التي تجعل الفلاح في عزلة عن أهل المدن أو أقل منهم ثقافة واجتماعاً، وتحويل المدنيين إلى شعبيين؛ وبذلك تعود الحضارة البشرية والروح الجرمانية التي يحلم بها هتلر، وتختفي الفروق الموجودة بين الشعب الواحد، وتنفيذاً لهذه السياسة ترى وجوب الإشراف على بيع الأراضي وتوزيعها بحيث تضمن ما تراه بصورة عملية
أما التجارة الخارجية للشعب فيجب أن تشرف عليها الدولة كذلك وتحدد أسعارها. وتقوم بذلك الدول فيما بينها بعقد معاهدات تجارية حسب رغبات الدول وحاجاتها لا على قواعد علم الاقتصاد ومبادئ حرية التجارة أو المبادئ المالية الأخرى، وتكتب هذه المعاهدات بلغات الدول المتعاقدة لا باللغة الفرنسية كما هو الشائع الآن. وأساس هذه المعاهدات هو نظام المقايضة أو تبديل بضاعة ببضاعة، وهو نظام تراه الوطنية الاشتراكية أكمل نظام طبيعي، وقد كانت تتبعه قبل الحرب العظمى فسبب حصول التوتر الشديد فيما بينها وبين بريطانيا وهو الذي يدعو إلى قلق الأمريكيين دائماً وخوفهم من تفوق التجارة الألمانية على أسواق أمريكا الجنوبية، وذلك الذي تطلب منعه واتخاذ أساس الشراء الحر
ونظراً إلى أن ألمانيا فقيرة في المواد الابتدائية فمن الواجب إيجاد مصادر لها في الخارج وهي المستعمرات. وتقسم ألمانيا مبدئيا العالم إلى قسمين: أمم متحضرة مستهلكة ومصدرة، وأمم كتب عليها أن تشتغل لتزويد هذه البلاد المختارة. ولكن ما هي المقاييس التي تتخذ قاعدة في الشراء؟ الذهب أو الإنتاج؟ إن خلو ألمانيا من الذهب يجعل هتلر يرفض قاعدة الذهب ويطعن في البلاد التي تتعامل به. وإن والعمل هما رأس المال فقط. وعلى ذلك فكل دولة تشتغل بنشاط وتكافح في سبيل قوتها تكون هي المملكة الغنية في العالم، ولهذا وضع مشروعاً سماه مشروع أربع السنوات غايته الاعتماد على المنتجات الداخلية واستخراج كل ما يمكن من الأرض الألمانية بتفضيل كل ما هو ألماني على غيره ولو كان أقل جودة وأردأ نوعاً. فالمطاط يجب أن يستخرج من مواد ألمانية سرية، وكذلك السلولوز والنفط والبنزين من الفحم الألماني، وكل مملكة تسد نقصها من الخارج فهي دولة منحطة متأخرة؛ حتى قوائم الأكل يجب أن تكون ألمانية بحتة، ولذلك تستخدم لجنة مشروع أربع السنوات كل ما لديها من وسائط في سبيل إقناع الأمهات وخصوصاً العجائز منهن بعدم شرب القهوة أو الشاي بكثرة، وبعدم أكل القشدة المحبوبة لدى المسنات على الأخص بإفراط اقتصاداً وحفظاً للنقد الألماني من الذهاب إلى الخارج. ولكن ذلك ليس من السهولة بمكان، فقد اختفت الأقمشة الصوفية الجيدة من الأسواق الألمانية، وظهرت عوضاً عنها الأقمشة الصوفية السلولوزية المنتجات المتينة ولكنها أخذت تنافس أحسن الأقمشة البريطانية في الخارج، وتنافس بضاعات الأمم الأخرى حتى في أسواقها المحلية. كل ذلك لجر النقد الأجنبي إلى ألمانيا وتغطية العملة الورقية فيها
جواد علي
خريج جامعة هامبرك بألمانيا