مجلة الرسالة/العدد 352/أيها الأطفال!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 352/أيها الأطفال!

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 04 - 1940



للأديب أحمد محمود فهمي

أنتم أولاد الطبيعة أما نحن فأولاد الحياة!

أنتم تصورون لنا الطبيعة في شكل آدمي لأنكم صورتها الآدمية!

تغريكم الدمى وتسركم الأضواء وتبهركم الألوان

لا تحتاجون إلى أسرار أيها الأنقياء الأطهار.

وما حاجتكم إلى صدر زاخر بالأسرار وأنتم الذين لا تقبلون الحياة إلا بسيطة سهلة لا تعقيد فيها ولا إشكال

خير عندكم من كل مباهج الكبار ومسراتهم، دمية صغيرة محبوبة، تدورون بها في مجال المرح والسرور

يقينكم أنه ليس لكم يقين، وظنكم أنكم لا تعرفون الظنون أأنتم لاهون عن الحياة أم الحياة لاهية عنكم؟

تمر عليكم قافلة الحياة حافلة بشتى المعاني والألوان، وأنتم عنها لاهون، كأنكم من غير أعين ولا آذان

لا تعرفون من الحياة إلا طفولتكم، ولا تعرفون من الطفولة إلا الفطرة والسذاجة والإخلاص!

نحن نحتاج أحياناً أن نجالسكم لنتذكر في ظل طفولتكم أيام كنا مثلكم، وننشق من عرف لهوكم وعبثكم ما كان لنا في ماضينا الطفلي العجيب من لهو عابث وعبث لاه، في قلوب مطمئنة متوثبة معاً، تعرف كل شيء، ولكنها لا تعرف شيئاً!

حياتكم هادئة مطمئنة لا يفزعكم فيها شيء؛ ونحن نثوب إليكم دائماً كلما ثارت بنا الحياة، أو اضطرب عليها هدوءنا وطمأنينتنا، فنراكم في حجر الطبيعة الأم الحنون، تهدهدكم وتنثر بين أسرتكم الورود والرياحين

إن الحياة تفسد الطبيعة، ولكن الطبيعة تصلح الحياة، وإلا فما كانت الحياة تسلب من علَتْ به السن معالم الطبيعة ونقاء الفطرة

أراكم تجرون في العمر تريدون أن تلحقوا بنا في مضمار الحياة، ونحن كذلك نجري في طريق العمر إلى مدى لا يعلمه إلا الله

إن منكم من سيظل طفلاً برغم تقدم الحياة والسن، لأن لون الطبيعة قد انطبع على إهابه

وإن منكم من ستسلب منه الحياة فطرة الطبيعة، فيصير كأهل الحياة، يتعلم مكرهم وختلهم، وتتلاشى من نظراته تلك الأضواء البراقة التي عرفها في طفولته أسلوباً من لغة الطبيعة. والناس بهذا الوضع سيندفعون مع التيار، وتنغمر عواطفهم في العباب

ليت الطفولة لا تفارق الناس في كبرهم، ولكن هل كانت الحياة تستقيم على هذا المنهج؟

إننا إذا خرجنا عن نطاق الفلسفة أو دخلنا في نطاقها وجدنا أنفسنا أحوج ما نكون إلى أن نتخلق ببعض أخلاق الطفولة، فليست كل مميزات الطفولة غير صالحة؛ فإن بين طباعها الطهر والنقاء والصفاء؛ وما أحوجنا في كل حين أن نكون أنقياء بكل معاني النقاء!

إن الطبيعة والحياة لا تتنافران، بل ما أحوج المجتمع أن يمزج بين عناصرهما ليتحقق الانسجام والاعتدال

يريد المصلحون أن تقل من المجتمع الشرور والآثام، وهل يتحقق ذلك إلا إذا مزجنا حياة الكبار بطبيعة الأطفال

وماذا يمحو الشر والإثم غير الصفاء والنقاء. . .؟

الواقع أننا في حاجة إلى مدرسة للطفولة نعلم فيها الكبار فطرة الأطفال، نعلمهم أو نذكرهم فيها طبيعة الطفولة فيما تفردت به خصائصها ومميزاتها من الفطرة والسذاجة والنقاء

وهل ينسى من فارق مجال الطفولة أنه كان من أبناء الطبيعة فأصبح من أبناء الحياة!

أحمد محمود فهمي