مجلة الرسالة/العدد 265/حظي بالشيء. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 265/حظي بالشيء. . .

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 08 - 1938



لأستاذ جليل

الرافعي، المجمع اللغوي، أزهري المنصورة، اليازجي. . . .

. . . . .

- 2 -

طالع الأستاذ الرافعي (رحمه الله) كلمة المجمع اللغوي (البلاغ 17 شوال 1352) فنشر مقالة عنوانها (أول الغلط من المجمع اللغوي، رد على رد) - البلاغ 18 شوال 1352 - أطنب فيها في أمر البرقية ثم قال: (وانتهى الأستاذ (أي مدره المجمع الشيخ حسين والي) إلى مادة اللغة فلم يأتنا بكلام من الفصيح جاء فيه مثل استعمال (يحظى بتشريف) بل سكت عن هذا مع أنه هو كل ما نريد. ثم قال: إنه يجوز استعمال الباء مع حظي واستدل بقول الزمخشري في الأساس (حظي بالمال وأحظاه الله بالبنين) وها هنا أردنا أن يبحث أعضاء المجمع في وجه استعمال حظي بالمال وحظي بالبنين، فأنهم إن اهتدوا إليه فسيرونه رداً عليهم. ولا نزال نطلب إليهم أن يأتونا بالتاريخ الاجتماعي لهذا الفعل (حظي) لينكشف لهم الخطأ في استعماله. ثم قال فضيلته: (إنهم استعملوا التشريف بمعناها الأصلي لا بمعنى الحضور، ومعموله مفهوم أي تشريف جلالته إياه) قال هذا وسكت عن الباقي، والباقي هو قولهم (تشريف جلالته إياه لافتتاحه) فإذا لم تكن هذه اللام في (افتتاحه) نصاً في تقييد معنى التشريف بالحضور فما موضعها هنا؟ إن المجمع على كل حال قد حظي بتشريف جلالته إياه) إذا أريد من التشريف معناه الأصلي، فإن هذا المجمع إنما هو عناية سامية من جلالة مولانا الملك وأثر من آثار فضله وبركة من بركات يمنه وكل هذا تشريف، فعلى تأويل حضرة العضو يكون كلامهم لغواً لا محل له، وإلا فرده هو لغو لا محل له)

الأستاذ الرافعي وأزهري المنصورة

في 19 من شوال سنة 1352 ظهرت في (البلاغ) كلمة عنوانها (حظي بالشيء والأديب الصغير) للأستاذ أزهري المنصورة. ومما قاله: (قال (ديوان الحماسة):

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلج وقال (الأساس): (وحظي بالمال، وتقول: ما حِليَ بطائل، ولا حظي بنائل)

وديوان الحماسة هو الذي اختاره أبو تمام، قالوا: (لم يجمع في المقطعات مثل ما جمع أبو تمام) وأبو تمام حجة، فما قولك فيما رواه من شعر العرب. قال (الكشاف): (وهو وإن كان محدثاً لا يستشهد بشعره في اللغة فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء: (الدليل عليه بيت الحماسة) فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه)

والأساس هو (أساس البلاغة) لأستاذ الدنيا جار الله (ومن خصائصه - كما قال أبو القاسم - تخيّرُ ما وقع في عبارات المبدعين، وانطوى تحت استعمالات المفلقين)

فالأديب الصغير لم يحض بالصواب حين خطّأ (حظي بالشيء) في قول حضرة أعضاء المجمع اللغوي لا (حضرات أعضاء المجمع) كما قالت حضرته، لأن الأعضاء كلهم أجمعين حضرة واحدة، ومن المستحيل أن يكونوا حضرتين أو ثلاث حضرات أو أكثر من ذلك

أجلْ، إن أعضاء المجمع اللغوي محظوظون كل المحظوظين لكنهم ما أخطئوا في فعل (الحظوة) كما قال (الأديب الصغير) اليوم، وأديب كبير من قبل

رد الأستاذ الرافعي (رحمه الله) في (البلاغ 21 شوال 1352) على الأستاذ أزهري المنصورة بمقالة عنوانها (حظي بالشيء) ومن هذا الردّ:

جاءنا حضرة أزهري المنصورة بالحجة القاطعة والشهادة القائمة على أن (حظي بالشيء) هي من كلام العرب، فكان كل ما قاله في هذا هو هذا: (قال ديوان الحماسة (وأورد البيت) وقال الأساس (وذكر قوله)

نحن نشير في كلامنا في انتقاد (العشرين حضرة) إلى مغامز دقيقة لا نستطيع أن نكشفها، ولذا طالبناهم أن يأتونا بالتاريخ الاجتماعي لفعل (حظي) إن كانوا علماء لغة وفلاسفة لغة، وسألناهم عن الكلام الفصيح الذي جاء فيه مثل قولهم (حظي بتشريف) وما نجهل ما قاله الأساس ولا بيت الحماسة، ولو سأل (أزهري) حضرة الأستاذ صاحب البلاغ لبيّن له أنا كتبنا هذا البيت في كلمتنا الثانية في الرد على فضيلة الأستاذ الشيخ والي ثم ضربنا عليه وأسقطناه من الكلام إذ ليس من عملنا نحن أن نأتي بالأدلة الفاسدة ثم نزيفها، ونبين فسادها البيت لمحمد بن بشير الخارجي وهو من شواهد النحاة المشهورة ولا مطعن عليه. لكن الشاعر لا يريد الحظوة بل أراد معنى آخر فضاق باللفظ، ولم يوفق إلى غرضه فاضطر أن يضمن (حظي) معنى (ظفر) ونقل الفعل عن أصله، وحوله عن دلالته فلم تبق الكلمة حظي بل ظفر وسقطت حجة أزهري

وقد نص النحاة في شرح البيت على ما ذكرناه من معنى التضمين، ويدل عليه أن بشار بن برد لما أراد هذا المعنى وأطلق العبارة لم يستعمل حظي بل قال:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفانك اللهج

أما قول صاحب أساس البلاغة فلا دليل فيه لأعضاء المجمع بل هو من دليلنا نحن، لأننا ننكر الاستعمال ونستهجنه مقيداً باعتبارين: الأول أنه من أعضاء مجمع اللغة، والثاني أنه في كلمتهم المرفوعة إلى جلالة الملك

وبعد هذا نقول (لأزهري): إن سجعة الزمخشري التي استدل بها هي كأكثر سجع الرجل في كتابه من الكلام الغث البارد الذي لا وزن له، وقد سمّي الرجل كتابه أساس البلاغة ولم يسمه أساس اللغة)

قلت: قال الأستاذ الرافعي (رحمه الله): وهو (أي بيت محمد بن بشير) من شواهد النحاة المشهورة

والشاهد فيه حذفه حرف الجر من (مدمن) ومثل ذلك جائز. ويحذف هذا الحرف في المعطوف على ما تضمن مثل المحذوف وإن انفصل عنه بلا كقوله - وهو من شواهدهم -

ما لمحب جَلَدٌ أن يهجرا ... ولا حبيب رأفة فيجبرا

ولبيت بشار المذكور في (الرد) حكاية لطيفة رواها أبو الفرج وابن الخطيب:

غضب بشار على سَلم الخاسر، وكان من تلامذته ورواته فاستشفع عليه بجماعة من إخوانه، فجاءوه في أمره، فقالوا: جئناك في حاجة، فقال: كل حاجة لكم مقضية إلا سلماً. قالوا: ما جئناك إلا في سلم، ولا بد من أن ترضى عنه لنا، فقال: أين هو الخبيث؟ قالوا: هاهو ذا. فقام إليه سلم فقبّل رأسه، ومثل بين يديه وقال: يا أبا معاذ، خريجك وأديبك. فقال: يا سلم من الذي يقول: من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

فقال: أنت يا أبا معاذ، جعلني الله فداءك! قال: فمن الذي يقول:

من راقب الناس مات غمَّا ... وفاز باللذة الجسور

قال: خريجك يقول ذلك. قال: أفتأخذ معانيّ التي قد عنيت بها وتعبت في استنباطها فتكسوها ألفاظاً أخف من ألفاظي حتى يروى ما تقول ويذهب شعري؟ لا أرضى عنك أبداً. فما زال يتضرع إليه ويشفع له القوم حتى رضي عنه)

ولقد تجرأت فذكرت قول الأستاذ الرافعي (رحمه الله): (إن سجعة الزمخشري التي. . .) أجل أن أبين أن الكبير قد يحل على شئ غضبه في بعض الأحايين فيقول. والشاهد في (الأساس) هو (وحظي بالمال) والسجعة إنما هي مثال

وإني لموقن حق موقن أن ليس في هذا العصر من يسبق الأستاذ الرافعي في إجلال إمام الأئمة وعرفان مقداره

وإذا استنزل بعض سجعات في (الأساس) مستنزل ففي (الكشاف) ما (تنقطع عليه أعناق العتاق السبّق، وتني عنه خطا الجياد القرح) وثغث عنده أقول بليغة، قائلوها بلغاء من الطراز الأول

أجاب الأستاذ أزهري المنصورة في (البلاغ 26 شوال 1352) الأستاذ الرافعي (رحمه الله) وعنوان الجواب (أئمة اللغة، حظي بالشئ، الشيخ إبراهيم اليازجي) ومما قال:

(1 - أوردنا بيت (الحماسة) وفيه أن (يحظى بحاجته)، وقد شرح هذا الديوان أئمة كثيرون، وجمع الإمام التبريزي شروحهم، ولم يعترض على قائل ذلك البيت معترض

2 - وجئنا بكلام (الأساس) والزمخشري هو صاحب الكشاف عن حقائق التنزيل

3 - وجاء في (نهج البلاغة): (وحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبرون)

وقد فسر العلامة (ابن أبي الحديد) العهد الذي فيه هذه اللفظة ولم ينقدها، وشارح النهج من أئمة العلم والأدب

وإذا قيل: هو النهج، وقد قالوا فيه ما قالوه - قلنا: حال (النهج) كخال الأقوال لوفود العرب على كسرى ووفود قريش على سيف بن ذي يزن وأمثالها، وقد اطمأنت الأئمة إلى عربيتها والنهج معظمه ظهر حين افتعال تلك الأقوال. والقرن الثاني والثالث أوله ومنتصفه أقرب إلى العربية الأولى من آخره ومن جميع الرابع. وقد أملى ابن دريد في زمانه (ووفاته سنة 321) تلك الروايات والأساطير، وأصبحت لغتها في كتاب (الأمالي) حجة المحتج

4 - وجاء في المقامات لابن الحريري (وهو من أئمة اللغة) في المقامة الأربعين: (نهضا وقد حظيا بدينارين) وللعلامة ابن الخشاب البغدادي رسالة في تخطئة الحريري، وقد غلطه في ألفاظ كثيرة في مقاماته ولم يخطئه في (حظيا بدينارين)

قد يكون هذا الفعل (حظي بكذا) نشأ في الزمن الإسلامي أو الأموي نشوء ألوف مثله لا قبل ذلك، لكن هذا لا يضير، وقد نجمت ألفاظ في القرن الخامس في (الجزيرة) ولما جاء الإمام الزمخشري وسمعها استجادها وأودعها كتبه

كيف كانت الحال لو لم يجئ الإسلامي والمولد والمعرب؟ وهل كانت ألفاظ (الجزيرة) في الجاهلية تجزئ في تلك المدينة الزاخرة؟)

قلت: أشار الأستاذ (أزهري المنصورة) إلى ناشئات القرن الخامس أو (نواشئه) وإيداع الزمخشري بعضها كتبه. وهذه نتفة منها في (أساسه):

(أهل الحجاز يسمون الزرع والطعام (عيشاً)

سماعي من فتيات مكة: الصوفية (اللوفية): لاف الطعام لوفاً وهو اللوك والمضغ الشديد

سمعتهم يقولون في كل شئ لا يحسن الإنسان عمله: قد (محقه)!

اكتريت من إعرابي فقال لي أعطني من (سطاتهن) أراد من خيار الدنانير

سمعت خادماً من اليمامة يقول - وقد وكف السق -: يا سيدي هل (أهب) عليه التراب بمعنى هل أجعله عليه، وهو من الهبة لأن معنى وهب له الشيء جعله له

رأيت العرب يسمون الكزبرة (الدقة) وسمعت باعة مكة ينادون عليها بهذا الاسم

سمعت بمكة من يقول لحامل الجُوالق (استشق به) أي حرفه على أحد شقيه حتى ينفذ الباب

سمعت بعضهم يقول: (عكشتك) بمعنى سبقتك من قوله (عليه السلام): (سبقك إليها عُكّاشة (وهو عكاشة بن محسن الأنصاري)

ومما أورده الإمام الزمخشري في (كشافه): (مما طنَّ على أذني من ملح العرب أنهم يسمون مركباً من مراكبهم بالشُّقْدف وهو مركب خفيف ليس في ثقل محامل العراق، فقلت في طريق الطائف لرجل منهم: ما اسم هذا المحمل، أردت المحمل العراقي، فقال: أليس ذاك اسمه الشقدف؟ قلت: بلى، فقال: هذا اسمه (الشقنداف) فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمي)

ومن كلمة الأستاذ أزهري المنصورة (لم يقل أحد شيئاً في الفعل (حظي بالشيء) إلا العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي وكان هذا الرجل قد جاء مصر وأنشأ فيها مجلة (البيان) ثم مجلة (الضياء) وعلق ينقد ويغلّط. وكان يغلط كثيراً في تغليطه ونقده. ومن هفواته التي أذكرها زمن الطلب في الأزهر تخطئته الأديب الكبير (حافظاً) في قول في كتاب (البائسين) وقد لاقاه بعد هذا النقد حجة الإسلام (السيد محمد رشيد رضا) فقال له - وقد سمعنا قوله -: (يا شيخ، يا شيخ، إن الذي خطأته في كلام حافظ إبراهيم هو في أول صحيح البخاري) فبهت الشيخ إبراهيم، وترك السيد وهو كاسف البال. وكان وقوف الشيخ اليازجي على المعجمات وكتب الآلات أكثر من اطلاعه على كلام العرب، ومن هنا ومن فرط ميله إلى القياس هوى فيما هوى فيه)

الإسكندرية

(* * *)