انتقل إلى المحتوى

كتاب المواقف/موقف معرفة المعارف

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​كتاب المواقف​ المؤلف النفري
موقف معرفة المعارف



موقف معرفة المعارف


أوقفني في المعارف وقال لي هي الجهل الحقيقي من كل شيء بي.

وقال صفة ذلك في رؤية قلبك وعقلك هو أن تشهد بسرك كل ملك وملكوت وكل سماء وأرض وبر وبحر وليل ونهار ونبي وملك وعلم ومعرفة وكلمات وأسماء وكل ما في ذلك وكل ما في ذلك وكل ما بين ذلك يقول ليس كمثله شيء، وترى قوله ليس كمثله شيء هو أقصى علمه ومنتهى معرفته.

وقال لي إذا عرفت معرفة المعارف جعلت العلم دابة من دوابك وجعلت الكون كله طريقاً من طرقاتك.

وقال لي إذا جعلت الكون طريقاً من طرقاتك لم أزد ودك منه، هل رأيت زاداً من طريق.

وقال لي الزاد من المقر فإذا عرفة معرفة المعارف فمقرك عندي وزادك من مقرك لو استضفت إليك الكون لوسعهم.

وقال لي لا يعبر عني إلا لسانان لسان معرفة آيته إثبات ما جاء به بلا حجة، ولسان علم أيته إثبات ما جاء به بحجة.

وقال لي لمعرفة المعارف عينان تجريان عين العلم وعين الحكم، فعين العلم تنبع من الجهل الحقيقي وعين الحكم تنبع من عين ذلك العلم.

فمن أغترف العلم من عين العلم أغترف العلم والحكم، ومن أغترف العلم من جريان العلم لا من عين العلم نقلته ألسنة العلوم وميلته تراجم العبارات فلم يظفر بعلم مستقر ومن لم يظفر بعلم مستقر لم يظفر بحكم.


وقال لي قف في معرفة المعارف وأقم في معرفة المعارف تشهد ما أعلمته فإذا شهدته أبصرته وإذا أبصرته فرقت بين الحجة الواجبة وبين المعترضات الخاطرة فإذا فرقت ثبت وما لم تفرق لم تثبت.

وقال لي من لم يغترف العلم من عين العلم لم يعلم الحقيقة ولم يكن لما علمه حكم، فحلت علومه في قوله لا في قلبه، كذلك تحل فيمن علم.

وقال لي إذا ثبت فأنطق فهو فرضك.

وقال لي كل معنوية ممعناة إنما معنيت لتصرف، وكل ما هية ممهاة إنما أمهيت لتخترع.

وقال لي كل محلول فيه وعاء وإنما حل فيه لخلو جوفه، وكل خال موعى وإنما خلا لعجزه وإنما أوعى لفقره.

وقال لي كل مشار إليه ذو جهة وكل ذي جهة مكتنف وكل مكتنف مفطون وكل مفطون متخيل وكل متخيل متجزئ وكل متجزئ وكل هواء ماس وكل ماس محسوس وكل فضاء مصادف.

وقال لي أعرف سطوتي تحذر مني ومن سطوتي، وأنا الذي يجير منه ما تعرف وأنا الذي لا يحكم عليه ما بدا من علمه، كيف يجير مني تعرفي وأنا المتعرف به إن أشاء تنكرت به كما تعرفت به، وكيف يحكم علي علمي وأنا الحاكم به إن أشاء أجهلت به كما أعلمت به.

وقال لي اسمع إلى معرفة المعارف كيف تقول لك سبحان من لا تعرفه المعارف وتبارك من لا تعلمه العلوم، إنما المعارف نور من أنواره وإنما العلوم كلمات من كلماته.

وقال لي أسمع إلى لسان من ألسنة سطوتي، إذا تعرفت إلى عبد فدفعني عدت كأني ذو حاجة إليه يفعل ذلك مني كرم سبقى فيما أنعمت ويفعل ذلك بخل نفسه بنفسه التي أملكها عليه ولا يملكها علي، فأن دفعني عدت إليه ولا أزال أعود ولا يزال يدفعني عنه فيدفعني وهو يراني أكرم الأكرمين وأعود إليه وأنا أراه أبخل الأبخلين أصنع له عذراً إذا حضر وأبتدئه بالعفو قبل العذر حتى أقول في سره أنا ابتليتك، كل ذلك ليذهب عن رؤية ما يوحشه مني فأن أقام فيما تعرفت به إليه كنت صاحبه وكان صاحبي وأن دفعني لم أفارقه لدفعه الممتزج بجهله لكن أقول له أتدفعني وأنا ربك أما تريدني ولا تريد معرفتي فأن قال لا أدفعك قبلت منه، ولا يزال كلما يدفعني أقرره على دفعه فكلما قال لا أدفعك قبلت منه حتى إذا دفعني فقررته على دفعه فقال نعم أنا أدفعك وكذب وأصر نزعت معارفي من صدره، فعرجت إلي وارتجعت ما كان من معرفتي في قلبه حتى إذا جاء يومه جعلت المعارف التي كانت بيني وبينه ناراً أوقدها عليه بيدي فذلك الذي لا تستطيع ناره النار لأني أنتقم منه بنفسي لنفسي وذلك الذي لا تستطيع خزنتها أن تسمع بصفة من صفات عذابه ولا بنعت من نعوت نكالى به أجعل جسمه كسعة الأرض القفرة وأجعل له ألف جلد بين كل جلدين مثل سعة الأرض ثم آمر كل عذاب كان في الدنيا فيأتيه كله لعينه فيجتمع في كل جارحة منه كل عذاب كان في الدنيا بأسره لعين ذلك العذاب وعلى اختلافه في حال واحدة لسعة ما بين أقطاره وعظم ما وسعت من خلقه لنكالة ثم أمر كل عذاب كان يتوهمه أهل الدنيا أن يقع فيأتيه كله لعينه التي كانت تتوهم فيحل به العذاب المعلوم في الجلدة الأولة ويحل به العذاب الموهوم في الجلدة الثانية ثم آمر بعد ذلك طبقات النار السبعة فيحل عذاب كل طبقة في جلده من جلدة فإذا لم يبق عذاب دنيا ولا أخرة إلا حل بين كل جلدين من جلوده أبديت له عذابه الذي أتولاه بنفسي فيمن تعرفت إليه بنفسي، فدفعني حتى إذا رآه فرق لرؤيته العذاب المعلوم وفرق منه العذاب الموهوم وفرق له عذاب الطبقات السبعة فلا يزال عذاب الدنيا والآخرة يفرق أن أعذبه بالعذاب الذي أبديته فأعهد إلى العذاب أني لا أعذبه فيسكن إلى عهدي ويمضي في تعذيبه على أمري ويسألني هو أن أضعف عليه عذاب الدنيا والآخرة وأصرف عنه ما أبديته فأقول له أنا الذي قلت لك أتدفعني فقلت نعم أدفعك فذاك أخر عهده بي، ثم أخذه بالعذاب مدى علمي في مدى علمي فلا يثبت علم العالمين ولا معرفة العارفين لسماع صفته بالكلام، ولا أكون كذلك لمن تمسك بي في تعرفي وأقام عندي إلى أن أجيء بيومه إليه فذلك الذي أوتيه نعيم الدنيا كلها معلوماً وموهوماً ونعيم الآخرة كلها بجميع ما يتنعم به أهل الجنان ونعيمي الذي أتولاه بنفسي من تنعيم من أشاء ممن عرفني فتمسك بي.


وقال لي سلني وقل يا رب كيف أتمسك بك حتى إذا جاء يومي لم تعذبني بعذابك ولم تصرف عني إقبالك بوجهك فأقول لك تمسك بالسنة في علمك وعملك وتمسك بتعرفي إليك في وجد قلبك وأعلم أني إذا تعرفت إليك لم أقبل منك من السنة إلا ما جاء به تعرفي لأنك من أهل مخاطبتي تسمع مني وتعلم أنك تسمع وترى الأشياء كلها مني.

وقال لي عهد عهدته إليك أن تعرفي لا يطالب بفراق سنتي لكن يطالب بسنة دون سنة وبعزيمة دون عزيمة فأن كنت ممن قد رآني فاتبعني وأعمل ما أشاء بالآلة التي أشاء لا بالآلة التي تشاء أليس كذلك تقول لعبدك فالآلة هي سنتي فأعمل منها بما أشاء منك لا بما تشاء لي وتشاء مني فأن عجزت في آلة دون آلة فعذري لا يكتبك غادرا وان ضعفت في عزيمة دون عزيمة فرخصتي لا تكتبك عاثراً إنما أنظر إلى أقصى علمك أن كان عندي فأنا عندك.

قالب:كتاب المواقف