كتاب المواقف/موقف الأعمال

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​كتاب المواقف​ المؤلف النفري
موقف الأعمال



موقف الأعمال


أوقفني في الأعمال وقال لي إنما ظهرتك لتثبت بصفتي لصفتك فأنت لا تثبت لصفتي إنما تثبت بصفتي وأنت تثبت لصفاتك ولا تثبت بصفاتك.

وقال لي إنما صفتك الحد وصفة الحد الجهة وصفة الجهة المكان وصفة المكان التجزيء وصفة التجزيء التغاير وصفة التغاير الفناء.

وقال لي إن أردت أن تثبت فقف بين يدي في مقامك ولا تسألني عن المخرج.

وقال لي أتدري أين محجة الصادقين هي من وراء الدنيا ومن وراء ما في الدنيا ومن وراء ما في الآخرة.

وقال لي إذا سلكت إلي من وراء الدنيا أتتك رسلي متلقين تعرف في عيونهم الشوق وترى في وجوههم الإقبال والبشرى، أرأيت غائباً غاب عن أهله فأذنهم بقدومه أليس إذا قطع المسافة القاصدين وسلك في محجة الداخلين تلقوه أمام منزله ضاحكين وأسرعوا إليه فرحين مستبشرين.

وقال لي من لم يسلك محجة الصادقين فهو كيف ما كان في الدنيا مقيم ومما فيها آخذ أتته رسلي مخرجين، وتلقته مرحلين مزعجين، فسابق سبق له العفو فرأى في عيونهم أثار هيبة الإخراج، ونظر في وجوههم آثار هيبة الإزعاج، وآخر سبق له الحجاب فما هو من خير ولا الخير خاتمة ما عنده.

وقال لي احذر وبعدد ما خلقت فأحذر، إن أنت سكنت على رؤيتي طرفة عين فقد جوزتك كلما أظهرته وآتيتك سلطاناً عليه.

وقال لي كما تدخل إلي في الصلوة تدخل إلي في قبرك.

وقال لي آليت لا بد أن تمشي مع كل واحد أعماله، فأن فارقها في حيوته دخل إلي وحده فلم يضق به قبره، وان لم يفارقها في حيوته دخلت معه إلى قبره فضاق به لأن أعماله لا تدخل معه علوماً إنما تتمثل له شخصاً فتدخل معه.

وقال لي أنظر إلى صفة ما كان من أعمالك كيف تمشي معك وكيف تنظر إليها تمشي منك بحيث تكون بينك وبين ما سواها من الأعمال والاتباع فتدافع عنك والملائكة يلونها وما سواها الأعمال وراء ذلك كله فأبدى ما كان لي من عملك في خلال تلك الفرج تدافع عنك كما كنت تدافع عنها وتنظر أنت إليها كما تنظر إلى المتكفل بنصرك والى الباذل نفسه من دونك وتنظر إليك كما كنت تنظر إليها وتقول إلي فأنا المتكفل بنصرك أنا الباذل نفسه دونك، حتى إذا جئتما إلى البيت المنتظر فيه ما ينتظر، وماذا ينتظر، ودعتك وداع العائد إليك، وودعتك الملائكة وداع المثبت لك ودخلت إلي وجدك لا عملك معك وان كان حسناً لأنك لا تراه أهلاً لنظري ولا الملائكة معك وان كانوا أوليائك، لأنك لا تتخذ ولياً غيري فتنصرف الملائكة إلى مقاماتهم بين يدي وينصرف ما كان لي عملك إلي.

وقال لي تعلم ولا تسمع من العلم وأعمل ولا تنظر إلى العمل.

وقال لي عمل الليل عماد لعمل النهار.

وقال لي تخفيف عمل النهار أدوم فيه، وتطويل عمل الليل أدوم فيه.

وقال لي أن أردت أن تثبت بين يدي في عملك فقف بين يدي لا طالباً مني ولا هارباً إلي، انك إن طلبت مني فمنعتك رجعت إلى الطلب لا إلي أو رجعت إلى اليأس لا إلى الطلب، وأنك إن طلبت مني فأعطيتك رجعت عني إلى مطلبك، وان هربت إلي فأجرتك رجعت عني إلى الأمن من مهربك من خوفك وأنا أريد أن أرفع الحجاب بيني وبينك فقف بين يدي لأني ربك ولا تقف بين يدي لأنك عبدي.

وقال لي إن وقفت بين يدي لأنك عبدي ملت ميل العبيد، وان وقفت بين يدي لأني ربك جاءك حكمي القيوم فحال بين نفسك وبينك.

وقال لي إن أنحصر علمك لم تعلم، وان لم ينحصر عملك لم تعمل.

وقال لي العمل عملان راتب وزائر، فالراتب لا يتسع العلم ولا يثبت العمل إلا به، والزائر لا يتسع العلم به.

وقال لي إن عملت الراتب ولم تعمل الزائر ثبت علمك ولم يتسع، وان عملت الزائر والراتب ثبت علمك واتسع.

وقال لي أعرف صفتك التي لا يغيب فيها عنك ثم أعرف صفتك التي لا تعجز فيها عن عملك فتعلم ولا تجهل وتعمل ولا تفتر.

وقال لي إن لم تعرف صفتك علمت وجهلت وعملت وفترت، فبحسب ما بقي عندك من العلم تعمل وبحسب ما عارضك من الجهل تترك.

وقال لي زن العلم بميزان النية، وزن العمل بميزان الإخلاص.

قالب:كتاب المواقف