كتاب الصلاة وحكم تاركها/فصل في حكم صلاة الجماعة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل في حكم صلاة الجماعة

وأما المسألة السادسة وهي هل تصح صلاة من صلى وحده وهو يقدر على الصلاة جماعة أم لا فهذه المسألة مبينة على اصلين احدهما أن صلاة الجماعة فرض ام سنة وإذا قلنا هي فرض فهل هي شرط لصحة الصلاة ام تصح بدونها مع عصيان تاركها فهاتان مسالتان أما المسألة الأولى فاختلف الفقهاء فيها فقال بوجوبها عطاء ابن أبي رباح والحسن البصري وابو عمر الأوزاعي وأبو ثور والإمام أحمد في ظاهر مذهبه ونص عليه الشافعي في مختصر المزني 1 / 109 فقال وأما الجماعة فلا ارخص في تركها إلا من عذر وقال ابن المنذر في كتاب الاوسط ذكر حضور الجماعة على العميان وإن بعدت منازلهم عن المسجد ويدل على ذلك أن شهود الجماعة فرض لا ندب

ثم ذكر حديث ابن ام مكتوم أنه قال يا رسول الله إن بيني وبين المسجد نخلا وشجرا فهل يسعني أن اصلي في بيتي قال تسمع الإقامة قال نعم قال فأتها المسند 3 / 423 ابو داود رقم 552 و 553 وابن ماجة رقم 792 قال ابن المنذر ذكر تخويف النفاق على تارك شهود العشاء والصبح في جماعة ثم قال في أثناء الباب فدلت الأخبار التي ذكرت على وجوب فرض الجماعة على من لا عذر له فمما دل عليه قوله لابن ام مكتوم وهو ضرير لا اجد لك رخصة أبو داود رقم 552 فإذا كان الأعمى لا رخصة له فالبصير أولى أن لا تكون له رخصة قال وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم راجع البخاري رقم 644 مسلم رقم 651 أبين البيان على وجوب فرض الجماعة إذ غير جائز أن يتهدد رسول الله من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض مسلم رقم 655 قال ويؤيده حديث أبي هريرة أن رجلا خرج من المسجد بعدما أذن المؤذن فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم ولو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة وإتيانها لم يجز أن يعصي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره وإنما لما امر الله جل ذكره بالجماعة في حال الخوف دل على ان ذلك في حال الأمن اوجب والاخبار المذكورة في ابواب الرخصة في التخلف عن الجماعة لاصحاب الاعذار تدل على فرض الجماعة على من لا عذر له ولو كان

حال العذر وغير حال العذر سواء لم يكن للترخيص في التخلف عنها في ابواب العذر معنى ودل على تأكيد فرض الجماعة قوله من يسمع النداء فلم يجب فلا صلاة له ابو داود رقم 551 وابن ماجة رقم 793 ثم ساق الحديث في ذلك ثم قال وقال الشافعي ذكر الله الاذان بالصلاة فقال وإذا ناديتم إلى الصلواة 5 سورة المائدة / الآية 58 وقال تعالى إذا نودي للصلواة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله 62 سورة الجمعة / الآية 9 وسن رسول الله الأذان للصلوات المكتوبات فأشبه ما وصفت أن لا يحل أن تصلي كل مكتوبة إلا في جماعة حتى لا يخلو جماعة مقيمون أو مسافرون من ان يصلي بهم صلاة جماعة فلا ارخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر وإن تخلف أحد فصلاها منفردا لم تكن عليه إعادتها صلاها قبل الإمام أو بعده إلا صلاة الجمعة فإن من صلاها ظهرا قبل صلاة الإمام كان عليه إعادتها لأن اتيانها فرض هذا كله لفظ ابن المنذر وقالت الحنفية والمالكية هي سنة مؤكدة ولكنهم يؤثمون تارك السنن المؤكدة ويصححون الصلاة بدونه والخلاف بينهم وبين من قال أنها واجبة لفظي وكذلك صرح بعضهم بالوجوب قال الموجبون قال الله تعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلواة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك 4 سورة النساء / الآية 102 ووجه الاستدلال بالآية من وجوه

أحدها أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقول ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك 4 سورة النساء / الآية 102 وفي هذت دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى ولو كانت الجماعة سنة لكان اولى الاعذار بسقوطها عذر الخوف ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى ففي الآية دليل على وجوبها على الاعيان فهذه على ثلاثة اوجه امره بها اولا ثم امره بها ثانيا وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف الدليل الثاني قوله تعالى يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة ابصرهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون 68 سورة القلم / الآيتان 42 و 43 ووجه الاستدلال بها انه سبحانه عاقبهم يوم القيامة بأن حال بينهم وبين السجود لما دعاهم إلى السجود في الدنيا فأبوا أن يجيبوا الداعي إذا ثبت هذا فإجابة الداعي هي إتيان المسجد بحضور الجماعة لا فعلها في بيته وحده فهكذا فسر النبي الإجابة فروى مسلم في صحيحه رقم 653 عن ابي هريرة قال اتى النبي رجل اعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء قال نعم قال فأجب فلم يجعل مجيبا له بصلاته في بيته إذا سمع النداء فدل على أن الإجابة المأمور بها هي إتيان المسجد للجماعة ويدل عليه حديث ابن ام مكتوم قال يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع فقال رسول الله تسمع حي على الصلاة حي على

الفلاح قال نعم قال فحيهلا رواه ابو داود رقم 553 والإمام أحمد 3 / 423 وحيهلا اسم فعل امر معناه اقبل واجب وهو صريح في ان إجابة هذاالامر بحضور الجماعة وان المتخلف عنها لم يجبه وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون 68سورة القلم / الآية 43 قال هو قول المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح الدر المنثور 8 / 56 فهذا الدليل مبني على مقدمتين إحداهما أن هذه الإجابة واجبة والثانية لا تحصل إلا بحضور الصلاة في الجماعة وهذا هو الذي فهمه أعلم الأمة وأفقههم من الإجابة وهم الصحابة رضي الله عنهم فقال ابن المنذر في كتاب الأوسط روينا عن ابن مسعود وابي موسى انهما قالا من سمع النداء ثم لم يجب فإنه لا تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر مجمع الزوائد 2 / 42 قال وروي عن عائشة أنها قالت من سمع النداء فلم يجب لم يرد خيرا ولم يرد به سنن البيهقي 3 / 57 وعن ابي هريرة انه قال ان تمتليء أذنا ابن آدم رصاصا مذابا خير له من ان يسمع المنادي ثم لا يجيبه فهذا وغيره يدل أن الإجابة عند الصحابة هي حضور الجماعة وأن المتخلف عنها غير مجيب فيكون عاصيا الدليل الثالث قوله تعالى وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الركعين 2 سورة البقرة / الآية 43 ووجه الاستدلال بالآية أنه

سبحانه امرهم بالركوع وهو الصلاة وعبر عنها بالركوع لأنه من اركانها والصلاة يعبر عنها بأركانها وواجباتها كما سماها الله سجودا وقرآنا وتسبيحا فلا بد لقوله مع الركعين 2 سورة البقرة / الآية 43 من فائدة اخرى وليست إلا فعلها مع جماعة المصلين والمعية تفيد ذلك إذا ثبت هذا الأمر المقيد بصفة أو حال لا يكون المأمور ممتثلا إلا بالإتيان به على تلك الصفة والحال فإن قيل فهذا ينتقص بقوله تعالى يمريم اقتني لربك واسجدي واركعي مع الركعين 3 سورة آل عمران / الآية 43 والمرأة لا يجب عليها حضور الجماعة قيل الآية لم تدل على تناول الأمر بذلك لكل امرأة بل مريم بخصوصها امرت بذلك بخلاف قوله وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين 2 سورة البقرة / الآية 43 ومريم كانت لها خاصة لم تكن لغيرها من النساء فإن امها نذرتها ان تكون محررة لله ولعبادته ولزوم المسجد وكانت لا تفارقه فأمرت ان تركع مه اهله ولما اصطفاها الله وطهرها على نساء العالمين امرها من طاعته بأمر اختصها به على سائر النساء قال تعالى وإذ قالت الملئكة يمريم إن الله اصطفك وطهرك واصطفك على نساء العلمين يمريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الركعين 3 سورة آل عمران / الآيتان 42 و 43 فإن قيل كونهم مأمورين أن يركعوا مع الراكعين لا يدل على وجوب الركوع معهم حال ركوعهم بل يدل على الإتيان بمثل ما فعلوا كقوله تعالى يايها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين 9 سورة التوبة / الآية 119 فالمعية تقضي المشاركة في الفعل ولاتستلزم المقارنة فيه قيل حقيقة المعية مصاحبة ما بعدها لما قبلها وهذه المصاحبة تفيد زائدا على المشاركة ولا سيما في الصلاة

فإنه إذا قيل صل مع الجماعة أو صليت مع الجماعة لا يفهم منه إلا اجتماعهم على الصلاة الدليل الرابع ما ثبت في الصحيحين البخاري رقم 644 مسلم رقم 651 وهذا لفظ البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم اخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا او مرماتين حسنتين لشهد العشاء وعن ابي هريرة ان رسول الله قال إن اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا يصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار متفق على صحته البخاري رقم 657 مسلم رقم 651 واللفظ لمسلم وللإمام أحمد المسند 2 / 367 عنه لولا ما في البيوت من النساء والذرية أقمت صلاة العشاء وامرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار قال المسقطون لوجوبها هذا ما لا يدل على وجوب صلاة الجماعة لوجوه

أحدها أن هذا الوعيد إنما جاء في المتخلفين عن الجمعة بدليل ما راه مسلم في صحيحه رقم 652 من حديث عبدالله بن مسعود أن النبي قال لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم الثاني أن هذا كان جائزا لما كانت العقوبات المالية جائزة ثم نسخ بما نسخ العقوبات المالية الثالث أنه هم ولم يفعل ولو كان التحريق جائزا لكان واجبا فإن العقوبة لا تكون مستوية الطرفين بل إما واجبة أو محرمة فلما لم يفعل ذلك دل على عدم الجواز قالوا والحديث يدل على سقوط فرض الجماعة لأنه هم بالتخلف عنها وهو لا يهم بترك واجب قالوا وأيضا فالنبي إنما هم بإحراق بيوتهم عليهم لنفاقهم لا لتخلفهم عن حضور الجماعة قال الموجبون ليس فيما ذكرتم ما يسقط دلالة الحديث أما قولكم إن الوعيد إنما هو في حق تارك الجمعة فنعم هو في حق تارك الجمعة وتارك الجماعة فحديث أبي هريرة صريح في أنه في حق تارك الجماعة وذلك بين في اول الحديث وآخره وحديث ابن مسعود في ان ذلك لتارك الجمعة أيضا فلا تنافي بين الحديثين وأما قولكم إنه منسوخ فما أصعب هذه الدعوى وأصعب إثباتها فأين شروط النسخ من وجود معارض مقاوم متأخر ولن تجدوا أنتم ولا أحد من اهل الأرض سبيلا إلى إثبات ذلك بمجرد الدعوى وقد اتخذ كثيرا من

الناس دعوى النسخ والإجماع سلما إلى ابطال كثير من السنن الثابتة عن رسول الله وهذا ليس بهين ولا تترك لرسول الله سنة صحيحة ابدا بدعوى الإجماع ولا دعوى النسخ إلى أن يوجد ناسخ صحيح صريح متأخر نقلته الأئمة وحفظته إذ محال على الأمة ان تضيع الناسخ الذي يلزمها حفظه وتحفظ المنسوخ الذي قد بطل العمل به ولم يبق من الدين وكثير من المولدة المتعصبين إذا رأوا حديثا يخالف مذهبهم يتلقونه بالتأويل وحمله على خلاف ظاهره ما وجدوا إليه سبيلا فإذا جاءهم من ذلك ما يغلبهم فزعوا إلى دعوى الاجماع على خلافه فإن رأوا من الخلاف مالا يمكنهم من دعوى الإجماع فزعوا إلى القول بأنه منسوخ وليست هذه طريق أئمة الإسلام بل ائمة الإسلام كلهم على خلاف هذا الطريق وأنهم إذا وجدوا لرسول الله سنة صحيحة صريحة لم يبطلوها بتأويل ولا دعوى إجماع ولانسخ والشافعي وأحمد من اعظم الناس إنكارا لذلك وبالله التوفيق وإنما لم يفعل النبي ما هم به للمانع الذي اخبر أنه منعه منه وهو اشتمال البيوت على من لا تجب عليه الجماعة من النساء والذرية فلو احرقها عليهم لتعدت العقوبة إلى من لا يجب عليه وهذا لا يجوز كما إذا وجب الحد على حامل فإنه لا يقام عليها حتى تضع لئلا تسري العقوبة إلى الحمل ورسول الله لا يهم بما لا يجوز فعله ابدا وقد أجاب عنه بعض اهل العلم بجواب آخر وهو ان القوم كانوا أخوف لرسول الله م8ن ان يسمعوه يقول هذه المقالة ثم يصرون على التخلف عن الجماعة وأما قولكم إن الحديث يدل على عدم وجوب الجماعة لكونه هم بتركها فمما لا يلتفت إليه ولا يظن برسول الله أنه يهم بعقوبة طائفة من

المسلمين بالنار وإحراق بيوتهم لتركهم سنة لم يوجبها الله عليهم ولا رسوله وهو لم يخبر أنه كان يصلي وحده بل كان يصلي جماعة هو واعوانه الذين ذهبوا معه إلى تلك البيوت وايضا فلو صلاها وحده لكان هناك واجبان واجب الجماعة وواجب عقوبة العصاة وجهادهم فترك أدنى الواجبين لأعلاهما كحال يف صلاة الخوف قولكم إنما هم بعقوبتهم على نفاقهم لا على تخلفهم عن الجماعة فهذا يستلزم محظرون الغاء ما اعتبره رسول الله وعلق الحكم به من التخلف عن الجماعة والثاني اعتبار ما الغاه فإنه لم يكن يعاقب المنافقين على نفاقهم بل كان يقبل منهم علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله الدليل الخامس ما رواه مسلم في صحيحه رقم 653 أن رجلا اعمى قال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المجسد فسأل رسول الله أن يرخص له فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء قال نعم قال فأجب وهذا الرجل هو ابن ام مكتوم واختلف في اسمه فقيل عبدالله وقيل عمرو وفي مسند الإمام أحمد 3 / 423 وسنن أبي داود رقم 552 , 553 عن عمرو ابن ام مكتوم قال قلت يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة ان اصلي في بيتي قال تسمع النداء قال نعم قال ما أجد لك رخصة قا المسقطون لوجوبها هذا امر استحباب لا امر إيجاب وقوله لا أجد لك رخصة أي إن اردت فضيلة الجماعة

قالوا وهذا منسوخ قال الموجبون الأمر مطلق للوجوب فكيف إذا صرح صاحب الشرع بأنه لا رخصة للعبد في التخلف عنه لضرير شاسع الدار لا يلائمه قائده فلو كان العبد مخيرا بين ان يصلي وحده أو جماعة لكان اولى الناس بهذا التخيير مثل الأعمى ابو بكر ابن المنذر ذكر حضور الجماعة علىالعميان وإن بعدت منازلهم عن المسجد ويدل ذلك على أن شهود الجماعة فرض لاندب وإذا قال لابنأم مكتوم وهو ضرير لا أجد لك رخصة فالبصير أولى ان لا تكون له رخصة السادس ما رواه أبو داود رقم 551 وأبو حاتم ابن حبان في صحيحه رقم 2064 عن ابن عباس قال قال رسول الله من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر قالوا وما العذر قال خوف او مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلاها قال المسقطون للوجوب هذا حديث فيه علتان إحدهما أنه من رواية معارك العبدي وهو ضعيف عندهم الثانية إنما يعرف عن ابن عباس موقوفا عليه قال الموجبون قد قال قاسم بن اصبغ في كتابه حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان النبي قال من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر وحسبك بهذا الإسناد صحة سنن ا لبيهقي 3 / 57

ورواه ابن المنذر حدثنا علي بن عبدالعزيز حدثنا عمرو بن عوف حدثنا هشيم ن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا راجع صحيح ابن حبان رقم 2064 قالوا ومعارك العبدي قد روى عنه ابو اسحاق السبيعي على جلالته ولو قدر انه لم يصح رفعه فقد صح عن ابن عباس بلا شك وهو قول صاحب لم يخالفه صاحب السابع ما رواه مسلم في صحيحه رقم 654 عن عبدالله بن مسعود قال من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن فإنهن من سنن الهدى وأن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو انكم تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف وفي لفظ وقال إن رسول الله علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه فوجه الدلالة أنه جعل التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم نفاقهم وعلامات النفاق لا تكون بترك مستحب ولا بفعل مكروه ومن استقر علامات النفاق في السنة وجدها إما ترك فريضة أو فعل محرم وقد اكد هذا المعنى بقوله من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يناجي بهن وسمى تاركها المصلي في بيته متخلفا

تاركا للسنة التي هي طريقة رسول الله التي كان عليها وشريعته التي شرعها لأمته وليس المراد بها السنة التي من شاء فعلها ومن شاء تركها فإن تركها لا يكون ضلالا ولا من علامات النفاق كترك الضحى وقيام الليل وصوم الأثنين والخميس الدليل الثامن ما رواه مسلم في صحيحه رقم 672 من حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم احدهم وأحقهم بالإمامة اقرؤهم ووجه الاستدلال به أنه امر بالجماعة وأمره على الوجوب التاسع أنه أمر من صلى وحده خلف الصف أن يعيد الصلاة رواه الإمام أحمد مسند 3 / 228 وأهل السنن ابو داود رقم 682 الترمذي رقم 230 و 231 ابن ماجه رقم 1004 وابو حاتم ابن حبان في صحيحه رقم 1198 و 1199 وحسنه الترمذي وعن علي بن شيبان قال خرجنا حتى قدمنا على النبي فبايعناه وصلينا خلفه قال ثم صلينا وراءه صلاة اخرى فقضى الصلاة فرأى رجلا فردا خلف الصف فوقف عيه حتى انصرف وقال استقبل صلاتك لا صلاة للذي خلف الصف رواه الإمام احمد المسند 4 / 23 وابن حبان رقم 2202 وفي رواية الإمام أحمد صليت خلف النبي فرأى رجلا يصلي فردا خلف الصف فوقف نبي الله الرجل حتى انصرف فقال له استقبل صلاتك فلا صلاة لمنفرد خلف الصف قال ابن المنذر وثبت هذا الحديث أحمد وإسحاق

فوجه الدلالة أنه ابطل صلاة المنفرد عن الصف وهو في جماعة وأمره بإعاة صلاته مع أنه لم ينفرد إلا في المكان خاصة فصلاة المنفرد عن الجماعة والمكان أولى بالبطلان يوضحه أن غاية هذا الفذ ان يكون منفردا ولو صحت صلاة المنفرد لما حكم رسول الله بنفيها فأمر من صلى كذلك أن يعيد صلاته قال المسقطون للوجوب لايمكنكم الاستدلال بهذا الحديث إلا بعد إثبات بطلان صلاة الفذ خلف الصف وهذا قول شاذ مخالف لجمهور أهل العلم وقد دل على صحتها إجماع الناس على صحة صلاة المرأة وحدها خلف الصف وقد صلى رسول الله خلف جبريل فروى جابر بن عبدالله أن النبي أتاه جبريل يعلمه مواقيت الصلاة فتقدم جبريل ورسول الله خلفه والناس خلف رسول الله فصلى الظهر حين زالت الشمس وأتاه حين كان الظل مثل شخصه فصنع كما صنع فتقدم جبريل ورسول الله خلفه والناس خلف رسول الله رواه النسائي رقم 513 فقد صلى رسول الله خلف جبريل مقتد يأبه قالوا وقد احرم ابو بكرة فذا خلف الصف ثم مشى حتى دخل الصف ولم يأمره النبي بالإعادة البخاري رقم 783 قالوا وقد احرم ابن عباس البخاري رقم 699 مسلم رقم 763 عن يساره فأخذ بيده فأداره عن يمينه فأدراه عن يمينه ولم يأمره النبي مسلم باستقبال الصلاة بل صحح إحرامه فذا فهذا في النفل وحديث جابر مسلم رقم 3010 في الفرض أنه قام عن يسار رسول الله فأخذ بيده فأقامه عن يمينه

قال الموجبون العجب من معارضة الأحاديث الصحيحة الصريحة بمثل ذلك فإنه لا تعارض بين الأحاديث بوجه من الوجوه وأما قولكم إن هذا قول شاذ فلعمر الله ليس شاذا ومعه رسول الله وسنته الصحيحة والصريحة ولو تركها من تركها فلا يكون ترك السنن لخفائها على من تركها أو لنوع تأيل مسوغا لتركها لغيره وكيف يقدم ترك التارك لهذه السنة عليها هذا وقد قال بهذه السنة جماعة من اكابر التابعين منهم سعيد بن جبير وطاوس وإبراهيم النخعي ومن دونهم كالحكم وحماد وابن ابي ليلى والحسن بن صالح ووكيع وقال بها الأوزاعي حكاه الطحاوي عنه وإسحاق بن راهويه والامام أحمد وابو بكر ابن المنذر ومحمد بن اسحاق بن خزيمة فأين الشذوذ وهؤلاء القائلون وهذه السنة وأما معارضتكم بموقف المرأة فمن أفسد المعارضات لان ذلك هو موقف المرأة المشروع لها حتى لو وقفت في صف الرجال أفسدت صلاة من يليها عند ابي حنيفة واحد القولين في مذهب أحمد فإن قيل لو وقفت فذة خلف صف النساء صحت صلاتها قيل ليس كذلك بل إذا انفردت المرأة عن صف النساء لم تصح صلاتها كالرجل الفذ خلف الرجال ذكر ذلك القاضي ابو يعلى في تعليقه لعموم قوله لا صلاة لفرد خلف الصف مسند أحمد خرج من هذا ما إذا كانت وحدها خلف الرجال للحديث الصحيح بقي فيما عداه على هذا العموم قصة صلاته صلوات الله وسلامه عليه خلف جبريل وحده والصحابة خلفه فقد أجيب عنها بأنها كانت في اول الامر حين علمه

مواقيت الصلاة وقصة امره الذي صلى خلف الصف فذا بالإعادة متأخرة بعد ذلك وهذا جواب صحيح وعندي فيه جواب آخر وهو ان النبي كان هو إمام المسلمين فكان بين أيديهم وكان هو المؤتم بجبريل وحده وكان تقدم جبريل عليه السلام ابلغ في حصول التعليم من ان يكون إلى حانبه كما ان النبي صلى بهم على المنبر ليأتموا وليتعلموا صلاته وكان ذلك لأجل التعليم لم يدخب في نهيه الإمام به إذا ام الناس ان يقوم في مقتم ارفع منهم راجع ابو داود رقم 597 , 598 وأما قصة ابي بكرة فليس فيها انه رفع رأسه من الركوع قبل دخوله في الصف وإنما يمكن التمسك بها لو ثبت ذلك ولا سبيل إليه وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد فيمن ركع دون الصف ثم مشى راكعا حتى دخل فيه بعد ان رفع الإمام رأسه من الركوع وعنه في ذلك ثلاث روايات تصح مطلقا وحجة هذه الرواية أن النبي لم يأمر ابا بكرة بالإعادة ولا استفصله هل ادركه قبل رفع رأسه من الركوع ام لا ولو اختلف الحال لاستفصله سعيد بن منصور في سننه الموطأ 1 / 165 سنن البيهقي 2 / 90 و 3 / 106 عن زيد بن ثابت أنه كان يركع قبل أن يدخل في الصف ثم يمشي راكعا ويعتد بها وصل الصف ام لم يصل والرواية الثانية انها لا تصح نص عليها في رواية إبراهيم بن الحارث ومحمد بن الحكم وفرق بينه وبين من ادرك الركوع في الصف لأنه لم

يدرك في الصف ما يدرك به الركعة فأشبه ما لو أدركه وقد سجد وهذه الرواية أصح عند أكثر أصحابه والرواية الثالثة إن كان عالما بالنهي لم تصح صلاته وإلا صحت لقصة أي بكرة وقول النبي لا تعد والنهي يقتضي الفساد ولكن ترك في الجاهل به حيث لم يأمره بالإعادة وكان هذه حال أبي بكرة وأما قصة ابن عباس وجابر في ترك أمرهها بابتداء الصلاة وقد أحرما فذين فهذه اولا ليس فيه أنهما قد دخلا في الصلاة وإنما فيه أنهما وقفا عن يساره فادارهما عند اول وقوفهما ولو قدر أنهما احرما كذك فمن أحرم فذا صح إحرامه بالصلاة ودخوله فيها وإنما الاعتبار بالركوع وحده وإلا فمن وقف معه آخر قبل الركوع صحت صلاته ولو اعتبرنا إحرام المأمومين جميعا لم ينعقد تحريم أحد حتى يتفق هو ومن إلى جانبه في ابتداء التكبير وانتهائه وهذا من أعظم الحرج والمشقة ولهذا لم يعتبره أحد أصلا والله أعلم الدليل العاشر ما رواه أبو داود في سننه رقم 547 والإمام أحمد في مسنده 5 / 196 من حديث أبي الدرداء قال قال رسول الله ما ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية فوجه الاستدلال منه أنه أخبر باستحواذ الشيطان عليهم بترك الجماعة التي شعارها الأذن وإقامة الصلاة ولو كانت الجماعة ندبا يخير الرجل بين فعلها وتركها لما استحوذ الشيطان على تاركها وتارك شعارها الدليل الحادي عشر ما رواه في صحيحة رقم 655 من حديث أبي الشعثاء المحاربي قال كنا قعودا في المسجد فأذن المؤذن

فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصرة حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم وفي رواية سمعت أبا هريرة وقد رأى رجلا يجتاز في المسجد خارجا بعد الأذان فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم ووجه الاستدلال به أنه جعله عاصيا لرسول الله بخروجه بعد الأذان لتركه الصلاة جماعة ومن يقول الجماعة ندب يقول لا يعصي الله ولا رسوله من خرج بعد الأذان وصلى وحده وقد احتج ابن المنذر في كتابه على وجوب الجماعة بهذا الحديث وقال لو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة وإتيانها لم يجزأ أن يعصي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره والذي يقول صلاة الجماعة ندب إن شاء فعلها وإن شاء تركها يجوز للرجل أن يخرج من المسجد وقد أخذ المؤذن في إقامة الصلاة بل يجوز له ان يجلس فلا يصلي مع الإمام والجماعة فإذا صلوا قام فصلى وحده ولو رأى رسول الله وأصحابه من يفعل هذا لأنكروا عليه غاية الإنكار بل قد أنكر ما هو دون هذا وهو على من لا يصلي مع الجماعة اكتفاء بصلاته في رحله وقال ما لك لا تصلي معنا الست برجل مسلم مسند أحمد 4 / 34 النسائي رقم 857 وأمر بالصلاة في الجماعة لمن صلى ثم أتى مسجد الجماعة فقال إذا صليتما في رحاللكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة الترمذي رقم 219 النسائي رقم 858 مسند أحمد 4 / 160

الدليل الثاني عشر إجماع الصحابة رضي الله عنهم ونحن نذكر نصوصهم قد تقدم قول ابن مسعود ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق مسلم رقم 654 وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سليمان بن المغيرة عن ابي موسى الهلالي عن ابن مسعود قال من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له المحلى 4 / 195 وقال أحمد أيضا حدثنا وكيع حدثنا مسعر عن ابي الحصين عن ابي بردة عن أبي موسى الاشعري قال من سمع المنادي فلم يجب بغير عذر فلا صلاة له المحلى 2 \ 42 مستدرك الحاكم 1 \ 246 وقال أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قيل ومن جار المسجد قال من سمع المنادي سنن البيهقي 3 / 57 و 174 وقال سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا منصور عن الحسن بن علي قال من سمع النداء فلم يأته لم تجاوز صلاته رأسه إلا من عذر وقال عبدالرزاق 1 / 498 عن انس عن ابي إسحاق عن الحارث عن علي قال من سمع النداء من جيران المسجد وهو صحيح من غير عذر فلا صلاة له

وقال وكيع عن عبد الرحمن بن حصين عن أبي نجيح المكي عن أبي هريرة قال أن تمتليء أذنابن آدم رصاصا مذابا خير له من ان يسمع المنادي ثم لا يجيبه المحلى 4 / 195 وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن عدي بن ثابت عن عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها قالت من سمع المنادي فلم يجب عن غير عذر لم يجد خيرا ولم يرد به سنن البيهقي 3 / 57 قال وكيع حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عابس قال من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له صحيح ابن حبان رقم 2064 وقال عبدالرزاق 5 / 245 عن ليث عن مجاهد قال سأل رجل ابن عباس فقال رجل يصوم النهار ويقوم الليل لا يشهد جمعة ولا جماعة فقال ابن عباس هو في النار ثم جاء الغد فسأله عن ذلك فقال هو في النار قال واختلف إليه قريبا من شهر يسأله عن ذلك ويقول ابن عباس هو في النار فهذه نصوص الصحابة كما تراها صحة وشهرة وانتشارا ولم يجيء عن صحابي واحد خلاف ذلك وكل من هذه الآثار دليل مستقل في المسألة لو كان وحدة فكيف إذا تعاضدت وتضافرت وبالله التوفيق