كتاب الصلاة وحكم تاركها/فصل في هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا
فصل في هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا
وأما المسالة السابعة وهي هل الجماعة شرط في صحة الصلاة أم لا فاختلف الموجبون لها في ذلك على قولين أحدهماأنها فرض يأثم تاركها وتبرأ ذمته بصلاته وحده وهذا قول أكثر المتأخرين من اصحاب أحمد ونص عليه أحمد في رواية حنبل فقال إجابة الداعي إلى الصلاة فرض ولو أن رجلا قال هي عندي سنة أصليها في بيتي مثل الوتر وغيره لكان خلاف الحديث وصلاته جائزة وعنه رواية ثانية ذكرها أبو الحسن الزعفراني في كتاب الإقناع أنها شرط للصحة فلا تصح صلاة من صلى وحده وحكاه القاضي عن بعض الاصحاب واختاره أبو الوفاء ابن عقيل وأبو الحسن التميمي وهو قول داود وأصحابه قال ابن حزم المحلى 4 / 196 وهوقول جميع اصحابنا ونحن نذكر حجج الفريقين قال المشترطون كل دليل ذكرناه في الوجوب يدل على انها شرط فإنها إذا كانت واجبة فتركها المكلف لم يفعل ماأمر به فبقي في عهدة الأمر قالوا ولو صحت الصلاة بدونها لما قال أصحاب رسول الله إنه لا صلاة له ولو صحت لما قال النبي من سمع المنادي ثم لم يجبه لم تقبل منه الصلاة التي صلى
فلما وقف القبول عليها دل على اشتراطها كما أنه لما وقف القبول على الوضو من الحدث دل على اشتراطه ونفي القبول إما ان يكون لفوات ركن او شرط ولا ينتقض هذا بنفي القبول عن صلاة العبد الآبق وشارب الخمر أربعين يوما لأن امتناع القبول هناك لارتكاب ارم محرم قارن الصلاة فأبطل أجرها قالوا ولو صحت صلاة المنفرد لما قال ابن عباس إنه في النار قالوا لو صحت صلاته أيضا لما كانت واجبة وأنه إنما يصح عبادة من ادى ما أمر به وقد ذكرنا من أدلة الوجوب ما فيه كفاية قال المصححون لها وهم ثلاثة أقسام قسم يجعلها سنة إذا شاء فعلها وإن شاء تركها وقسم يجعلها فرض كفاية إذا قام بها طائفة سقطت عمن عداهم يقول هي فرض على الأعيان وتصح بدونها وقد ثبت في الصحيحين البخاري رقم 645 مسلم رقم 650 من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة وفيهما البخاري رقم 647 مسلم رقم 649 عن ابي هريرة عن النبي صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمسة وعشرين ضعفا وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت لها بها درجة
وحطت عنه بها خطيئة فإذا صلى لم نزل الملائكة تصلي عليه ما دام في وصلاة ما لم يحدث اللهم صل عليه اللهم ارحمه ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة قالوا فلو كانت صلاة المنفرد باطلة لم يفاضل بينها وبين صلاة الجماعة إذ لا مفاضلة بين الصحيح والباطل قالوا وفي صحيح مسلم رقم 656 من حديث عثمان بن عفان أن النبي قال من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله قالوا فشبه فعلها في جماعة بما ليس بواجب والحكم في المشبه كهو في المشبه به أو دونه في التأكيد قالوا وقد روى يزيد بن الأسود قال شهدت مع النبي حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا قال علي بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما قال ما منعكما أن تصليا معنا فقالا يا رسول الله قد صلينا في رحالنا قال فلا تفعلوا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة رواه أهل السنن النسائي رقم 858 أبو داود رقم 575 الترمذي رقم 219 وعند أبي داود إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك مع الأمام فليصلها معه فإنها له نافلة قالوا ولولا صحة الأولى لم تكن الثانية نافلة وعن محجن بن الأدرع قال اتيت النبي فحضرت الصلاة فصلى يعني ولم أصل فقال لي ألا صليت قلت يا رسول الله قد
صليت في الرحل ثم أتيتك قال فإذا جئت فصل معهم واجعلها نافلة رواه الإمام أحمد المسند 4 / 34 وفي الباب عن ابي هريرة وعن ابي ذر وعبادة وعبدالله بن عمر ولفظ حديث ابن عمر عن سليمان مولى ميمونة قال اتيت على ابن عمر وهو بالبلاط والقوم يصلون في المسجد فقلت ما يمنعك أن تصلي مع الناس قال إني سمعت رسول الله يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين رواه أبو داود رقم 579 والنسائي رقم 860
فصل في ادلة الموجبين الجماعة لصحة الصلاة
قال الموجبون التفضيل لا يستلزم براءة الذمة من كل وجه سواء كان مطلقا أو مقيدا فإن التفضيل يحصل مع مناقضة المفضل للمفضل عليه من كل وجه كقوله تعالى اصحب الجنة يومئذ خير مستقرا واحسن مقيلا 25 الفرقان / الآية 24 وقوله تعالى قل أذلك خير أم جنة الخلد 25 سورة الفرقان / الآية 15 وهو كثير فكون صلاة الفذ جزءا واحدا من سبعة وعشرين جزءا من صلاة الجميع لا يستلزم إسقاط فرض الجماعة ولزوم كونها ندبا بوجه من الوجوه وغايتها ان يتأدى الواجب بهما وبينهما من الفضل ما بينهما فإن الرجلين يكون مقامهما في الصف واحدا وبين صلاتهما في الفضل كما بين السماء والأرض وفي السنن أبو داود رقم 796 عنه إن العبد ليصلي
الصلاة ولم يكتب له من الأجر إلا نصفها ثلثها ربعها خمسها حتى بلغ عشرها فإذا عقل اثنان يصليان فرضهما صلاة احدهما افضل من صلاة الآخر بعشرة اجزاء وهما فرضان فهكذا يعقل مثله في صلاة الفذ وصلاة الجماعة وأبلغ من هذا قوله ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها اتحاف السادة المتقين 3 / 112 و 4 / 123 فإذا لم يعقل في صلاته إلا في جزء واحد كان له من الاجر بقدر ذلك الجزء وإن برئتى ذمته من الصلاة فهكذا المصلي وحده له جزء واحد من الأجر وإن برئت الذمة ومثل هذه الصلاة لا يسميها الشارع صحيحة وإن اصطلح الفقهاء على تسميتها صلاة فإن الصحيح المطلق ما تربت عليه اثره وحصل به مقصودة وهذه قد فات معظم أثرها ولم يحصل منها جل مقصودها فهي ابعد شيء من الصحة واحسن أحوالها أن ترفع عنه العقاب وإن حصلت شيئا من الثواب فهو جزء وما هذا إلا على قول من لا يجعلها شرطا للصحة وأما من جعلها شرطا لا تصح بدونه فجوابه إن التفضيل إنما هو بين صلاتين صحيحتين وصلاة الرجل وحده إنما تكون صحيحة للعذر وأما بدون العذر فلا صلاة له كما قال الصحابة رضي الله عنهم وهؤلاء لو أجابوا بهذا لرد عليهم منازعوهم إن المعذور يكمل له أجره فأجابوا على ذلك بأنه لا يستحق بالفعل إلا جزءا واحدا وأما التكميل فليس من جهة الفعل بل بالنية إذا كان من عادته ان يصلي جماعة فمرض او حبس أو سافر وتعذرت عليه الجماعة والله يعلم أن من نيته أن لو
قدر على الجماعة لما تركها فهذا يكمل له أجره مع أن صلاة الجماعة افضل من صلاته من حيث العملين قالوا ويتعين هذا ولا بد فإن النصوص قد صرحت بأنه لا صلاة لمن سمع النداء ثم صلى وحده فدل على ان من له جزء من سبعة وعشرين جزءا هو المعذور الذي له صلاة قالوا والله تعالى يفضل القادر على العاجز وإن لم يؤاخذه فذلك فضله يؤتيه من يشاء وفي صحيح البخاري رقم 1115 عن عمران بن حصين وكان مبسورا قال سألت رسول الله عن صلاة الرجل وهو قاعد فقل من صلى قائما فهو افضل ومن صلى قاعدا فله نصف اجر القائم ومن صلى نائما فله نصف اجر القاعد فهذا إنما هو في المعذور وإلا فغير المعذور ليس له من الأجر شيء إذا كانت الصلاة فرضا وإن كانت نفلا لم يجز له التطوع على جنب فإنه لم يفعله رسول الله يوما من الدهر ولا أحد من الصحابة البتة مع شدة حرصهم على أنواع العبادة وفعل كل خير ولهذا جمهور الأمة يمنع منه ولا تجوز الصلاة على جنب إلا لمن لم يستطع القعود كما قال النبي لعمران صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب البخاري رقم 1117 وعمران بن حصين هو راوي الحديثين وهو الذي سأل عنهما النبي
فصل في مناقشة أدلة منكري فرضية الجماعة
استدلالكم بحديث عثمان بن عفان من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل مسلم رقم 656 فمن افسد الاستدلال واظهر ما في نقضه عليكم قوله من صام رمضان واتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر مسلم رقم 1164 الترمذي رقم 759 ابو داود رقم 2433 ابن ماجه رقم 1716 وصيام الدهر غير واجب وقد شبه به الواجب بل الصحيح أن صيام الدهر كله مكروه فقد شبه به الصوم الواجب فغير ممتنع تشبيه الواجب بالمستحب في مضاعفة الأجر على الواجب القليل حتى يبلغ ثوابه ثواب المستحب الكثير وأما استدلالكم بحديث يزيد بن الأسود ومحجن بن الأدرع وأبي ذر وعبادة فليس في حديث واحد منهم أن الرجل كان قد صلى وحده منفردا مع قدرته على الجماعة البتة ولو اخبر النبي لما اقره على ذلك وانكرعليه وكذلك ابن عمر لم يقل صليت وحدي وأنا اقدر على الجماعة نقول إنه لم يصل من ترك الجماعة وهو يقدر عليها ونقول كما قال أصحاب رسول الله إنه لا صلاة له فحيث يثبت لهؤلاء صلاة فلا بد من احد الأمرين أن يكونوا صلوا جماعة مع غير هذه الجماعة أويكونوا معذورين وقت الصلاة ومن صلى وحده لعذر ثم زال عذره في الوقت لم يجب عليه إعادة الصلاة كما لو صلى بالتيمم ثم وجد الماء في
الوقت او صلى قاعدا لمرض ثم بريء في الوقت او صلى عريانا ثم وجد السترة في الوقت وقد دلت احكام الشريعة على ان صلاة الجماعة فرض على كل واحد وذلك من وجوه أحدها ان الجمع لأجل المطر جائز وليس جوازه إلا محافظة على الجماعة وإلا فمن الممكن ان يصلي كل واحد في بيته منفردا ولو كانت الجماعة ندبا لما جاز ترك الواجب وتقديم الصلاة في وقتها لأجل ندب محض أن المريض إذا لم يستطع القيام في الجماعة وأطاق القيام إذا صلى وحده صلى جماعة وترك القيام ومحال أن يترك ركنا من اركان الصلاة لمندوب محض أن الجماعة حال الخوف يفارقون الإمام ويعملون العمل الكثير في الصلاة ويجعلون الإمام منفردا في وسط الصلاة كل ذلك لأجل تحصيل الجماعة وكان من الممكن أن يصلوا وحدانا بدون هذه الأمور ومحال ان يرتكب ذلك وغيره لأجل امر مندوب إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله وبالله التوفيق