كتاب الصلاة وحكم تاركها/فصل في قبول صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل وقضاء الفائتة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل في قبول صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل وقضاء الفائتة

وأما المسألة الخامسة التي هى قوله هل تقبل صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار باليل أم لا فهذه المسألة لها صورتان إحداهما يقبل فيها بالنص والإجماع وهي ما إذا فاتته صلاة النهار بنوم أو نسيان فصلاها بالليل وعكسه كما ثبت في الصحيحين البخاري رقم 597 مسلم رقم 684 من حديث أنس بن مالك عن النبي قال من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها واللفظ لمسلم

وروى مسلم عنه أيضا رقم 684 قال قال رسول الله إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول وأقم الصلواة لذكري 20 سورة طه / الآية 14 وفي صحيح مسلم رقم 680 عن أبي هريرة أن رسول الله حين قفل من غزوة خيبر سار ليلة حتى إذا ادركه الكرى عرس وقال لبلال أكد لنا الليل فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله وأصحابه فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله ولا بلال ولاأحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس فكان رسول الله اولهم استيقاظ ففزع رسول الله فقال اي بلال فقال بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال قتادة فاقتادوا رواحلهم شيء ثم توضأ رسول الله وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال وأقم الصلواة لذكري 20 سورة طه / الآية 14 وفي الصحيحين البخاري رقم 344 مسلم رقم 682 من حديث عمران بن حصين نحو هذه القصة وفي صحيح مسلم رقم 681 عن أبي قتادة قال ذكروا للنبي نومهم عن الصلاة قال إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى

وفي مسند الإمام أحمد 1 / 386 و 464 من حديث عبدالله بن مسعود قال أقبل النبي من الحديبية ليلا فنزلنا منزلا دهاسا من الأرض فقال من يكلؤنا فقال بلال أنا قال إذا تنام قال لا فنام حتى طلعت الشمس فالستيقظ فلا وفلان فيهم عمر فقال اهضبوا فاستيقظ النبي فقال افعلوا كما كنتم تفعلون فلما فعلوا قال هكذا فافعلوا لمن نام منكم أو نسي فهذا متفق عليه بين الأئمة واختلفوا في مسألتين لفظية وحكمية فاللفظية هل تسمى هذه الصلاة أداء قضاء فيه نزاع لفظي محض فهي قضاء لما فرض الله عليهم واداء باعتبار الوقت في حق النائم والناسي فإن الوقت في حقهما وقت الذكر والأنتباه فلم يصلها إلا في وقتها الذي أمرنا بإيقاعها فيه وأما ما يذكره الفقهاء في كتبهم من قوله فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها فهذه الزيادة لم أجدها في شيء من كتب الأحاديث ولا اعلم لها إسنادا ولكن قد روى البيهقي السنن 2 / 219 والدارقطني 1 / 423 من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن ابي هريرة أن النبي قال من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها

فصل في قضاء الفائتة على الفور أو التراخي

وأما المسألة الحكمية فهل تجب المبادرة إلى فعلها على الفور حين يستيقظ ويذكر أم يجوز له التأخير فيه قولان أصحهما وجوبها على الفور وهذا قول جمهور الفقهاء منهم إبراهيم النخعي ومحمد بن شهاب الزهري وربيعة ابن أبي عبدالرحمن ويحيى بن سعيد الأنصاري وابو حنيفة ومالك والإمام أحمد وأصحابهم وأكثر العلماء وظاهر مذهب الشافعي أنه على التراخي واحتج من نص على هذا القول بأن النبي لم يصلها في المكان الذي ناموا به بل أمرهم فاقتادوا رواحلهم إلى مكان آخر فصلى فيه وفي حديث أبي قتادة فلما استيقظوا قال اركبوا فركبنا فسرنا حتى ارتفعت الشمس نزل ثم دعا بميضأة فيها ماء فتوضأ ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله ركعيتن ثم صلى الغداة قالوا ولو وجب القضاة على الفور لم يفارق منزله حتى يفعلها قالوا ولا يصح الاعتذار عن هذا بأن ذلك المكان كان فيه شيطان فلم يصلوا فيه فإن حضور الشيطان في المكان لا يكون عذرا في تأخير الواجب قال الشافعي ولو كان وقت الفائتة يضيق لماأخره لأجل الشيطان

فقد صلى وهو يخنق الشيطان راجع البخاري رقم 461 مسلم رقم 541 قال الشافعي فخنقه للشيطان في الصلاة أبلغ من واد فيه شيطان قالوا ولأنها عبادة مؤقتة فإذا فاتت لم يجب قضاؤها على الفور كصوم رمضان بل أولى لأن الأداء متوسع في الصلاة دون الصوم فكانت التوسعة في القضاء أولى وقال أبو اسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي الشافعي إن اخرها لعذر قضاها على التراخي للحديث وإن اخرها لغير عذر قضاها على الفور لئلا يثبت بتفريطه ومعصيته رخصة لم تكن واحتج الجمهور بما رواه مسلم في صحيحه رقم 681 من حديث أبي قتادة أنهم ذكروا للنبي نومهم عن الصلاة فقال ليس في النوم تفريط فإذا نسي أحدكم صلاة اونام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك وفي صحيحه أيضا رقم 680 عن أبي هريرة قال قال رسول الله من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال وأقم الصلواة لذكري 20 سورة طه / الآية 14 وعند الدارقطني 1 / 423 في هذا الحديث من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها وهذه الألفاظ صريحة في الوجوب على الفور قالوا وما استدللتم به على جواز التأخير فإنما يدل على التأخير اليسير الذي لا يصير صاحبه مهملا معرضا عن القضاء بل يفعله لتكميل

الصلاة من اختيار بقعة على بقعة وانتظار رفقة او جماعة لتكثير اجر الصلاة ونحو ذلك من تأخير يسير لمصلحتها وتكميلها فكيف يؤخذ من هذا التأخير اليسير لمصلحتها جواز تأخير جواز تأخيرها سنين عددا وقد نص الإمام أحمد على ان المسافر إذا نام في منزله عن الصلاة حتى فاتت أنه يستحب له أن ينتقل عنه إلى غيره فيقضيها فيه للخبر مع أن مذهبه وجوب فعلها على الفور وإذا كانت اوامر الله ورسوله المطلقة على الفور فكيف المقيدة ولهذا أوجب الفورية في المقيدة اكثر من نفاها في المطلقة وأما ما تمسكوا به من القياس على قضاء رمضان فجوابه من وجهين أحدهما أن السنة فرقت بين الموضعين فجوزت تأخير قضاء رمضان وأوجبت فعل المنسية عند ذكرها فليس لنا أن نجمع ما فرقت السنة بينهما الثاني أن هذا القياس حجة عليهم فإن تأخير رمضان إنما يجوز إذا لم يأتي رمضان وهم يجوزون تأخير الفائتة وإن اتى عليها اوقات صلوات كثيرة فأين القياس وأما قولهم لو وجب الفور لما جاز التأخير لأجل الشيطان فقد تقدم جوابه وهو ان الموجبين للفور يجوزون التأخير اليسير لمصلحة التكميل وأما نقضهم بخنق النبي للشيطان في صلاته راجع البخاري رقم 461 مسلم رقم 541 فمن أعجب النقض فإن التأخير اليسير للعدول عن مكان الشيطان لا تترك به الصلاة ولا يذهب به وقتها ولا يقطعها المصلي بخلاف من عرض له الشيطان في صلاته فإنه لو تركها

لأجله لكان قد أبطل صلاته وقطعها بعد دخوله فيها ولعله إن تعرض له في الصلاة الثانية فيقطعها فيترك الصلاة بالكلية فأين إحدى المسألتين من الأخرى والله أعلم بالصواب

فصل في هل يصح قضاء الفائتة عمدا أم لا

وأما الصورة الثانية وهي ما إذا ترك الصلاة عمدا حتى خرج وقتها فهي مسألة عظيمة تنازع فيها الناس هل ينفعه القضاء ويقبل منه ام لا ينفعه ولا سبيل له إلى استدراكها ابدا فقال ابو حنيفة والشافعي وأحمد ومالك يجب عليه قضاؤها ولا يذهب القضاء عنه إثم التفويت بل هو مستحق للعقوبة إلى أن يعفو الله عنه وقالت طائفة من السلف والخلف من تعمد تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر يجوز له التأخير فهذا لا سبيل له إلى استدراكها ولايقدر على قضائها ابدا ولا يقبل منه ولا نزاع بينهم أن التوبة النصوح تنفعه ولكن هل من تمام توبته قضاء تلك الفوائت التي تعمد تركها فلا تصح التوبة بدون قضائها أم لا تتوقف التوبة على القضاء فيحافظ عليها في المستقبل ويستكثر من النوافل وقد تعذر عليه استدراك ما مضى هل هذا محل الخلاف ونحن نذكر حجج الفريقين قال الموجبون للقضاء لما امر النبي النائم والناسي بالقضاء

وهما معذوران غير مفرطين فإيجاب القضاء على المفرط العاصي أولى واحرى فلو كانت الصلاة لا تصح إلا في وقتها لم ينفع قضاؤها بعد الوقت في حق النائم والناسي قالوا وقد صلى العصر بعد المغرب يوم الخندق هو وأصحابه راجع البخاري رقم 596 مسلم رقم 631 ومعلوم قطعا أنهم لم يكونوا نائمين ولا ساهين عنها ولو اتفق النسيان لبعضهم لم يتفق للجميع قالوا وكيف يكون المفرط بالتأخر أحسن حالا من المعذور فيخفف عن المفرط ويشدد على المعذور قالوا وإنما أنام الله سبحانه وتعالى رسوله والصحابة ليبين للأمة حكم من فاتته الصلاة وأنها لا تسقط عنه بالتفويت بل يتداركها فيما بعد قالوا وقد أمر النبي من افطر بالجماع في رمضان ان يقضي يوما مكانه أبو داود رقم 2393 ابن ماجة رقم 1671 قالوا ولاقياس يقتضي وجوب القضاء فإن الامر متوجه علىالمكلف بفعل العبادة في وقتها فإذا فرط في الوقت وتركه لم يكن ذلك مسقط بفعل العبادة في وقتها فإذا فرط في الوقت وتركه لم يكن ذلك مسقطا لفعل العبادة عنه قال الآخرون أوامر الرب تبارك وتعالى نوعان نوع مطلق غير مؤقت فهذا يفعل في كل وقت نوع مطلق غير مؤقت بوقت محدود وهو نوعان احدهما ما وقته بقدر فعله كالصيام ما وقته أوسع من فعله كالصلاة

وهذا القسم فعله في وقته شرط في كونه عبادة مأمورا بها فإنه إنما امر به على هذه الصفة فلا تكون عبادة على غيرها قالوا فما أمر الله به في الوقت فتركه المأمور حتى فات وقته لم يمكن فعله بعد الوقت شرعا وإن أمكن حسا بل لا يمكن حسا ايضا فإن إيتانه بعد الوقت امر غير المشروع قالوا ولهذا لا يمكن فعل الجمعة بعد خروج وقتها ولا الوقوف بعرفة بعد وقته قالوا ولا مشروع إلا ما شرعه الله ورسوله وهو سبحانه ما شرع فعل الصلاة والصيام والحج إلا في أوقات مختصة به فإذا فاتت تلك الأوقات لم تكن مشروعة ولم يشرع الله سبحانه فعل الجمعة يوم السبت ولاالوقوف بعرفة في اليوم العاشر ولاالحج في غير اشهره وأما الصلوات الخمس فقد ثبت بالنص والإجماع أن المعذور بالنوم والنسيان وغلبة العقل يصليها إذا زال عذره وكذلك صوم رمضان شرع الله سبحانه قضاءه بعذر المرض والسفر والحيض وكذلك شرع رسوله الجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت للمعذور بسفر أو مرض او شغل يبيح الجمع فهذه يجوز تأخيرها عن وقتها المختص إلى وقت الأخرى للمعذور ولا يجوز لغيره بالاتفاق بل هو من الكبائر العظام كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر ولكن يجب عليه فعلها وإن اخرها إلى وقت الثانية في هذه الصورة لأنها تفعل في هذا الوقت في الجملة وقد أمر النبي بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها وقيل له ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا مسلم رقم

وهم كانوا يؤخرون الظهر خاصة إلى وقت العصر فأمر بالصلاة خلفهم وتكون نافلة للمصلي وأمره أن يصلي الصلاة في وقتها ونهى عن قتالهم قالوا وأما من اخر صلاة النهار فصلاها بالليل أوصلاة الليل فصلاها بالنهار فهذا الذي فعله غير الذي أمر به وغير ما شرعه الله ورسوله فلا يكون صحيحا ولامقبولا قالوا وقد قال رسول الله من ترك صلاة العصر حبط عمله البخاري رقم 553 وقال الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر اهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 فلو كان يمكنه استدراكها بالليل لم يحبط عمله ولم يكن موتورا من أعماله بمنزلة الموتر من أهله وماله قالوا وقد صح عنه أنه قال من ادرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر البخاري رقم 556 مسلم رقم 608 فكذا من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ولو كان فعلها بعد المغرب وطلوع الشمس صحيحا مطلقا لكان مدركا سواء أدرك ركعة أو اقل من ركعة أو لم يدرك منها شيئا فإنه لم يرد أدرك ركعة صحت صلاته بلا إثم إذ لاخلاف بين الأمة أنه لا يحل له تأخيره إلى ان يضيق وقتها عن كمال فعلها وإنما أراد بالإدراك اصحة والأجزاء وعندكم تصح وتجزيء ولو ادرك منها قدر تكبيرة أو لم يدرك منها شيئا فلا معنى للحديث عندكم البتة

قالوا والله سبحانه قد جعل لكل صلاة وقتا محدود الأول والآخر ولم يأذن في فعلها قبل دخول وقتها ولا بعد خروج وقتها والمفعول قبل الوقت وبعده أمر غير المشروع فلو كان الوقت ليس شرطا في صحتها لكان لا فرق في الصحة بين فعلها قبل الوقت وبعده لأن كلا الصلاتين صلاها في غير وقتها فكيف قبلت من هذا المفرط بالتنفويت ولم تقبل من المفرط بالتعجيل قالوا والصلاة في الوقت واجبة على كل حال حتى أنه يترك جميع الواجبات والشروط لأجل الوقت فإذا عجز عن الوضوء والاستقبال أو طهارة الثوب والبدن وستر العورة أو قراءة الفاتحة او القيام في الوقت وأمكنه ان يصلي بعد الوقت بهذه الأمور فصلاته في الوقت بدونها هي التي شرها الله واوجبها ولم يكن له أن يصلي بعد الوقت مع كمال هذه الشروط والواجبات فعلم أن الوقت مقدم عندالله ورسوله على جميع الواجبات فإذا لم يكن إلا أحد الامرين وجب أن يصلي في الوقت بدون هذه الشروط والواجبات ولو كان له سبيل إلى استدراك الصلاة بعد خروج وقتها لكانت صلاته بعد الوقت مع كمال الشروط والواجبات خيرا من صلاته في الوقت بدونها وأحب إلى الله وهذا باطل بالنص والإجماع قالوا وأيضا فقد توعد الله سبحانه من فوت الصلاة عن وقتها بوعيد التارك لها قال تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون 107 سورة الماعون / الآيتان 4 و 5 وقد فسر أصحاب رسول الله السهو عنها بأنه تأخيرها عن وقتها كما ثبت ذلك عن سعد ابن أبي وقاص وفيه حديث مرفوع سنن البيهقي 2 / 214 وقال تعالى فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلواة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا 19 سورة

مريم / الآية 59 وقد فسر الصحابة والتابعون إضاعتها بتفويت وقتها راجع صفحة 32 والتحقيق أن اضاعتها تتناول تركها وترك وقتها وترك واجباتها وأركانها وأيضا إن مؤخرها عن وقتها عمدا متعد لحدود الله كمقدمها عن وقتها فما بالها تقبل مع تعدي هذا الحد ولا تقبل مع تعدي الحد الآخر قالوا وأيضا فنقول لمن قال إنه يستدركها بالقضاء أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمر بفعلها هي التي امر الله بها أم هي غيرها قال هي بعينها قيل له فالعامد بتركها حينئذ ليس عاصيا لأنه قد فعل ماأمر الله به بعينه فلا يلحقه الإثم والملامة وهذا باطل قطعا وإن قال ليست هي التي أمر الله بها قيل له فهذا من اعظم حججنا عليك إذ أقررت أن هذه غير مأمور بها ثم نقول أيضا ما تقولون في من تعمد تفويتها حتى خرج وقتها ثم صلاها أطاعه صلاته تلك ام معصية فإن قالوا صلاته طاعة وهو مطيع بها خالفوا الإجماع والقرآن والسنن الثابتة وإن قالوا هي معصية قيل فكيف يتقرب إلى الله بالمعصية وكيف تنوب المعصية عن الطاعة فإن قلتم هو مطيع بفعلها عاص بتأخيرها وهو أنه إذا تقرب بالفعل الذي هو طاعة لا بالتفويت الذي هو معصية قيل لكم الطاعة هي موافقة الأمر وامتثاله على الوجه الذي امر به فأين الله ورسوله ممن تعمد تفويت الصلاة بفعلها بعد خروج وقتها حتى يكون مطيعا له بذلك فلو ثبت ذلك لكان فاصلا للنزاع في المسألة قالوا وأيضا فغير أوقات العبادة لا تقبل تلك العبادة بوجه كما أن الليل لا يقبل الصيام وغير اشهر الحج لا يقبل الحج وغير وقت الجمعة لا

تقبل الجمعة فأي فرق بين من قال ان أفطر النهار وأصوم الليل أو قال أنا أفطر رمضان في هذا الحر الشديد وأصوم مكانه شهرا في الربيع أو قال أنا أؤخر الحج من شهره إلى المحرم أو قال أنا اصلي الجمعة بعد العشاء الآخرة أو اصلي العيدين في وسط الشهر وبين من قال انا أؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار فهل يمكن أحدا قط أن يفرق بين ذلك قالوا وقد جعل الله سبحانه للعبادات أمكنه وأزمنة وصفات فلا ينوب مكان عن المكان الذي جعله الله مكانا ميقاتا لها كعرفة ومزدلفة ومنى ومواضع الجمار والمبيت والصفا والمروة ولا تنوب صفة من صفاتها التي اوجبها الله عليها عن صفة فكيف ينوب زمان عن زمانها الذي أوجبها الله فيه عنه قالوا وقد دل النص والإجماع على أن من اخر الصلاة عن وقتها عمدا أنها قد فاتته كما قال النبي من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 وما فات فلا سبيل إلى إدراكه ألبتة ولو امكن أن يدرك لما سمي فائتا وهذا مما لا شك فيه لغة وعرفا وكذلك هو في الشرع وقد قال النبي لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من يوم عرفة الموطأ 1 / 390 مجمع الزوائد 3 / 255 أفلا تراه جعله فائتا بفوات وقته لما لم يمكن أن يدرك في يوم بعد ذلك اليوم وهذا بخلاف المنسية والتي نام عنها فإنها لا تسمى فائتة ولهذا لم تدخل في قوله الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر اهله وماله البخاري رقم 552 مسلم رقم 626 قالوا والأمة مجمعة على أن من ترك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها

فقد فاتته ولو قبلت منه وصحت بعد الوقت لكان تسميتها فائتة لغوا وباطلا وكيف يفوت ما يدرك قالوا وكما أنه لا سبيل إلى استدراك الوقت الفائت ابدا فلا سبيل إلى استدراك فرضه ووصفه قالوا وهذا معنى قوله في الحديث الذي رواه أحمد المسند 2 / 386 وغيره أبو داود رقم 2396 الترمذي رقم 723 ابن ماجة رقم 1672 من أفطر يوما من رمضان من غير عذر لم يقضه عنه صيام الدهر فأين هذا من قولكم يقضيه عنه صيام يوم من اي شهر اراد قالوا وقد امر الله سبحانه المسلمين حال مواجهة عدوهم أن يصلوا صلاة الخوف فيقصروا من اركانها ويفعلوا فيها الأفعال الكثيرة ويستدبروها فيها القبلة ويسلمون قبل الأمام بل يصلون رجالا وركبانا حتى لو لم يمكنهم إلا الإيماء اتوا بها على دوابهم إلى غير القبلة في وقتها ولو قبلت منهم في غير وقتها وصحت لجاز لهم تأخيرها إلى وقت الأمن وإمكان الإتيان بها وهذا يدل على أنها بعد خروج وقتها لا تكون جائزة ولا مقبولة منهم مع العذر الذي أصابهم في سبيله وجهاد اعدائه فكيف تقبل من صحيح مقيم لا عذر له البتة وهو يسمع داعي الله جهرة فيدعها حتى يخرج وقتها ثم يصليها في غير الوقت وكذلك لم يفسح في تأخيرها عن وقتها للمريض بل امره أن يصلي على جنبه بغير قيام ولا ركوع ولا سجود إذا عجز عن ذلك ولو كانت تقبل منه وتصح في غير وقتها لجاز تأخيرها إلى زمن الصحة فأخبرونا أي كتاب أو سنة أو اثر عن صاحب نطق بأن من اخر الصلاة وفوتها عن وقتها الذي امر الله بإيقاعها فيه عمدا يقبلها الله منه

بعد خروج وقتها وتصح منه وتبرأ ذمته منها ويثاب عليها ثواب من ادى فريضته هذا والله ما لا سبيل لكم إليه البتة حتى تقوم الساعة ونحن نوجد لكم عن اصحاب رسول الله مثل ما قلناه وخلاف قولكم

فصل في قول ابي بكر الصديق الذي لم يعلم ان احدا من الصحابة أنكره عليه

قال عبدالله بن المبارك في الزهد رقم 914 أخبرنا إسماعيل ابن أبي خالد عن زيد ان ابا بكر قال لعمر بن الخطاب إني موصيك بوصية إن حفظتها إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل وحقا بالليل لا يقبله بالنهار وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم في الدنيا الحق وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة وصالح ما عملوا وتجاوز عن سيئاتهم فإذا ذكرتهم خفت ألا أكون منهم وذكر اهل النار وأعمالهم فإذا ذكرتهم قلت أخشى أن أكون منهم وذكر آية الرحمة وآية العذاب ليكون المؤمن راغبا راهبا فلا يتمنى على الله غير الحق ولا يلقى بيده إلى التهلكة فإن حفظت قولي فلا يكونن غائب أحب اليك من الموت ولا بد لك منه وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن غائباحب إليك من الموت ولن تعجزه وقال هناد بن السري الزهد 1 / 496 حدثنا عبده عن إسماعيل ابن ابي خالد عن زبيد اليامي قال لما حضرت أبا بكر الوفاة فذكره

قالوا فهذا أبو بكر قال إن الله لا يقبل عمل النهار بالليل ولا عمل الليل بالنهار ومن يخالفنا بهذه المسألة يقولون بخلاف هذا صريحا وأنه يقبل صلاة العشاء الآخرة وقت الهاجرة ويقبل صلاة العصر نصف النهار قالوا فهذا قول أبي بكر وعمر وابنه عبدالله وسعد ابن ابي وقاص وسلمان الفارسي وعبدالله بن مسعود والقاسم بن محمد ابن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبدالله وعمر بن عبدالعزيز رضي الله عنهم وغيرهم قال شعبة عن يعلى بن عطاء عن عبدالله بن خراش قال رأى ابن عمر رجلا يقرأ في صحيفة قال له يا هذا القاريء إنه لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها فصل ثم أقرأ ما بدا لك قالوا ولا يصح تأويلكم ذلك على أنه لا صلاة كاملة لوجوه أن النفي يقتضي نفي حقيقة المسمى والمسمى هنا هو الترتيب وحقيقة منتفية هذه حقيقة اللفظ فما الموجب للخروج عنها الثاني إنكم إذا أردتم بنفي الكمال الكمال المستحب فهذا باطل فإن الحقيقة الشرعية لا تنتفي لنفي مستحب فيها وإنما تنتفي لنفي ركن من أركانها وجزء من اجزائها وهكذا كل نفي ورد على حقيقة شرعية كقوله لا إيمان لمن لا أمانة له مسند أحمد ولا صلاة لمن لا وضوء له مسند أحمد 2 / 418 أبو داود رقم 101 ابن ماجة رقم 399 ولا عمل لمن لا نية له ابن ابي الدنيا الإخلاص والنية

رقم 59 ولا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل أبو داود رقم 2454 النسائي رقم 2331 الترمذي رقم 730 ابن ماجه رقم 1700 ولا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب البخاري رقم 756 مسلم رقم 394 ولو انتفت لانتفاء بعض مستحباتها فما من عبادة إلا وفوقها من جنسها ما هوه احب إلى الله منها وقد ساعدتمونا على أن الوقت من واجباتها فإن انتفت بنفي واجب فيها لم تكن صحيحة ولا مقبولة الثالث إنه إذا لم يكن نفي حقيقة المسمى فنفي صحته والاعتداد به اقرب إلى نفيه من كماله المستحب وقال محمد بن المثنى حدثنا عبدالأعلى حدثنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أن عبدالله بن مسعود كان يقول إن للصلاة وقتا كوقت الحج المصنف لعبد الرزاق رقم 3747 فصلوا الصلاة لميقاتها المحلى 2 / 372 فهذا عبدالله قد صرح بأن وقت الصلاة كوقت الحج فإذا كان الحج لا يفعل في غير وقته فما بال الصلاة تجزيء في غير وقتها وقال عبدالرزاق المصنف رقم 2234 1 / 587 عن معمر عن بديل العقيلي قال بلغني أن العبد إذا صلى الصلاة لوقتها صعدت ولها نور ساطع في السماء وقالت حفظتني حفظك الله وإذا صلاها لغير وقتها طويت كما يطوى الثوب الخلق فيضرب بها وجهه

فصل في حجج الذين يقولون بقضاء الصلاة المتروكة عمدا

قال الذين يعتدون بها بعد الوقت ويبرئون بها الذمة واللفظ لأبي عمر ابن عبدالبر فإنه انتصر لهذه المسألة اتم انتصار ونحن نذكر كلامه بعينه قال في الاستذكار في باب النوم عن الصلاة قرأت على عبدالوارث أن قاسما حدثهم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا ابن الاصبهاني حدثنا عبيدة بن حميد عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن سلمة عن مسروق عن ابن عباس قال كان رسول الله في سفر فعرسوا من آخر الليل فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس فأمر بلالا فأذن ثم صلى ركعتين قال ابن عباس فما يسرني بها الدنيا وما فيها يعني الرخصة مسند أحمد 1 / 259 ومجمع الزوائد 1 / 321 قال أبو عمر ذلك عندي والله اعلم لأنه كان سببا إلى أن أعلم أصحابه المبلغين عنه إلى سائر أمته بأن مراد الله عن عباده في الصلاة وإن كانت مؤقته أن من لم يصلها في وقتها يقضيها أبدا متى ذكرها ناسيا كان لها او نائما عنه او متعمدا لتركها ألا ترى ألا حديث مالك في هذا الباب عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله قال من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1 / 13 والنسيان في لسان العرب يكون للترك عمدا او يكون ضد الذكر قال الله تعالى نسوا الله فنسيهم 9 سورة التوبة الآية 67 اي تركوا طاعة الله والإيمان بما جاء به رسول الله

فتركهم الله من رحمته وهذا لا خلاف فيه ولا يجهله من له اقل علم بتأويل القرآن فإن قيل فلم خص النائم والناسي بالذكر في قوله في غير هذا الحديث من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1 / 13 قيل خص النائم والناسي ليرتفع التوهم والظن فيهما لرفع القلم في سقوط التأثيم عنهما بالنوم والنسيان فأبان رسول الله أن سقوط الاثم عنهما غير مسقط لما لزمهما من فرض الصلاة وأنها واجبة عليهما عند الذكر لها يقضيها كل واحد منهما بعد خروج وقتها إذا ذكرها ولم يحتج إلى ذكر العامد معهما لأن العلة المتوهمة في الناسي والنائم ليست فيه ولا عذر له في ترك فرض قد وجب عليه من صلاته إذا كان ذاكرا له وسوى الله سبحانه وتعالى في حكمها على لسان رسوله بين حكم الصلاة المؤقتة والصيام الؤقت في شهر رمضان بل كل واحد منهما يقضى بعد خروج وقته فنص على النائم والناسي في الصلاة كما وصفنا ونص على المريض والمسافر في الصوم وأجمعت الامة ونقلت الكافة فيمن لم يصم شهر رمضان عامدا وهو مؤمن بفرضه وإنما تركه أشرا وبطرا ثم تاب منه بعد ذلك أن عليه قضاءه وكذلك من ترك الصلاة عامدا فالعامد والناسي في القضاء للصلاة والصيام سواء وإن اختلفا في الاثم كالجاني على الاموال المتلف لها عامدا وناسيا سواء إلا في الاثم وكان الحكم في هذا النوع بخلاف رمي الجمار في الحج الذي لا يقضى في غير وقته لعامد ولا ناس لوجوب الدم فيما ينوب عنها وبخلاف الضحايا أيضا لأن الضحايا ليست بواجبة فرضا والصلاة والصيام كلاهما فرض واجب ودين ثابت يؤدي ابدا , ان خرج الوقت المؤجل لهما قال رسول الله دين الله احق ان يقضى البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 وإذا

كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها الآثم في فعله ذلك وإن أبي لا يسقط عنه فرض الصلاة وأن يحكم عليه بالأتيان بها لأن التوبة من عصيانه في عمد تركها هي أداؤها وإقامتها مع الندم على ما سلف من تركه لها في وقتها وقد شذ بعض أهل الظاهر اي ابن حزم واقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين وسبيل المؤمنين فقال ليس على المتعمد لترك الصلاة في وقتها أن يأتي بها في غير وقتها لأنه غير نائم ولا ناس وإنما قال رسول الله من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1 / 13 قال والمتعمد غير الناسي والنائم المحلى 2 / 235 قال وقياسه عليهما غير جائز عندنا كما أن من قتل الصيد لا يجزيه عندنا فخالف في المسألتين جمهور العلماء وظن أنه يستتر في ذلك برواية شاذة جاءت عن بعض التابعين شذ فيها عن جماعة من علماء المسلمين وهو محجوج بهم مأمور باتباعهم فخالف هذا الظاهري طريق النظر والاعتبار وشذ عن جماعة علماء الأمصار ولم يأت فيما ذهب إليه من ذلك بدليل يصح في العقول ومن الدليل على أن الصلاة تصلى وتقضي بعد خروج وقتها كالصيام سواء وإن كان إجماع الامة الذين أمر من شذ عنهم بالرجوع إليهم وترك الخروج عن سبيلهم يغني عن الدليل في ذلك قول النبي من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل ان تطلع الشمس فقد أدرك الصبح البخاري رقم 556 مسلم رقم 608

ولم يستثن متعمدا من ناس ونقلت الكافة عنه أن من ادرك ركعة من صلاة العصر قبل الغروب صلى تمام صلاة العصر بعد الغروب البخاري رقم 556 وذلك بعد خروج الوقت عند الجميع ولا فرق بين عمل صلاة العصر كلها لمن تعمد او نسي او فرط وبين عمل بعضها في نظر ولا اعتبار ودليل آخر وهو أن رسول الله لم يصل هو ولا أصحابه يوم الخندق صلاة الظهر والعصر حتى غربت الشمس لشغله بما نصبه المشركون من الحرب ولم يكن يومئذ نائما ولا ناسيا ولا كانت بين المسلمين والكافرين يومئذ حرب قائمة ملتحمة وصلى الظهر والعصر بالليل ودليل آخر ايضا وهو أن رسول الله قال بالمدينة لأصحابه يوم انصرافه من الخندق لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة البخاري رقم 946 ومسلم رقم 1770 فخرجوا مبادرين وصلى بعضهم العصردون بني قريظة خوفا من خروج وقتها المعهود ولم يصلها بعضهم إلا في بني قريظة بعد غروب الشمس لقوله لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة فلم يعنف رسول الله أحدا من الطائفتين وكلهم غير ناس ولا نائم وقد اخر بعضهم الصلاة حتى خرج وقتها ثم صلاها وقد علم رسول الله ذلك فلم يقل لهمإن الصلاة لم تصل في وقتها ولا تقضى بعد خروج وقتها ودليل آخر وهو قوله سيكون بعدي امراء يؤخرون الصوات عن ميقاتها قالوا انفصليها معهم قال نعم حدثنا عبدالوراث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود حدثنا

سفيان الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى الحمصي قال اتى الي عن امرأة عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت قال كنا عند النبي فقال إنه سيجيء بعدي امراء تشغلهم اشياء حتى لا يصلوا الصلاة لميقاتها قالوا نصليها معهم يا رسول الله قال نعم مسند أحمد 3 / 314 قال ابو عمر ابو مثنى الحمصي هو الاملوكي ثقة وفي هذا الحديث أن رسول الله اباح الصلاة بعد خروج ميقاتها ولم يقل إن الصلاة لا تصلى إلا في وقتها والأحاديث في تأخير الأمراء الصلاة حتى يخرج وقتها كثيرة جدا وقد كان الامراء من بني امية واكثرهم يصلون الجمعة عند الغروب وقد قال إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى وقد اعلمهم أن وقت الظهر في الحضر ما لم يدخل وقت العصر وروي ذلك عنه من وجوه صحاح قد ذكرت بعضها في صدر الكتاب يعني الإستذكار في المواقيت وحدثنا عبدالله بن محمد بن راشد حدثنا حمزة بن محمد بن علي حدثنا أحمد بن شعيب النسوي حدثنا سويد بن نضر حدثنا عبدالله يعني ابن المبارك عن سليمان بن مغيرة عن ثابت بن عبدالله بن رباح عن ابي قتادة أن رسول الله قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى مسلم رقم 681 الترمذي رقم 117 ابو داود رقم 437 فقد سمى رسول الله من فعل هذا مفرطا والمفرط ليس بمعذور

وليس كالنائم والناسي عند الجميع من جهة العذر وقد اجاز رسول الله صلاته على ما كان عليه من تفريطه وقد روي في حديث أبي قتادة هذا ان رسول الله قال وإذا كان الغد فليصلها لميقاتها مسلم رقم 681 وهذا ابعد وأوضح في اداء المفرط للصلاة عند الذكر وبعد الذكر وحديث أبي قتادة هذا صحيح الأسناد إلا ان هذا المعنى قد عارضه حديث عمران بن الحصين في نوم رسول الله في صلاة الصبح بسفره وفيه قالوا يا رسول الله ألا نصليها لميقاتها من الغد قال لا إن الله لا ينهاكم عن الربا ثم يقبله منكم مسند أحمد 4 / 441 وروى من حديث أبي هريرة عن النبي مثله وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد وقد روى عبدالرحمن بن علقمة الثقفي وهو مذكور في الصحابة قال قدم وفد ثقيف على رسول الله فجعلوا يسألونه فلم يصل يومئذ الظهر إلا مع العصر وأقل ما في هذا أنه اخرها عن وقتها الذي كان يصليها فيه لشغل اشتغل به وعبد الرحمن بن علقمة من ثقات التابعين وكبارهم وقد أجمع العلماء على ان من ترك الصلاة عامدا حتى يخرج وقتها عاص لله وذكر بعضهم أنها كبيرة من الكبائر وأجمعوا على ان على العاصي ان يتوب من ذنبه بالندم عليه واعتقاد ترك العود إليه قال الله تعالى وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون 24 سورة

النور / الآية 31 ومن لزمه حق الله أو لعباده لزمه الخروج منه وقد شبه رسول الله حق الله تعالى بحقوق الآدميين وقال دين الله أحق أن يقضي البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 والعجب من هذا الظاهري في نقضه أصله بجهله وحبه لشذوذه وأصل أصحابه فيما وجب من الفرائض بإجماع أنه لا يسقط إلا بإجماع مثله أو سنة ثابتة لا ينازع في قبولها والصلوات المكتوبات واجبات بإجماع ثم جاء من الاختلاف شذوذ خارج عن اقوال علماء الأمصار فاتبعه دون سنة رويت في ذلك واسقط به الفريضة المجمع على وجوبها ونقض اصله ونسي نفسه ثم ذكر أن مذهب داود وأصحابه وجوب قضاء الصلاة إذا فوتها عمدا ثم قال فهذا قول داود وهو وجه أهل الظاهر وما أرى هذا الظاهري إلا وقد خرج عن جماعة العلماء من السلف والخلف وخالف جميع فرق الفقهاء وشذ عنهم ولا يكون إماما في العلم من اخذ بالشاذ من العلم وقد أوهم في كتابه أن له سلفا من الصحابة والتابعين تجاهلا منه فذكر عن ابن مسعود ومسروق وعمر بن عبدالعزيز في قوله أضاعوا الصلواة 19 سورة مريم / الآية 59 أن ذلك عن مواقيتها ولو تركوها لكانوا بتركها كفارا وهو لا يقول بتكفير تارك الصلاة عمدا إذا إذا أبى إقامتها ولا بقتله إذا كان مقرا بها فقد خالفهم فكيف يحتج بهم على انه معلوم أن من قضى الصلاة فقد تاب من تضييعها قال تعالى وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صلحا ثم اهتدى 20 سورة طه / الآية 82 ولا تصح لمضيع الصلاة توبة إلا بأدائها كما لا تصح التوبة من دين

الآدمي إلا بأدائه ومن قضى صلاة فرط فيها فقد تاب وعمل صالحا والله لا يضيع أجر من احسن عملا وذكر عن سلمان أنه قال الصلاة مكيال فمن وفاه وفي له ومن طففه قد علمتم ما قاله الله في المطففين وهذا لا حجة فيه لأن الظاهر من معناه أن المطفف قد يكون من لم يكمل صلاته بركوعها وسجودها وحدودها وإن صلاها في وقتها وذكر عن ابن عمر أنه قال لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها وكذا نقول لا صلاة له كاملة الأجزاء كما جاء لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد سنن البيهقي 3 / 111 و 174 ولا إيمان لمن لا امانة له مسند أحمد 3 / 135 ومن قضى الصلاة فقد صلاها وتاب من نسي عمله بتركها وكل ما ذكر في هذا المعنى فغير صحيح ولا له في شيء منه حجة لأن ظاهره خلاف ما تأوله

فصل في حجج المانعين من صحة قضاء الصلاة المتروكة عمدا

قال المانعون من صحتها بعد الوقت وقبولها لقد ارعدتم وابرقتم ولم تنصفونا في حكاية قولنا على وجهه ولافي نقلنا مذاهب السلف ولا في حججنا فإنا لم نقل قط ولا احد من اهل الاسلام إنها سقطت من ذمته بخروج وقتها وإنها لم تبق واجبة عليه حتى تجلبوا علينا بما أجلبتم وتشنعوا علينا بما شنعتم بل قولنا وقول من حكينا قوله من الصحابة والتابعين اشد على مؤخر الصلاة ومفوتها من قولكم فإنه قد تحتمت

عقوبته وباء بإثم لا سبيل له إلى استدراكه إلا بتوبة يحدثها وعمل يستأنفه وقد ذكر من الادلة ما لاسبيل لكم إلى رده فإن وجدتم السبيل إلىالرد فأهلا بالعلم أين كان ومع من كان فليس القصد إلا طاعة الله وطاعة رسوله ومعرفة ما جاء به ونحن نبين ما في كلامكم من مقبول ومردود فأما قولكم إن سرور ابن عباس بتلك الصلاة التي صلاها بعد طلوع الشمس لأنه كان سببا إلى ان اعلم رسول الله أصحابه المبلغين عنه إلى سائر أمته بأن مراد الله من عباده في الصلاة وإن كانت مؤقتة ان من لم يصلها في وقتها يقضيها ابدا ناسيا كان لها او نائما او متعمدا لتركها فهذا ظن محض منكم أن ابن عباس اراده ومعلوم ان كلامه لا يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة ولا هو يشعر به ولعل ابن عباس إنما سر بها ذلك السرور العظيم لكونه صلاها مع رسول الله وأصحابه وفعل مثل ما فعلوا وحصل له سهمان من الاجر كما حصل للصحابة وخص تلك الصلاة بذلك تنبيها للسامع أنها مع كونها ضحى قد فعلت بعد طلوع الشمس فلا يظن أنها ناقصة وأنها لأاجر فيها فما يسرني بها الدنيا وما فيها وليس ما فهمتموه عن ابن عباس اولى من هذا الفهم ولعله أراد أن ذلك من رحمة الله بالأمة ليقتدي به من نام عن الصلاة ولم يفرط بتأخيرها فمن اين يدل كلامه هذا على أن سروره بتلك الصلاة لأنها تدل على ان من لم يصل وأخر صلاة الليل إلى النهار عمدا وصلاة النهار إلى الليل أنها تصح منه وتقبل وتبرأ بها ذمته وإن فهم هذا من كلام ابن عباس لمن اعجب العجب فأخبرونا كيف وقع لكم هذا الفهم من كلامه وبأي طريق فهمتموه

فصل في الكلام عن النسيان وأنواعه

وأما قولكم إن النسيان في لغة العرب هو الترك كقوله نسوا الله فنسيهم 9 سورة التوبة / الآية 67 الخ فنعم لعمر الله إن النسيان في القرآن على وجهين نسيان ترك ونسيان سهو ولكن حمل الحديث على نسيان الترك عمدا باطل لاربعة اوجه أحدها أنه قال فليصلها إذا ذكرها الموطأ 1 / 13 وهذا صريح في ان النسيان في الحديث نسيان سهولا نسيان عمد وإلا كان قوله إذا ذكرها كلاما لا فائدة فيه فالنسيان إذا قوبل بالذكر لم يكن إلا نسيان سهو كقوله واذكر ربك إذا نسيت 18 سورة الكهف / الآية 24 وقوله إذا نسيت فذكروني البخاري رقم 1933 مسلم رقم 1155 الثاني أنه قال فكفارتها ان يصليها إذا ذكرها ومعلوم أن من تركها عمدا لا يكفر عنه فعلها بعد الوقت إثم التفويت هذا مما لاخلاف فيه بين الامة ولا يجوز نسبته إلى رسول الله إذ يبقى معنى الحديث من ترك الصلاة عمدا حتى خرج وقتها فكفارة إثمه صلاتها بعد الوقت وشناعة هذا القول أعظم من شناعتكم علينا القول بأنها لا تنفعه ولا تقبل منه فأين هذا من قولكم الثالث أنه قابل الناسي في الحديث بالنائم وهذه المقابلة تقتضي أنه الساهي كما يقول جملة أهل الشرع النائم والناسي غير مؤاخذين الرابع أن الناسي في كلام الشارع إذا علق به الاحكام لم يكن مراده

إلا الساهي وهذا مطرد في جميع كلامه كقوله من اكل او شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله مسلم رقم 572

فصل في الكلام عن متعمد تأخير الصلاة والناسي

وأما قولكم وسوى الله سبحانه في حكمهما اي حكم العامد والناسي على لسان رسوله بين حكم الصلاة المؤقتة والصيام المؤقت في شهر رمضان بأن كل واحد منهما يقضى بعد خروج وقته فنص علىالنائم والساهي في الصلاة كما وصفنا ونص على المريض والمسافر في الصوم واجتمعت الأمة ونقلت الكافة فيمن لم يصم شهر رمضان عامدا وهو مؤمن بفرضه وإنم تركه اشرا وبطرا ثم تاب منه أن عليه قضاءه إلى آخره فجوابه من وجوه أحدها قولكم إن الله سبحانه وتعالى سوى بينهما اي بين العامد والناسي فكلام باطل على إطلاقه فما سوى الله سبحانه بين عامد وناس أصلا وكلامنا في هذا العامد العاصي الآثم المفرط غاية التفريط فأين سوى الله سبحانه بين حكمهما في صلاة أو صيام وقولكم فنص على النائم والناسي في الصلاة كما وصفنا قد تقدم ان النسيان المذكور في الصلاة لا يصح حمله على العمد بوجه وأن الذي نص عليه في الحديث هو نسيان السهو الذي هو نظير النوم فلا تعرض فيه للعامد وأما نصه على المريض والمسافر في الصوم فهما وإن أفطرا عامدين

فلا يمكن أخذ حكم تارك الصلاة عمدا من حمكها وما سوى الله ولا رسوله بين تارك الصلاة عمدا او اشرا حتى يخرج وقتها وبين تارك الصوم لمرض او سفر حتى يؤخذ حكم احدهما من الآخر فمؤخر الصوم في المرض والسفر كمؤخر الصلاة لنوم أو نسيان وهذان هما اللذان سوى الله ورسوله بين حكمهما نص الله على حكم المريض والمسافر في الصوم المعذورين ونص رسول الله على حكم النائم والناسي في الصلاة المعذورين فقد استوى حكمهما في الصوم والصلاة ولكن اين استوى حكم العامد المفرط الآثم والمريض والمسافر والنائم والناسي المعذورين يوضحه أن الفطر بالمرض قد يكون واجبا بحيث يحرم عليه الصوم والفطر في السفر إما واجب عند طائفة من السلف والخلف أو أنه افضل من الصوم عند غيرهم أو هما سواء أو الصوم أفضل منه لمن لا يشق عليه عند آخرين وعلى كل تقدير فإلحاق تارك الصلاة والصوم عمدا وعدوانا به من أفسد الإلحاق وأبطل القياس وهذا مما لا خفاء به عند كل عالم وقولكم إن الأمة اجتمعت والكافة نقلت أن من لم يصم شهر رمضان عامدا أشرا او بطرا ثم تاب منه فعليه قضاؤه فيقال لكم أوجدونا عشرة من اصحاب رسول الله فن دونهم صرح بذلك ولن تجدوا إليه سبيلا وقد انكر الأئمة كالإمام أحمد والشافعي وغيرهما دعوى هذه الإجماعات التي حاصلها عدم العلم بالخلاف لا العلم بعدم الخلاف فإن هذا مما لا سبيل إليه إلا فيما علم بالضرورة أن الرسول جاء به وأما ما قامت الأدلة الشرعية عليه فلا يجوز لأحد ان ينفي حكمه لعدم علمه بمن قال به فإن الدليل يجب اتباع مدلوله وعدم العلم بمن قال به لا يصح أن يكون معارضا بوجه ما فهذا طريق جميع الأئمة المقتدى بهم

قال الأمام أحمد في رواية ابنه عبدالله من ادعى الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا هذه دعوى بشر المريسي والأصم ولكن يقول لا نعلم للناس اختلافا إذا لم يبلغه وقال في رواية المروزي كيف يجوز للرجل أن يقول أجمعوا إذا سمعتهم يقولون أجمعوا فاتهمهم لو قال إني لا اعلم مخالفا كان أسلم وقال في رواية أبي طالب هذا كذب ما اعلمه أن الناس مجمعون ولكن يقول ما اعلم فيه اختلافا فهو احسن من قوله اجمع الناس وقال في رواية ابي الحارث لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع لعل الناس اختلفوا وقال الشافعي في أثناء مناظرته لمحمد بن الحسن لايكون لأحد أن يقول أجمعوا حتى يعلم إجماعهم في البلدان ولا يقبل على اقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا خبر الجماعة عن الجماعة فقال لي تضيق هذا جدا قلت له وهو مع ضيقه غير موجود وقال في موضع آخر وقد بين ضعف دعوى الاجماع وطالب من يناظره بمطالبات عجز عنها فقال له المناظر فهل من إجماع قلت نعم الحمد لله كثيرا في كل الفرائض التي لا يسع جهلها وذلك الإجماع هو الذي إذا قلت اجمع الناس لم تجد احدا يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيها وقال بعد كلام طويل حكاه في مناظرته أو ما كفاك عيب الإجماع أنه لم يرو عن احد بعد رسول الله دعوى الإجماع إلا فيما لم يختلف

فيه احد إلى ان كان اهل زمانك هذا قال له المناظر فقد ادعاه بعضكم قلت افحمدت ما ادعى منه قال لا قلت فكيف صرت إلى ان تدخل فيما زعمت في اكثر ما عبت الاستدلال من طريق عن الأجماع وهو ترك ادعاء الإجماع فلا تحسن النظر لنفسك إذاقلت هذا إجماع فتجد حولك من يقول لك معاذ الله أن يكون هذا إجماعا وقال الشافعي في رسالته ما لا يعلم فيه خلاف فليس إجماعا فهذا كلام أئمة اهل العلم في دعوى الإجماع كما ترى فلنرجع إلى المقصود فنقول من قال من أصحاب رسول الله إن من ترك الصلاة عمدا لغير عذر حتى خرج وقتها أنها تنفعه بعد الوقت وتقبل وتبرأ ذمته فالله يعلم أنا لم نظفر على صاحب واحد منهم قال ذلك وقد نقلنا عن الصحابة والتابعين ما تقدم حكايته وقد صرح الحسن بما قلناه فقال محمد بن نصر المروزي في كتابه في الصلاة رقم 1078 حدثنا إسحاق حدثنا النضر عن الاشعت عن الحسن قال إذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمدا فإنه لا يقضيها قال محمد وقول الحسن هذا يحتمل معنيين أحدهما انه كان يكفره بترك الصلاة متعمدا فلذلك لم يرد عليه القضاء لأن الكافر لا يؤمر بقضاء ما ترك من الفرائض في كفره والثاني أنه لم يكفره بتركها وأنه ذهب إلى أن الله تعالى إنما فرض ان يأتي بالصلاة في وقت معلوم فإذا تركها حتى ذهب وقتها فقد لزمته المعصية لتركه الفرض في الوقت المأمور بإتيانه فيه فإذا اتى به بعد ذلك فإنما أتى به في وقت لم يؤمر بإتيانه فيه فلا ينفعه أن يأتي بغير المأمور

به عن المأمور به وهذا قول غير مستنكر في النظر لولا أن العلماء قد أجمعت على خلافه قال ومن ذهب إلى هذا قال في الناسي للصلاة حتى يذهب وقتها وفي النائم ايضا لو لم يأت الخبر عن النبي أنه قال من نام عن صلاة او نسيها فليصلها إذا استيقظ راجع البخاري رقم 597 مسلم رقم 684 وذكر أنه نام عن صلاة الغداة فقضاها بعد ذهاب الوقت لما وجب عليه في النظر قضاؤها أيضا فلما جاء الخبر عن النبي بذلك وجب علي قضاؤها وبطل حظ النظر فقد نقل محمد الخلاف صريحا وظن أن الأمة أجمعت على خلافه وهذا يحتمل م6عنيين أحدهما أنه يرى أن الإجماع ينعقد بعد الخلاف والثاني أنه لايرى خلاف الواحد قادحا في الإجماع وفي المسألتين نزاع معروف وأما قوله إن القياس يقتضي ان لا يقتضي النائم والناسي لولا الخبر فليس كما زعمتم لأن وقت النائم والناسي هو وقت ذكره وانتباهه لا وقت له غير ذلك كما تقدم والله أعلم وأما قولكم إن الكافة نقلت والأمة اجمعت ان من لم يصم شهر رمضان اشرا وبطرا ان عليه قضاءه فأين النقل بذلك إذا جاء عن أصحاب رسول الله وقد روى عنه اهل السنن ابو داود رقم 2396 الترمذي رقم 723 ابن ماجه رقم 1672 والامام أحمد في مسنده 2 / 386 من حديث ابي هريرة من افطر يوما من رمضان من غير عذر

لم يقضه عنه صيام الدهر وإن صامه فهذه الرواية المعروفة فأين الرواية عنه او عن أصحابه من افطر رمضان او بعضعه اجزأ عنه ان يصوم مثله وأما قولكم إن الصلاة والصيام دين ثابت يؤدي ابدا وإن خرج الوقت المؤجل لما لقول رسول الله دين الله احق ان يقضي البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 فنقول هذا الدليل مبني على مقدمتين إحداهما إن الصلاة والصيام دين ثابت في ذمة من تركهما عمدا والمقدمة الثانية أن هذا الدين قابل للأداء فيجب أداؤه فأما المقدمة الأولى فلا نزاع فيها ولانعلم أن أحدا من اهل العلم قال بسقوطها من ذمته بالتأخير ولعلكم توهمتم علينا أنا نقلو بذلك وأخذتم في الشناعة علينا وفي التشغيب ونحن لم نقل ذلك ولا أحد من أهل الإسلام وأما المقدمة الثانية ففيها وقع النزاع وأنتم لم تقيموا عليها دليلا فادعاؤكم لها هو دعوى محل النزاع بعينه جعلتموه مقدمة من مقدمات الدليل وأثبتم الحكم بنفسه فمنازعوكم يقولون لم يبق للمكلف طريق إلى استدراك هذا الفائت وإن الله تعالى لا يقبل أداء هذا الحق إلافي وقته وعلى صفته التي شرعه عليها وقد أقاموا على ذلك من الأدلة ما قد سمعتم فما الدليل على أن هذا الحق قابل للأداء في غير وقته المحدود له شرعا وأنه يكون عبادة بعد خروج وقته وأما قوله اقضوا الله فالله أحق بالقضاء البخاري رقم

وقوله دين الله أحق أن يقضى البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 فهذا إنما قاله في حق المعذور لا المفرط ونحن نقول في مثل هذا الدين يقبل القضاء وأيضا فهذا إنما قاله رسول الله في النذر المطلق الذي ليس له وقت محدود الطرفين ففي الصحيحين من حديث ابن عباس ان امرأة قالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك البخاري رقم 1953 مسلم رقم 1148 وفي رواية أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن نجاها الله أن تصوم شهرا فأنجاها الله سبحانه وتعالى فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها إلى رسول الله فذكرت ذلك فقال صومي عنها رواه أهل السنن أ و داود رقم 3308 النسائي رقم 3816 وكذلك جاء منه الأمر بقضاء هذا الدين في الحج الذي لا يفوت وقته إلا بنفاد العمر ففي المسند 4 / 5 والسنن النسائي رقم 3635 من حديث عبدالله بن الزبير قال جاء رجل من خثعم إلى رسول الله فقال إن ابي أدركه الإسلام وهو شيخ لا يستطيع ركوب رحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه قال أنت اكبر ولده قال نعم قال أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان ذلك يجزيء عنه قال نعم قال فحج عنه وعن ابن عباس ان امرأة من جهينة جاءت إلى النبي فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته اقضوا الله فالله أحق

بالوفاء متفق على صحته البخاري رقم 6699 وراجع مسلم رقم 1334 و 1335 وعن ابن عباس أيضا قال أتى النبي رجل فقال إن أبي مات وعليه حجة الإسلام افأحج عنه قال أرأيت لو ان اباك ترك دينا عليه فقضيته أكان يجزيء عنه قال نعم قال فحج عن ابيك رواه الدار قطني 2 / 260 ونحن نقول في مثل هذا الدين القابل للأداء دين الله أحق أن يقضى فالقضاء المذكور في هذه الأحاديث ليس بقضاء عبادة مؤقتة محدودة الطرفين وقد جاهر بمعصيته الله سبحانه وتعالى بتفويتها بطرا وعدوانا فهذا الدين مستحقه لا يعتد به ولا يقبله إلا على صفته التي شرعه عليها ولهذا لو قضاه على غير تلك الصفة لم تنفعه

فصل في الفرق بالقياس بين النائم والناسي وبين المتعمد

قولكم وإذا كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها اولى فجوابه من وجوه أحدها المعارضة بما هو اصح منه او مثله وهو ان يقال لا يلزم من صحة القضاء بعد الوقت من المعذور المطيع لله ورسوله الذي لم يكن منه تفريط في فعل ما أمر به وقبوله منه صحته وقبوله منه متعد لحدود الله

مضيع لأمره تارك لحقه عمدا وعدوانا فقياس هذا على هذا في صحه العبادة وقبولها منه وبراء الذمة بها من افسد القياس الوجه الثاني إن المعذور بنوم أو نسيان لم يصل الصلاة في غير وقتها بل في نفس وقتها الذي وقته الله له فإن الوقت في حق هذا حين يستيقظ ويذكر كما قال من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها رواه البيهقي السنن 2 / 219 والدارقطني 1 / 423 وقد تقدم فالوقت وقتان وقت اختيار ووقت عذر فوقت المعذور بنوم او سهو هو وقت ذكره واستيقاظه فهذا لم يصل الصلاة إلا في وقتها فكيف يقاس عليه من صلاها في غير وقتها عمدا وعدوانا الثالث إن الشريعة قد فرقت في مواردها ومصادرها بين العامد والناسي ويبن المعذور وغيره وهما مما لا خفاء به فإلحاق أحد النوعين بالآخر غير جائز الرابع إنا لم نسقطها عن العامد المفرط ونأمر بها المعذور حتى يكون ما ذكرتم حجة علينا بل ألزمانا بها المفرط المتعدي على وجه لا سبيل له إلى استدراكها تغليظا عليه وجوزنا قضاءها للمعذور غير المفرط وأما استدلالكم بقول من ادرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد ادرك العصر البخاري رقم 579 مسلم رقم 608 فما أصحه من حديث وما أراه على مقتضى قولكم فإنكم تقولون هو مدرك العصر ولو لم يدرك من وقتها شيئا البتة بمعنى إنه مدرك لفعلها صحيحة منه مبرئة لذمته فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه لم يتعلق من مبرئة لذمته فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه لم يتعلق إدراكها بركعة ومعلوم أن النبي لم يرد أن من ادرك ركعة من العصر صحت صلاته بلا إثم بل هو آثم بتعمد ذلك اتفاقا فإنه امر أن يوقع

جميعها في وقتها فعلم أن هذا الإدراك لا يرفع الإثم بل هو مدرك آثم فلو كانت تصح بعد الغروب لم يكن فرق بين ان يدرك ركعة من الوقت أولا يدرك شيئا منه شيئا فإن قلتم إذا أخرها إلى بعد الغروب كان أعظم اثرا قيل لكم النبي لم يفرق بينإدراك الركعة وعدمها في كثرة الإثم وخفته وإنما فرق بينهما في الإدراك وعدمه ولا ريب أن المفوت لمجموعها في وقت أعظم من المفوت لأكثرها والمفوت لأكثرها فيه اعظم من المفوت لركعة منها فنحن نسألكم ونقول ما هذا الإدراك الحاصل بركعة أهذا إدراك يرفع الإثم فهذا لا يقوله4 أحد أو إدراك يقتضي الصحة فلا فرق فيه بين ان يفوتها بالكلية أو يفوتها إلا ركعة منها

فصل في عدم صحة الاحتجاج بتأخير النبي للصلاة يوم الخندق

وأما احتجاجكم بتأخير النبي لها يوم الخندق من غير نوم ولا نسيان ثم قضاها فيقال يالله العجب لو اتينا نحن بمثل هذا لقامت قيامتكم واقمتم قيامتنا بالتشنيع علينا فكيف تحتجون على تفويت صاحبه عاص لله آثم متعد لحدود مستوجب لعقابه بتفويت صدر من اطوع الخلق لله وارضاهم له واتبعهم لأمره وهو مطيع لله في ذلك التأخير متبع مرضاته فيه وذلك التأخير منه صلوات الله وسلام عليه إما ان يكون نسيانا منه او يكون أخرها عمدا وعلى التقديرين فلا حجة لكم فيه

بوجه فإنه إن كان نسيانا فنحن وسائر الأمة نقول بموجبه وأن الناسي يصليها متى ذكرها وإن كان عامدا فهو تأخير لها من وقت إلى وقت أذن فيه كتأخير المسافر والمعذور الظهر إلى وقت العصر والمغرب إلى وقت العشاء وقد اختلف الناس فيمن أدركته الصلاة وهو مشغول بقتال العدو على ثلاثة اقوال أحدها أنه يصلي حال القتال على حسب حاله ولا يؤخر الصلاة قالوا والتأخير يوم الخندق منسوخ وهذا هو مذهب الإمام الشافعي والإمام مالك والإمام أحمد في المشهور عنه من مذهبه الثاني أنها تؤخر كما أخر النبي يوم الخندق وهذا مذهب ابي حنيفة والأولون يجيبون على هذا بأنه كان قبل أن تشرع صلاة الخوف فلما شرعت صلاة الخوف لم يؤخرها بعد ذلك في غزاة واحدة والحنيفة تجيب عن ذلك بأن صلاة الخوف إنما شرعت على تلك الوجوه ما لم يلتحم القتال فإنهم يمكنهم أن يصلوا صلاة الخوف كما امر الله سبحانه بأن يقوموا صفين صفا يصلون وصفا يحرسون وأما حال الالتحام فلا يمكن ذلك فالتأخير وقع حال الاشتغال بالقتال وصلاة الخوف شرعت حال المواجهة قبل الاشتغال بالقتال وهذا له موضع وهذا في القول كما ترى وقالت طائفة ثالثة يخير بين تقديمها والصلاة على حسب حاله وبين تأخيرها حتى يتمكن من فعلها وهذا مذهب جماعة من الشاميين وهو إحدى الروايتين عن الامام أحمد لأن الصحابة فعلوا هذا وهذا في قصة بني قريظة كما سنذكرها بعد هذا إن شاء الله تعالى

وعلى الأقوال الثلاثة فلا حجة للعاصي المفرط المعتدي الذي قد باء بعقوبة الله وإثم التفويت في ذلك بوجه من الوجوه وبالله التوفيق

فصل في الكلام على صلاة العصر في بني قريظة

وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بتأخير الصحابة العصر إلى بعد غروب الشمس عمدا حين قال النبي لا يصلين احد العصر إلا في بني قريظة البخاري رقم 946 مسلم رقم 1770 فأدركت طائفة الصلاة في الطريق فقالوا لم يرد منا تأخيرها فصلوها في الطريق وابت طائفة اخرى ان تصليها إلا في بني قريظة فصلوها بعد العشاء فما عنف رسول الله واحدة من الطائفتين فإن الذين اخروها كانوا مطيعين لرسول الله معتقدين وجوب ذلك التأخير وأن وقتها الذي امروا به حيث ادركهم في بني قريظة فكيف يقاس العاصي المتعدي لحدود الله على المطيع له الممتثل لامره فهذا من ابطل قياس في العالم وافسده وبالله التوفيق وقد فضلت طائفة من العلماء الذين أخروها إلى بني قريظة على الذين صلوها في الطريق قالوا لأنهم امتثلوا أمر رسول الله على الحقيقة والآخرون تأولوا فصلوها في الطريق

فصل في الفرق بين التأخير في الصلوات القابلة للجمع وغيرها

وأما استدراكم بأمر النبي أن تصلي نافلة مع الامراء الذين كانوا يضيعون الصلاة عن وقتها ويصلونها في غير الوقت فلا حجة فيه لأنهم لم يكونوا يؤخرون صلاة النهار إلى الليل ولا صلاة الليل إلى النهار بل كانوا يؤخرون صلاة الظهر إلى وقت العصر وربما كانوا يؤخرون العصر إلى وقت الأصفرار ونحن نقول إنه متى أخر إحدى صلاتي الجمع إلى وقت الأخرى صلاها في وقت الثانية وإن كان غير معذور وكذلك إذا أخر العصر إلى الاصفرار بل إلى ان يبقى منها قدر ركعة فإنه يصليها بالنص وقد جمع النبي بالمدينة من غير خوف ولامطر أراد أن لا يحرج أمته مسلم رقم 705 الموطأ 1 / 144 فهذا التأخير لا يمنع صحة الصلاة وأما قولكم قد اجاز رسول الله صلاة من اخر الظهر إلى وقت العصر مع تفريطه في خروج وقت الظهر فجوابه إن الوقت مشترك بين الصلاتين في الجملة وقد جمع رسول الله بالمدينة من غير خوف ولا مرض وهذا لا ينازع فيه ولكن هل أجاز رسول الله صلاة الصبح في وقت الضحى من غير نوم لا نسيان وأما قولكم وقد روي من حديث أبي قتادة أن رسول الله قال فيمن نام عن صلاة الصبح وإذا كان الغد فليصلها لميقاتها مسلم رقم

إن هذا أوضح في اداء المفرط للصلاة عند الذكر وبعد الذكر وهو حديث صحيح الإسناد فيا لله العجب أين في هذا الحديث ما يدل بوجه من وجوه الدلالة نصها أو ظاهرها أو إيمائها على ان العاصي المتعدي لحدود الله بتفويت الصلاة عن وقتها تصح منه بعد الوقت وتبرأ ذمته منها وهو اهل ان تقبل منه وكأنكم فهمتم من قوله فإذا كان الغد فليصلها لميقاتها امره بتأخيرها إلى الغد وهذا باطل قطعا لم يرده رسول الله والحديث صريح في إبطاله فإنه امره ان يصليها إذا استيقظ او ذكرها ثم روي في تمام الحديث هذه الزيادة وهي قوله فإذا كان من الغد فليصلها لميقاتها وقد اختلف الناس في صحة هذه الزيادة ومعناها فقال بعض الحفاظ هذه الزيادة وهم من عبدالله بن رباح الذي روى الحديث عن ابي قتادة او من احد الرواة وقد روي عن البخاري أنه قال لا يتابع في قوله فليصل إذا ذكرها لوقتها من الغد وقد روى الإمام أحمد في مسنده 4 / 441 عن عمران بن حصين قال سرت مع رسول الله فلما كان من آخر الليل عرسنا فلم نستيقظ حتى الحقتنا الشمس فجعل الرجل يقوم دهشا إلى طهوره فأمرهم النبي أن يسكنوا ثم ارتحل فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ ثم أمر بلالا فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم اقام فصلينا فقالوا يا رسول الله ألا نعيدها في وقتها من الغد قال اينهاكم ربكم تبارك وتعالى عن الربا ويقبله منكم قال الحافظ ابو عبدالله محمد بن عبدالواحد المقدسي وفي هذا دليل على ما قال البخاري لأن عمران بن الحصين كان حاضرا ولم يذكر ما قال عبدالله بن رباح عن أبي قتادة راجع المغني 2 / 348

وعندي أنه لا تعارض بين الحديثين ولم يأمر رسول الله بإعادتها من الغد وإنما الذي أمر به فعل الثانية في وقتها وأن الوقت لم يسقط بالنوم والنسيان بل عاد إلى ما كان عليه والله اعلم قوله وقد روى عبد الرحمن بن علقمة الثقفي قال قدم وفد ثقيف على رسول الله فجعلوا يسألونه فلم يصل يومئذ الظهر إلا مع العصر إلى آخره وقد تقدم جواب هذا وأمثاله مرارا وأن هذا التأخير كان طاعة لله تعالى وقربه وغايته أنه جمع بين الصلاتين لشغل مهم من امور المسلمين فكيف يصح إلحاق تأخير المتعدي لحدود الله به ولقد ضعفت مسألة تنصر بمثل هذا قوله وليس ترك الصلاة حتى يخرج وقتها عمدا مذكورا عند الجمهور في الكبائر فيقال يا لله العجب وهل تقبل هذا المسألة نزاعا وهل ذلك إلا من أعظم الكبائر وقد جعل رسول الله تفويت صلاة العصر محبطا للعمل فأي كبيرة تقوى على إحباط العمل سوى تفويت الصلاة وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر ولم يخالفه صحابي واحد في ذلك بل الآثار الثابتة الصحابة كلها توافق ذلك هذا والجامع بين الصلاتين قد صلاهما في وقت إحداهما للعذر فماذا نقول فيمن صلى الصبح في وقت الضحى عمدا وعدوانا والعصر نصف الليل من غير عذر

وقد صرح الصديق أن الله لا يقبل هذه الصلاة ولم يخالف الصديق صحابي واحد وقد توعد الله سبحانه بالويل والغي لمن سها عن صلاته واضاعها وقد قال الصحابة وهم اعلم الامة بتفسير الآية إن ذلك تأخيرها عن وقتها كما تقدم حكايته ويا لله العجب اي كبيرة اكبر من كبيرة تحبط العمل وتجعل الرجل بمنزلة من قد وتر اهله وماله وإذا لم يكن تأخير صلاة النهار إلى الليل وتأخير صلاة الليل إلى النهار من غير عذر من الكبائر لم يكن فطر شهر رمضان من غير عذر وصوم شوال بدله من الكبائر ونحن نقول بل ذلك أكبر من كل كبيرة بعد الشرك بالله ولأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك به خير له من ان يؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار عدوانا عمدا بلاعذر وقد روى هشام بن عروة عن ابيه عن سليمان بن يسار عن المسور بن مخرمة أنه دخل مع ابن عباس على عمر حين طعن فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين الصلاة فقال أجل أصلي إنه لا حظ في الإسلام لمن اضاع الصلاة سنن الدار قطني 2 / 52 وتعظيم قدر الصلاة رقم 925 وقال اسماعيل بن علية عن ايوب عن محمد بن سيرين قال نبئت أن ابا بكر وعمر كانا يعلمان الناس الإسلام تعبد الله ولاتشرك به شيئا وتقيم الصلاة التي افترض الله بمواقيتها فإن في تفريطها الهلكة تعظيم قدر الصلاة رقم 932 وقال محمد بن نصر المروزي وسمعت إسحاق يقول صح عن

رسول الله ان تارك الصلاة كافر وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر وذهاب الوقت ان يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر وإنما جعل آخر أوقات الصلاة بما ذكرنا لأن النبي جمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وفي السفر فصلى إحداهما في وقت الأخرى فلما جعل النبي الأولى منهما وقتا للأخرى في حال والأخرى وقتا للأولى في حال صار وقتاهما وقتا واحدا في حال العذر كما امرت الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس أن تصلي الظهر والعصر وإذا طهرت آخر الليل أن تصلي المغرب والعشاء تعظيم قدر الصلاة رقم 990 وإذا كان صلاة الذي يؤخر العصر حتى تصير الشمس بين قرني الشيطان صلاة المنافق بنص رسول الله مسلم رقم 622 فما يقول بأبي هو وأمي صلوات الله عليه وسلامه لمن يصليها بعد العشاء وقد قال تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم سورة النساء / الآية 31 فإذا اجتنب الرجل كبائر المنهيات واستمر على صلاة الصبح في وقت الضحى والعصر بعد العشاء كان على قولكم مغفورا له غير آثم البتة وهذا لا يقول أحد قوله والعجب من هذا الظاهري كيف نقض أصله فإنه يقول ما وجب بإجماع فإنه لا يسقط إلا بالإجماع

فيقال غاية هذا أن منازعكم تناقض فلا يكون تناقضه مصححا لقولكم وإن اردتم بذلك الاستدلال بالاستصحاب وأن الصلاة كانت في ذمته بإجماع فلا تسقط إلا بإجماع وهو مفقود قيل لكم ومن ذا الذي قال بسقوطها من ذمته بالتأخير وأن ذمته قد برئت منها فمن قال بهذا فقوله أظهر بطلانا من ان نحتاج إلى دليل عليه والذي يقول منازعوكم إنها قد استقرت في ذمته على وجه لا سبيل له إلى ادائها واستدراكها إلا بعود ذلك الوقت بعينة وهذا محال ثم نعارض هذا الإجماع بإجماع مثله أو اقوى منه فنقول أجمع المسلمون على انه عاص متعد مفرط بإضاعة الوقت فلا يرتفع هذا الاجماع إلا بإجماع مثله ولم يجمعوا أنه يرتفع عنه الإثم والعدوان بالفعل بعد الوقت بل لعل هذا لم يقله أحد فهذا ما يتعلق بالحجاج من الجانبين وليس لنا غرض فيما وراء ذلك وقد بان من هو أسعد بالكتاب والسنة واقوال السلف في هذه المسالة والله المستعان

فصل في الشبه بين قضاء الصلاة وقضاء الصيام

فإن قيل فقد أمر النبي المفطر متعمدا في نهار رمضان بالقضاء في موضعين أحدهما المجامع والثاني المستقيء ففي السنن أبو داود رقم 2393 من حديث أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي قد جامع أهله في رمضان فذكر الحديث وقال فيه

فأتى فأتى بعذق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا وفيه قال كله انت واهل بيتك وصم يوما واستغفر الله تعالى وعند ابن ماجة رقم 1671 وصم يوما مكانه وفي السنن أبو داود رقم 2380 الترمذي رقم 720 ابن ماجة رقم 1676 والمسند 2 / 498 من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض قيل الحديثان معلولان لا يثبتان أما قصة المجامع في رمضان فقد رواها أصحاب الحديث ولم يذكر أحد منهم هذه الزيادة والذي ذكرها لا تقوم به الحجة فإنها من رواية عبدالجبار بن عمر الإيلي وقد ضعفه الأئمة قال يحيى بن معين ليس بشيء ولا يكتب حديثه وقال مرة ضعيف وكذلك قال ابو زرعة والسعدي اي ابن سعد والنسائي وقال البخاري ليس بالقوي عنده مناكير وقال ابن عدي عامة ما يرويه يخالف فيه والضعف بين على رواياته ورواه ائمة اصحاب ابن شهاب عنه كمالك وغيره فلم يذكروا قوله صم يوما مكانه ورواه أبو مروان العثماني عن إبراهيم بن سعد عن الليث عن ابن شهاب عن حميد عن ابي هريرة أن النبي قال له في هذه القصة اقض يوما مكانه

وكذا روي عن الدراوردي عن إبراهيم بن سعد عن الليث قال البيهقي وإبراهيم عنده الحديث عن الزهري بلا هذه الكلمة وقد رواه حجاج بن أرطاة عن إبراهيم بن علي كذا مر عن ابن المسيب وعن الزهري عن حميد عن ابي هريرة ورواه حجاج عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده وقال فيه عمرو وأمره أن يقضي يوما مكانه وقد رواه هشام بن سعد عن الزهري عن ابي سلمة عن ابي هريرة وقال فيه وصم يوما مكانه واستغفر الله فخالف هشام الناس في روايته عن ابي سلمة والحديث لحميد عن ابي هريرة ورواه ابن أبي اويس قال حدثني أبي ان ابن شهاب اخبره عن حميد ان أبا هريرة حدثه أن رسول الله أمر الذي يفطر في رمضان أن يصوم يوما مكانه ولكن هذا يخالف رواية أصحاب ابن شهاب فإنهم لم يذكروا هذه الزيادة وقال الشافعي أخبرنا مالك عن عطاء الخراساني عن ابن المسيب قال اتى اعرابي إلى رسول الله فذكر الحديث وقال في أخره فصم يوما مكان ما أصبت وهذا مرسل ولكنه من مراسيل بن المسيب ورواه داود ابن أبي هند عن عطاء فلم يذكر قوله وصم يوما مكانه وعطاء كذبه ابن المسيب وقال ابن حبان كان رديء الحفظ يخطيء ولا يعلم فبطل الاحتجاج به

وأما حديث المستقيء عمدا فهو حديث أبي هريرة عن النبي قال من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء فقال الترمذي رقم 720 هذا حديث حسن غريب وقال قال محمد يعني البخاري لا اراه محفوظا وقال أبو داود رقم 2380 سمعت أحمد ابن حنبل يقول ليس من ذا شيء وقال الترمذي في كتاب العلل حدثنا علي بن حجر حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن ابي هريرة أن النبي قال من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض قال الترمذي سألت أبا عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن ابي هريرة قال ما أراه محفوظا قال وقد روى يحيى ابن أبي كثير عن عمر بن الحكم أن ابا هريرة كان لا يرى القيء يفطر الصائم وبتقدير صحة الحديث فلا حجة فيه إذ المراد به المعذور الذي اعتقد أنه يجوز له الاستقياء او المريض الذي احتاج أن يستقيء فاستقاء فإن الاستقياء في العادة لا يكون وإلا فلا يقصد العاقل أن يستقيء من غير حاجة فيكون المستقيء متداويا بالاستقياء كما لو تداوى بشرب دواء وهذا يقبل منه القضاء او يؤمر به اتفاقا وقد اختلف الفقهاء في المجامع في نهار رمضان إذا كفر هل يجب

أن يقضي يوما مكان الذي أفطره على ثلاثة اقوال وهي الشافعي أحدها يجب والثاني لا يجب والثالث إن كفر بالعتق أو الإطعام وجب عليه الصيام وإن كفر بالصوم لم يجب عليه قضاء ذلك اليوم