عيون الأنباء في طبقات الأطباء/الباب الرابع/فيثاغورس
ويقال فوثاغوراس وفوثاغوريا، وقال القاضي صاعد في كتاب طبقات الأمم أن فيثاغورس كان بعد بندقليس بزمان، وأخذ الحكمة عن أصحاب سليمان بن داود عليهما السلام بمصر حين دخلوا إليها من بلاد الشام، وكان قد أخذ الهندسة قبلهم عن المصريين، ثم رجع إلى بلاد اليونان وأدخل عندهم علم الهندسة وعلم الطبيعة وعلم الدين، واستخرج بذكائه علم الألحان وتأليف النغم وأوقعها تحت النسب العددية، وادعى أنه استفاد ذلك؛ من مشكاة النبوة، وله في نضد العالم وترتيبه على خواص العددومراتبه، رموز عجيبة، واغراض بعيدة، وله في شأن المعاد مذاهب قارب فيها بندقليس من أن فوق عالم الطبيعة عالما روحانيًّا نورانيًّا لا يدرك العقل حسنه وبهاءه، وإن الأنفس الزكية تشتاق إليه؛ وإن كل إنسان أحسن تقويم نفسه بالتبري من العجب والتجبر والرياء والحس وغيرها من الشهوات الجسدية، فقد صار أهلًا أن يلحق بالعالم الروحاني، ويطلع على ما يشاء من جواهره من الحكمة الإلهية، وإن الأشياء الملذذة للنفس تأتيه حينئذ أرسالًا كالألحان الموسيقية الآتية إلى حاسة السمع، فلا يحتاج أن يتكلف لها طلباً، ولفيثاغورس تآليف شريعة الارتماطيقي والموسيقي وغير ذلك هذا آخر قوله، وذكر غيره عن الحكيم فيثاغورس أنه كان يرى السياحة، واجتناب مماسة القاتل والمقتول، وأنه أمر بتقديس الحواس، وتعلُّم العمل بالعدل وجميع الفضائل، والكف عن الخطايا، والبحث عن العطية الأنسية ليعرف طبيعة كل شيء وأمر بالتحابب والتأدب بشرح العلوم العلوية، ومجاهدة المعاصي وعصمة النفوس، وتعلم الجهاد، وإكثار الصيام، والقعود على الكراسي، والمواظبة على قراءة الكتب، وأن يعلم الرجال الرجال وتعلم النساء والنساء، وأمر بجودة النطق ومواعظ الملوك، وكان يقول ببقاء النفس وكونها فيما بعد في ثواب أو عقابِ على رأي الحكماء الإلهيين، ولما رأس الحكيم فيثاغورس على الهياكل وصار رئيس الكهنة، جعل يغتذي بالأغذية غير المجوعة وغير المعطشة، أما الغذاء غير المجوع فكان يهيئه من بزر ميقونيون وسمسم، وقشر أسقال مغسول غسلًا مستقصى حتى ينبأ قلبه، وانتاريقون، واسفودالن، والفيطون، وحمص، وشعير، من كل واحد جزء بالتحرير كان يسحقها ويعجنها بجنس من العسل يسمى أميطيو، وأما غير المعطش فكان يهيئه من بزر القثاء، وزبيب سمين منزوع العجم، وزهر قوريون، وبزر ملوخيا وبزر أسوفا، وأندراخين، ونوع من الخبز يدعى فيلطاموس، ودقيق أواليس، وكان يعجنها بعسل حابوق، وذكر الحكيم أن هرقلس تعلم هاتين الصفتين من ديميطر، وكان فيثاغورس قد ألزم نفسه عادة موزونة فلم يكن مرة صحيحًا ومرة سقيماً، ولا كان مرة يسمن ومرة يهزل، وكانت نفسه لطيفة جدًّا، ولم يكن يفرح بإفراط ولا يحزن بإفراط ولا رآه أحد قط ضاحكًا ولا باكياً، وكان يقدم أخوانه على نفسه، ويحكى أنه أول من قال أن أموال الأخلاء مشاعة غير مقسومة وكان يحافظ على صحة الأصحاء ويبرئ المسقومي الأبدان، وكان يبرئ النفوس الآلمة، منها بالتكهن، ومنها بالألحان الآلهية التي كان يحيي بها آلام البدن، وكان يأمر بأداء الأمانة في الوديعة لا المال فقط، والكلمة المستودعة المحقة وصدق الوعد، وذكر فرفوريوس في المقالة الأولى من كتابه في أخبار الفلاسفة وقصصهم وآرائهم حكايات عجيبة، ظهرت عن فيثاغورس مما تكهن به ومن أخباره بمغيبات سمعت منه وشوهدت، كما قاله، كلمات حكمية وكان يرمز حكمته ويسترها، فمن الغازه أنه كان يقول لا تعتد في الميزان، أي اجتنب الإفراط، ولا تحرك النار بالسكين لأنها قد حميت فيها مرة، أي اجتنب الكلام المحرض عند الغضوب المغتاظ، ولا تجلس على قفيز، أي لا تعش في البطالة، ولا تمر بغياض الليوث، أي لا تقتد برأي المردة، ولا تعمر الخطاطيف البيوت، أي لا تقتد بأصحاب الطرمذه والبقبقة من الناس غير المالكين لألسنتهم، وإن لا يلقى الحمل عن حامله لكن يعان على حمله، أي لا يغفل أحد أعمال نفسه في الفضائل في الطاعات، وأن لا تلبس تماثيل الملائكة على فصوص الخواتيم، أي لا تجهر بديانتك وتدع أسرار العلوم الإلهية عند الجهال، قال الأمير المبشر بن فاتك كان لفيثاغورس أب اسمه منيسارخوس من أهل صور، وكان له أخوان اسم الأكبر منهما أونوسطوس، والآخر طورينوس، وكان اسم أمه بوثايس بنت رجل اسمه اجقايوس من سكان ساموس ولما غلب على صور ثلاث قبائل ليمنون ويمقرون وسقرون، واستوطنوها وجلا أهلها منها، جلا والد فيثاغورس فيمن جلا وسكن البحيرة، وسافر منها إلى ساموس ملتمسًا كسباً، وأقام بها وصار فيها مكرمًا ولما سافر منها إلى أنطاكيا أخذ فيثاغورس معه ليتفرج عليها لأنها كانت نزهة جدًا كثيرة الخصب، وذكروا أن فيثاغورس أنما عاد إليها فسكنها، لما رأى من طيبها أول مرة، ولما جلا منيسارخوس عن صور سكن ساموس ومعه أولاده أونوسطوس وطورينوس وفيثاغورس، فتبنى أندروقلوس رئيس ساموس فيثاغورس وكفله، لأنه كان أحدث الأخوة وأسلمه من صغره في تعليم الآداب واللغة والموسيقى، فلما التحى وجه به إلى مدينة ميليطون وأسلمه إلى أناكسيماندوس الحكيم ليعلمه الهندسة والمساحة والنجوم، فلما أحكم فيثاغورس هاتين الصناعتين أشتد حبه للعلوم والحكمة فسافر إلى بلدان شتى طالبًا لذلك، فورد على الكلدانيين والمصريين وغيرهم، ورابط الكهنة وتعلم منهم الحكمة وحذق لغة المصريين بثلاثة أصناف من الخط خط العامة، وخط الخاصة وهو خط الكهنة المختصر، وخط الملوك، وعندما كان في أراقليا كان مرابطًا لملكها، ولما صار إلى بابل رابط رؤساء خلذايون ودرس على زارباطا فبصره بما يجب على الصديقين، واسمعه سماع الكيان وعلمه أوائل الكلّ إيما هي، فمن ذلك فضلت حكمة فيثاغورس وبه وُجد السبيل إلى هداية الأمم وردهم عن الخطايا، لكثرة ما اقتنى من العلوم من كل أمة ومكان، وورد على قاراقوديس الحكيم السرياني في بداية أمره في مدينة اسمها ديلون من سورية، وخرج عنها قاراقوديس فسكن ساموس، وكان قد عرض له مرض شديد حتى أن القمل كان ينتعش في جسمه، فلما عظم به وساء مثواه حمله تلاميذه إلى أفسس، ليمنون ويمقرون وسقرون، واستوطنوها وجلا أهلها منها، جلا والد فيثاغورس فيمن جلا وسكن البحيرة، وسافر منها إلى ساموس ملتمسًا كسباً، وأقام بها وصار فيها مكرمًا ولما سافر منها إلى أنطاكيا أخذ فيثاغورس معه ليتفرج عليها لأنها كانت نزهة جدًا كثيرة الخصب، وذكروا أن فيثاغورس أنما عاد إليها فسكنها، لما رأى من طيبها أول مرة، ولما جلا منيسارخوس عن صور سكن ساموس ومعه أولاده أونوسطوس وطورينوس وفيثاغورس، فتبنى أندروقلوس رئيس ساموس فيثاغورس وكفله، لأنه كان أحدث الأخوة وأسلمه من صغره في تعليم الآداب واللغة والموسيقى، فلما التحى وجه به إلى مدينة ميليطون وأسلمه إلى أناكسيماندوس الحكيم ليعلمه الهندسة والمساحة والنجوم، فلما أحكم فيثاغورس هاتين الصناعتين أشتد حبه للعلوم والحكمة فسافر إلى بلدان شتى طالبًا لذلك، فورد على الكلدانيين والمصريين وغيرهم، ورابط الكهنة وتعلم منهم الحكمة وحذق لغة المصريين بثلاثة أصناف من الخط خط العامة، وخط الخاصة وهو خط الكهنة المختصر، وخط الملوك، وعندما كان في أراقليا كان مرابطًا لملكها، ولما صار إلى بابل رابط رؤساء خلذايون ودرس على زارباطا فبصره بما يجب على الصديقين، واسمعه سماع الكيان وعلمه أوائل الكلّ إيما هي، فمن ذلك فضلت حكمة فيثاغورس وبه وُجد السبيل إلى هداية الأمم وردهم عن الخطايا، لكثرة ما اقتنى من العلوم من كل أمة ومكان، وورد على قاراقوديس الحكيم السرياني في بداية أمره في مدينة اسمها ديلون من سورية، وخرج عنها قاراقوديس فسكن ساموس، وكان قد عرض له مرض شديد حتى أن القمل كان ينتعش في جسمه، فلما عظم به وساء مثواه حمله تلاميذه إلى أفسس. ولما تزايد ذلك عليه رغب إلى أهل أفسس وأقسم عليهم أن يحولوه عن مدينتهم، فأخرجوه إلى ماغانسيا، وعنى تلاميذه بخدمته حتى مات، فدفنوه وكتبوا قصته على قبره، ورجع فيثاغورس إلى مدينة ساموس ودرس بعده على أرمودامانيطس الحكيم البهي المتأله المكنى بقراوفوليو بمدينة ساموس، ولقي أيضًا بها أرمودامانيس الحكيم المكنى أفروقوليم فرابطه زمانًا وكانت طرانة ساموس قد صارت لفولوقراطيس الأطرون، واشتاق فيثاغورس إلى الاجتماع بالكهنة الذين بمصر، فابتهل إلى فولوقراطيس أن يكون له على ذلك معيناً، فكتب له إلى أماسيس ملك مصر كتابًا يخبره بما تاق إليه فيثاغورس ويعلمه أنه صديق لأصدقائه، ويسأله أن يجود عليه بالذي طلب وأن يتحنن عليه، فأحسن أماسيس قبوله، وكتب له إلى رؤساء الكهنة بما أراد، فورد على أهل مدينة الشمس وهي المعروفة بزماننا بعين شمس بكتب ملكهم، فقبلوه قبولًا كريهًا وأخذوا في امتحانه زمانًا فلم يجدوا عليه نقصًا ولا تقصيراً، فوجهوا به إلى كهنة منف كي يبالغوا في امتحانه فقبلوه قبولًا على كراهية واستقصوا امتحانه فلم يجدوا عليه معيبًا ولا أصابوا له عثرة، فبعثوا به إلى أهل دبوسبولس ليمتحنوه فلم يجدوا عليه طريقًا ولا إلى أدحاضه سبيلًا لعناية ملكهم به، فعرضوا عليه فرائض صعبة مخالفة لفرائض اليونانيين كيما يمتنع من قبولَها فيدحضوه ويحرموه طلبه، فقبل ذلك وقام به، فاشتد أعجابهم منه، وفشا بمصر ورعه حتى بلغ ذكره إلى أماسيس، فأعطاه سلطانًا على الضحايا للرب تعالى وعلى سائر قرابينهم، ولم يعط ذلك لغريب قط، ثم مضى فيثاغورس من مصر راجعًا إلى بلده، وبنى له بمدينة أيونية منزلًا للتعليم، فكان أهل ساموس يأتون إليه ويأخذون من حكمته، وأعدّ له خارجًا من تلك المدينة، انطرونًا جعله مجمعًا خاصًا لحكمته، فكان يرابط فيه مع قليل من أصحابه أكثر أوقاته، ولما أتت عليه أربعون سنة وتمادت طرانة فولوقراطيس، وكان قد استخلفه عليهم حينًا طويلًا واستكفاه ففكر ورأى أنه لا يحسن بالمرء الحكيم المكث على لزوم الطرانة والسلطان، فرحل إلى إيطالية وسار منها إلى قروطونيا ودخلها، فرأى أهلها حسن منظره ومنطقه ونبله، وسعة علمه، وصحة سيرته، مع كثرة يساره وتكامله في جميع خصاله، واجتماع الفضائل كلها فيه، فانقاد له أهل قروطونيا انقياد الطاعة العلمية فألزمهم عصمة القدماء، وهدى نفوسهم، ووعظهم بالصالحات، وأمر الأراكنة أن يضعوا للأحداث كتب الآداب الحكمية وتعليمهم أياها، فكان الرجال والنساء يجتمعون إليه ليسمعوا مواعظة وينتفعوا بحكمته، فعظم مجده وكبر شأنه، وصير كثيرًا من أهل تلك المدينة مهرة بالعلوم، وانتشر الخبر حتى أن عامة ملوك البربر وردوا عليه ليسمعوا حكمته ويستوعبوا من علمه، ثم إن فيثاغورس جال في مدن إيطاليا وسيقليا، وكان الجور والتمرد قد غلب عليهم فصاروا سمَّاعيه وصدِّيقيه من أهل طاورومانيون وغير ذلك، فاستأصل الفتنة منهم ومن نسلهم إلى أحقاب كثيرة، وكان منطقه طاردًا لكل منكر، ولما سمع حكمته ومواعظه سماخس اطرون قانطوربيا خرج من ملكه وخلف أمواله بعضها لأخيه وبعضها لأهل مدينته، وذكر أن باندس الذي كان جنسه من فرمس وكان ملك فوثو وكان من ولد فيثاغورس، وكان لفيثاغورس، وهو باقروطونيا، بنت بتول كانت تعلم عذارى المدينة شرائع الدين وفرائضه وسنته من حلاله وحرامه، وكانت أيضًا زوجته تعلم سائر النساء، ولما توفي فيثاغورس عمد ديميطوديوس المؤمن إلى منزل الحكيم فجعله هيكلًا لأهل قروطونيا، وذكروا أن فيثاغورس كان على عهد كورس حدثًا وكان ملكه ثلاثين سنة. وملك بعده ابنه قامبوسيس وفيثاغورس في الحياة، وأن فيثاغورش لبث بساموس ستين سنة ثم سافر إلى إيطاليا، ثم توجه منها إلى ماطايونطيون، فمكث بها خمس سنين وتوفي، وكان غذاؤه عسلًا وسمناً، عشاؤه خبز قاخجرون وبقول نيئة ومطبوخة، ولم يكن يأكل من اللحم إلا ما كان من أضحية كهونته مما كان يقرب للَّه تعالى، فلما أن رأس على الهياكل وصار رئيس الكهنة جعل يغتذي بالأغذية غير المجوعة غير المعطشة، وكان إذا ورد عليه وارد ليسمع كلامه يكلمه على أحد وجهين إما بالاحتجاج والدراس؛ وإما بالموعظة والمشورة، فكان لتعليمه شكل ذو فنين، وحضره سفر إلى بعض الأماكن، فأراد أن يؤنس أصحابه بنفسه قبل فراقهم، فاجتمعوا في بيت رجل يقال له ميلن، فبينما هم في البيت مجتمعون إذ هجم عليهم رجل من أهل قروطونيا اسمه قولون، وكان له شرف وحسب ومال عظيم، وكان يستطيل بذلك على الناس ويتمرد عليهم ويغتر بالجور، وكان قد دخل على فيثاغورس وجعل يمدح نفسه فزجره بين يدي جلسائه، وأشار إليه باكتساب خلاص نفسه، فاشتد غيظ قولون عليه فجمع أخلاءه وقذف فيثاغورس عندهم ونسبه إلى الكفر، ووافقهم على قتله وأصحابه، ولما هجم عليه قتل منهم أربعين إنسانًا وهرب باقيهم، فمنهم من أدرك وقتل، ومنهم من أفلت واختفى، ودامت السعاية بهم والطلب لهم، وخافوا على فيثاغورس القتل، فأفردوا له قومًا منهم واحتالوا له حتى أخرجوه من تلك المدينة بالليل، ووجهوا معه بعضهم حتى أوصلوه إلى قاولونيا، ومن هناك إلى لوقروس، فانتهت الشناعة فيه إلى أهل هذه المدينة، فوجهوا إليه مشايخ منهم فقالوا له أما أنت يا فيثاغورس فحكيم فيما نرى، وأما الشناعة عنك فسمجة جدًّا، لكنا لا نجد في نواميسنا ما يلزمك القتل ونحن متمسكون بشرائعنا، فخذ منا ضيافتك ونفقة لطريقك وارحل عن بلدنا تسلم، فرحل عنها إلى طارنطا، ففاجأه هناك قوم من أهل قروطونيا فكادوا أن يخنقوه وأصحابه، فرحل إلى ميطابونطيون، وتكاثرت الهيوج في البلاد بسببه حتى صار يذكر ذلك أهل تلك البلاد سنينًا كثيرة، ثم انحاز إلى هيكل الأسنان المسمى هيكل الموسن فتحصن فيه وأصحابه، ولبث فيه أربعين يومًا لم يغتذ، فضربوا الهيكل الذي كان فيه بالنار. فلما أحس أصحابه بذلك عمدوا إليه فجعلوا في وسطهم وأحدقوا به ليقوه النار بأجسامهم؛ فعندما امتدت النار في الهيكل واشتد لهبها، غشي على الحكيم من ألم حرارتها ومن الخواء فسقط ميتاً، ثم أن تلك الآفة عمتهم أجمعين فاحترقوا كلهم، وكان ذلك سبب موته، وذكروا أنه صنف مائتين وثمانين كتاباً، وخلف من التلاميذ خلقًا كثيراً، وكان نقش خاتمه شر لا يدوم خير من خير لا يدوم، أي شر ينتظر زواله ألذ من خير ينتظر زواله، وعلى منطقته الصمت سلامة من الندامة، من آداب فيثاغورس ومواعظه، نقلت ذلك من كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم، للأمير محمود الدولة أبي الوفاء المبشر بن فاتك، قال فيثاغورس كما أن بدء وجودنا وخلقنا من اللَّه سبحانه، هكذا ينبغي أن تكون نفوسنا منصرفة إلى اللَّه تعالى وقال الفكرة للَّه خاصة فمحبتها متصلة بمحبة اللَّه تعالى، ومن أحب اللَّه سبحانه عمل بمحابه، ومن عمل بمحابه قرب منه، ومن قرب منه نجا وفاز، وقال ليس الضحايا والقرابين كرامات اللَّه تعالى ذكره، لكن الاعتقاد الذي يليق به هو الذي يكتفي به في تكرمته، وقال الأقوال الكثيرة في اللَه سبحانه علامة تقصير الإنسان عن معرفته، وقال ما أنفع للإنسان أن يتكلم بالأشياء الجليلة النفيسة، فإن لم يمكنه فليسمع قائلها، وقال احذر أن تركب قبيحًا من الأمر لا في خلوة ولا مع غيرك، وليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من كل أحد، وقال ليكن قصدك بالمال في اكتسابه من حلال وانفاقه في مثله، وقال إذا سمعت كذبًا فهون على نفسك الصبر عليه، وقال لا ينبغي لك أن تهمل أمر صحة بدنك لكن ينبغي القصد في الطعام والشراب والنكاح والرياضة، وقال لا تكن متلافًا بمنزلة من لا خبرة له بقدر ما في يده، ولا تكن شحيحًا فتخرج عن الحرية، بل الأفضل في الأمور كلها هو القصد فيها، وقال كن متيقظًا في آرائك أيام حياتك، فإن سبات الرأي مشارك للموت في الجنس، وقال ما لا ينبغي أن تفعله احذر أن تخطره ببالك، وقال لا تدنس لسانك بالقذف، ولا تصغ بأذنيك إلى مثل ذلك، وقال عسر على الإنسان أن يكون حراً، وهو ينصاع للأفعال القبيحة الجارية مجرى العادة، وقال ليس ينبغي للإنسان أن يلتمس القنية العالية، والأبنية المشيدة، لأنها من بعد موته تنتقي على حدود طباعها، ويتصرف غيره فيها، لكن يطلب من القنية ما ينفعه بعد المفارقة والتصرف فيها، وقال الأشكال المزخرفة، والأمور المموهة، في أقصر الزمان تتبهرج، وقال اعتقد أن أس مخافة اللَّه سبحانه الرحمة، وقال متى التمست فعلًا من الأفعال فابدأ إلى ربك بالابتهال في النجح فيه، وقال الإنسان الذي اختبرته بالتجربة فوجدته لا يصلح أن يكون صديقًا وخلاً، احذر من أن تجعله لك عدواً، وقال ما أحسن بالإنسان أن لا يخطئ، وإن أخطأ فما أكثر انتفاعه بأن يكون عالمًا بأنه أخطأ، ويحرص في أن لا يعاود، وقال الأخلق بالإنسان أن يفعل ما ينبغي لا ما يشتهي، وقال ينبغي أن يعرف الوقت الذي يحسن فيه الكلام. والوقت الذي يحسن فيه السكوت، وقال الحر هو الذي لا يضيع حرفًا من حروف النفس لشهوة من شهوات الطبيعة، وقال بقدر ما تطلب تعلم، وبقدر ما تعلم تطلب، وقال ليس من شرائط الحكيم أن لا يضجر، ولكن يضجر بوزن، وقال ليس الحكيم من حمل عليه بقدر ما يطيق فصبر واحتمل، ولكن الحكيم من حمل عليه أكثر مما تحتمل الطبيعة فصبر، وقال الدنيا دول، مرة لك وأخرى عليك، وفإن توليت فأحسن وإن تولوك فَلِن، وكان يقول إن أكثر الآفات إنما تعرض للحيوانات لعدمها الكلام، وتعرض للإنسان من قبل الكلام، وكان يقول من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به المكروه كما ينزل بغيره العجلة واللجاجة والعجب والتواني، فثمرة العجلة الندامة، وثمرة اللجاجة الحيرة، وثمرة العجب البغضاء، وثمرة التواني الذلة، ونظر إلى رجل عليه ثياب فاخرة يتكلم فيلحن في كلامه فقال له إما أن تتكلم بكلام يشبه لباسك أو تلبس لباسًا يشبه كلامك، وقال لتلاميذه لا تطلبوا من الأشياء ما يكون بحسب محبتكم، ولكن أحبوا من الأشياء ما هي محبوبة في أنفسها، وقال اصبر على النوائب أذا أتتك من غير أن تتذمر، بل اطلب مداواتها بقدر ما تطيق، وقال استعملوا الفكر قبل العمل، وقال كثرة العدو تقلل الهدوء، وكان فيثاغورس إذا جلس على كرسيه أوصى بهذه السبع الوصايا قوِّموا موازينكم واعترفوا أوزانها؛ عدلوا الخط تصحبكم السلامة؛ لا تشعلوا النار حيث ترون السكين تقطع؛ عدلوا شهواتكم تديموا الصحة؛ استعملوا العدل تحط بكم المحبة؛ عاملوا الزمان كالولاة الذين يُستعملون عليكم ويُعزلون عنكم؛ لا تترفوا أبدانكم وأنفسكم فتفقدوها في أوقات الشدائد إذ أوردت عليكم، وذُكر المال عنده ومدح فقال وما حاجتي إلى ما يعطيه الحظ، ويحفظه اللؤم، ويهلكه السخاء، وقال وقد نظر إلى شيخ يحب النظر في العلم ويستحي أن يُرى متعلمًا يا هذا أتستحي أن تكون في آخر عمرك أفضل منك في أوله؟ وقال أنكى شيء لعدوك أن لا تريه أنك تتخذه عدواً، وحضر امرأته الوفاة في أرض غربة، فجعل أصحابه يتحزنون على موتها في أرض غربة فقال يا معشر الإخوان ليس بين الموت في الغربة والوطن فرق، وذلك أن الطريق إلى الآخرة واحد من جميع النواحي، وقيل له ما أحلى الأشياء؟ فقال الذي يشتهي الإنسان، وقال الرجل المحبوب عند اللّه تعالى الذي لا يذعن لأفكاره القبيحة، ونقلت من كتاب فرفوريوس في أخبار الفلاسفة وقصصهم وآرائهم قال وأما كتب فيثاغورس الحكيم، التي انفرد بجمعها أرخوطس الفيلسوف الطارنطيني فتكون ثمانين كتاباً، فأما التي اجتهد بكلية جهده في التقاطها وتأليفها وجمعها من جميع الكهول الذين كانوا من جنس فيثاغورث الفيلسوف وحزبه وورثة علومه رجل فرجل. فتكون مئتي كتاب عددًا فمن انفرد بصفوة عقله وعزل منها الكتب الكذيبة المقولة على لسان الحكيم واسمه التي اختلقها أناس فجرة، وهي كتاب المناجاة، وكتاب وصف المهن السيئة، وكتاب علم المخاريق وكتاب أحكام تصوير مجالس الخمور، وكتاب تهيئة الطبول والصنوج والمعازف، وكتاب الميامر الكهنوتية، وكتاب بذر الزروع، وكتاب الآلات، وكتاب القصائد؛ وكتاب تكوين العالم، وكتاب الأيادي، وكتاب المروءة، وكتب أخرى كثيرة تشاكل هذه الكتب مما اختلق حديثاً؛ فيسعد سعادة الأبد، وقال وأما الرجال الأئمة الذين اختلقوا هذه الكتب الكاذبة التي ذكرناها فإنهم على ما أدت إلينا الروايات أرسطيبوس المحدث، ونقوس الذي كان يكنى عين الناقص، ورجل من أهل اقريطية يقال له قونيوس، وماغيالوس، وفوخجواقا مع آخرين أطغى منهم، وكان الذي دعاهم إلى اختلاق هذه الكتب الكاذبة على لسان فيثاغورث الفيلسوف واسمه، كي يقبلوا عند الأحداث بسببه فيكرموا أو يؤثروا ويواسوا، فأما كتب الحكيم التي لا ريب فيها فهي مائتان وثمانون كتاباً، وقد كانت منسية، حتى جاء للكيان بقوم حكماء ذوي نية وورع فحصلوها وجمعوها وألفوها، ولم تكن قبل ذلك مشهورة ببلدة لكنها كانت مخزونة في إيطاليا، وقال فلوطرخس أن فيثاغورس أول من سمى الفلسفة بهذا الاسم، ومما يوجد لفيثاغورس من الكتب كتاب الإرثماطيقي؛ كتاب الألواح، كتاب في النوم واليقظة؛ كتاب في كيفية النفس والجسد، رسالة إلى متمرد صقلية، الرسالة الذهبية وسميت بهذا الاسم لأن جالينوس كان يكتبها بالذهب إعظامًا لها وإجلالًا وكان يواظب على دراستها وقراءتها في كل يوم؛ رسالة إلى سقايس في استخراج المعاني، رسالة في السياسة العقلية وقد تعاب هذه الرسالة بتفسير أمليخس؛ رسالة إلى فيمدوسيوس.