فصدقهم السلطان، وعفا عنهم، وفكهم من الحديد.
٦— ما كاد ينقضي على ذلك يوم أو بعض يوم حتى جاءت رسالة من نائب غزة يقول فيها: (أدركونا بالعسكر، قبل أن يملك ابن عثمان مدينة غزة وتتعبوا في خلاص البلاد من يده). فأخذ السلطان طومان باي يستعد للخروج من مصر. وقد استحضر إليه نائب الشام (ملك الامراء) جان بردي الغزالي فخلع عليه، وجعله باشا على العسكر المعينين للتجريدة، غير أن التجريدة لم تخرج في الميعاد المضروب. بل جاء المماليك إلى السلطان وقالوا له: (نحن لا نخرج، ولا نسافر حتى تنفق علينا ثمن جمالنا، وتصرف لنا العليق، وثمن اللحم المنكسر). فاضطربت مصر لهذه الاخبار، وتنكد السلطان للغاية.
٧— وفيما هو في حيرة من أمره اشيع أن السلطان سليم أرسل إلى غزة عسكراً جراراً بقيادة (سنان باشا) و(يونس باشا) و(اسکندر باشا) و(داود باشا) وعدد آخر من امرائه؛ كما اشيع انهم ملكوا مدينة غزة، وأحرقوا منازلها، وان نائب غزة هرب، وان عسكر ابن عثمان زاحف إلى مصر، فنادى السلطان امرائه إليه وقال لهم: ( اخرجوا، قاتلوا عن انفسكم وأولادكم وازواجكم! لم يبق في بيت المال درهم ولا دينار. وأنا واحد منكم. إن خرجتم خرجت معكم. وإن قعدتم قصدت معكم. وما عندي نفقة انفقها عليكم). ثم نادى المنادي قائلاً: (الزعر والصبيان الشطار والمغاربة وكل من كان مختفياً الجرم اقترفه فليظهر، وعليه أمان الله).
٨— رفض المغاربة هذا التكليف، وأبوا أن يقاتلوا السلطان سليم، قائلين: (نحن مالنا عادة نخرج مع العسكر. ولا نقاتل المسلمين. بل نقاتل الأفرنج). فهددهم السلطان قائلاً: (إذا لم تخرجوا وتقاتلوا ابن عثمان، فان المماليك الجلبان يقتلون كل مغربي في مصر، حتى لا يدعوا فيها مغربياً يلوح).
ويظهر أن هذا التهديد من جهة، واستعراض السلطان لجيشه١ من جهة اخرى كان لهما تأثيرهما المطلوب؟ فتقوت قلوب العسكر على القتال، وغادروا مصر، وحاصروا جماعة ابن عثمان الذين بغزة.
- ↑ قال ابن ایاس: «كان مع الجيش يومئذ عجلة من خشب تجرها أبقار، وفيها رماة بالبندق الرصاص. وكانوا نحو ثلاثين عجلة أو فوق ذلك. وعرض جمالا فوقها مكاحل ورماة يرمون بالبندق الرصاص من المكاحل. وعرض طوارق خشب بسبب الرماة بالنشاب».