صفحة:Al-Ḥurrīyah Journal, vol.1-2, 15-07-1924.pdf/62

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٩٠
الحرية

نعم: إن القصد لأعظم مما يتصوره أولئك الذين لا ينظرون أبعد من أرانب أنوفهم فيرمون بالمروق أو الابتداع كل من يأتي بما لم يعرفوه في دفاترهم.

القصد من حفلات التأبين جليل. وفيها من الإجلال والتعظيم للعلم معنى جميل. وهي لا تقام إلا لنوابغ الرجال أصحاب الأعمال السديدة والآثار الخالدة وذوي الأيادي البيضاء والمآثر الغراء.

تقام لهؤلاء وتذكر فيها مناقبهم ويثنى عليهم بما قاموا من الخدمات الجليلة في سبيل العلم والوطن حثا على سلوك طريقتهم واتباع آثار فعالهم وصنائعهم، ودعوة للخلف. بإتمام ما بدأ به السلف.

هذا هو المراد من التأبين وهذا هو معناه في لغة العرب. قال علماء اللغة: «التأبين: الثناء على الشخص بعد موته. والتأبين: اقتفاء أثر الشيء ومنه قيل لمادح الميت مؤبن لاتباعه آثار فعاله وصنائعه».

فهل من بأس أو مخالفة للشرع تترتب عليها مفسدة إذا اجتمع ناس واثنوا على ميتهم وذكروا مناقبه وفضائله ومحاسنه ترغيبا للخلف في اتباع منهجه وسلوك طريقته وقد ورد في الأثر: «اذكروا محاسن موتاكم»؟ واي ذكر لمحاسنهم أحسن من ذكرها في جمع محتشد يجمع المئات أو الألوف من الشيب والكهول والشبان وكلهم يعجبون بسماعها ويستمطرون سحائب الرحمة والغفران لتلك الأرواح الزكية.

إن الشريعة الإسلامية لم تمنع من اجتماعات حيوية كهذه فيها عبرة وذكرى ولا نهت عنها أو قالت إنها من أعمال الجاهلية يجب استئصالها كما يموه الممخرقون فحاشا لله أن تكون الشريعة مثلما يصفها الجامدون المقلدون العمي الصم البكم، على أن العرب قبل الإسلام لم يكونوا يعتدون حفلات