صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/260

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ٢٥٢ - فاضطرار الأقطاب الشيوعيين إلى العدول عن بعض قواعدها الأولية يؤيد مانقول ، ولا ينفى أنها مذهب غير معقول ولا مقبول . ولكننا مع هـذا ندعو إلى الحذر من تصديق كل مايروى عن التطبيقات الشيوعية في الوقت الحاضر ؛ لأن الوصول إلى حقيقة النظم الروسية اليوم من أصعب الأمور ، ولم يسمح قط لرجل مستقل الرأى منزه عن الغرض بالطواف في أرجاء روسيا على حريته بغير رقيب أو دليل ، و إذا سمح له بالطواف في المواطن البعيدة عن الأسرار والخفايا ، فلا ينقضى أسبوع على معاشرته لفرد من الأفراد أو فئة من الفئات إلا أسرع الحاكمون بتبديله و إحلال آخر أو آخرين في محله ، حتى بين السائحين المستقلين وبين أحد من الروسيين صلات وثيقة تطلق عقال الألسنة وتكشف كوامن الصدور . لاتنعقد ولا حاجة بنا بعد هذا وذاك إلى ملاحظات السائحين المستقلين لإدراك هذه الحقائق الغنية عن الدليل ، فحسبنا أن حرية الكتابة مكبوحة في روسيا منذ نيف وعشرين سنة لنعلم أن بواطن الأمور غير ظواهرها وأن رعايا الشيوعيين لا يملكون الإفضاء بما في ضمائرهم لأبناء وطنهم ، فضلا عن الغرباء الطارقين الذين يحاطون بالرقباء والأدلاء من قريب وبعيد ولا نزال نذكر الفكاهة التي رويت على لسان الفلاح الروسى حين سمح له بالتحدث إلى العالم الخارجي من محطة الإذاعة العامة على شريطة أن يفوه بكلمة واحدة ولا يزيد عليها ، فكانت كلمته التي جمعت كل ما أراد الإفضاء به إلى العالم الإنساني كله هي : « النجدة ! » ولاذ بعدها بصمت الأموات . فحسبنا أن المذهب في أصول النظرية غير معقول ، وأن أقطابه لا يقدرون على تطبيقه إلا بعد الانحراف عنه والتعديل فيه ، وأن الأقوال التي تصل عنه إلى العالم الخارجي لاتخلو من حجر ورقابة ، وهذه كلها حقائق متفق عليها حسبنا كما قلنا أن نعلمها لنعلم أن الحذر من تصديق ما يقال هو أقل ما تقابل به تلك الأقوال .