صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/241

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

التي لا يخافها غيره !! إنه لا يخالف غيره إلا لاختلاف البواعث النفسية دون الاختلاف في الغايات التي قد يتفقون عليها من جانب التأمل والتفكير المال يطلبه الإنسان لباعث قبل أن يطلبه لغاية ، ومن بواعث طلبه الخوف والمنافسة والطموح وحب الكسب للكسب ، كما يفرح اللاعب بالرهان الذي ليس من ورائه طائل ، وهنا موضع التحذير للمصلحين الذين يعالجون مسألة الغنى والفقر على أساس الأرقام والقواعد الاقتصادية ويغفلون علاجها على أساس الشعور والبواعث النفسية . فأنت إذا أعطيت الفارس قصبة السبق قبل دخوله الميدان لم ترحه ولم تعطه ما يريد ؛ وإذا منعت المتنافسين أن يتنافسوا لأنك ضمنت الرزق لأبنائهم أو ضمنت الأمان لهم في عقباهم لم تستأصل أسباب التنافس ولم تعطهم الحياة التي جعلتهم يتنافسون . إنما الواجب أن ندع الناس يطلبون المال كما يطلبون العلم أو يطلبون الجاه أو يطلبون السرور أو يطلبون الفرص النادرة والمقاحم المجهولة ، وليس علينا أن نسألهم لماذا يطلبونه ، وإنما علينا أن نمنعهم إنفاقه فيما يضير الآخرين ، فغاية ما يحق للمجتمع في هذا الصدد أن يحرم الغش والجور وتخويل أناس بغير حق مايحرمه غيرهم من العاملين . كان أوليفر لودج عالما رياضياً من الطراز الأول ، وكانت له بحوث مشهورة في مخاطبة الأرواح وما وراء المادة ، وربما انصرف أحياناً من الرياضيات والروحيات إلى المباحث الاجتماعية وشئون الثروة والسياسة ، ولكنه كان يأتي فيها إذا انصرف إليها بمقطع الرأى وفصل الخطاب، لأنه بعيد من الهوى والتشيع لهذا المذهب أو ذاك... فمن نصائحه في هذا الباب أن تتولى الدولة مراقبة المال كما تتولى مراقبة السلاح ، لأن الخطر من سوء استخدام المال لايقل عن الخطر من سوء استخدام السلاح ، وربما ظهرت جريمة السلاح بعد اقترانها بقليل ولقى صاحبها من الجزاء ما فيه عبرة لغيره ؛ أما جريمة المال فقد ينقضى العمر وهى خافية ؛ وقد يقترفها أناس بعيدون من الشبهات لأنهم ليسوا من حثالة الخلق الذين يعتدون بالخناجر والمسدسات .