صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/240

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۲۳۲ - من تبديد أبنائهم الثروتهم أكثر جـداً من الذين يموتون وهم مطمئنون إلى حسن التصرف ودوام الحال . كان العلامة يعقوب صروف ، طيب الله ثراه ، يوصيني كلما لقيته أن أدخر وأن أحسب حساب المال والثراء ، وكأنه أنس منى التواني في الإصغاء إلى هذه النصيحة فروى لى حديثا جرى بينه و بين تاجر من كبار التجار السوريين العصاميين رآه مشغول البال معنى بما يخشاه على ثروته وأبنائه بعد موته من تقسم و بوار . قال : وهكذا الدنيا دواليك بين جيل عصامي يجمع ، وجيل عظامي يضيع ما جمعه الآباء ، ويأتى بالمعذرة لمن يتركون الأبناء فقراء ناشطين في طلب الجاه والثراء . قال العلامة صروف : ومنذ أيام طرق علينا الباب أبناء صاحب من أصحابنا مات فجأة وليس في الدار ما يشيعونه به إلى لحده ؛ وكان هـذا الصاحب مفراحاً ، يأكل ما يشتهى و يلبس الفاخر من الثياب ، و يطعم أبناءه أحسن مطعم ، ويكسوهم أجل كسوة ، ويقضى سهراته بينهم ضاحكا متهللا على صينية من الحلوى أو الفاكهة وهو لا يشغل باله لحظة بما يكون ، ولا يبالى بعد موته ما يأكلون ويشربون . فأي الأبوين أسعد ؟ وأي الأبناء أحظى بحسن المصير ؟ وهذا السؤال الذي سأله الدكتور صروف سيظل أبد الزمان مسئولا يجيبه ر من يشاء كما يشاء ؛ ولكنه جواب لن يجعل المفراح مشغولا ً بتوريث أبنائه ، ولا المشغول بتوريث الأبناء مفراحاً ينعم بالحاضر ولا يعني" نفسه بالغيب المجهول . فخديعة من خدائع النفس أن تعلل حرصها على المال بحب الأبناء ، ولو كان حب مانعاً أن ينفق الإنسان كل ما عنده لكان حبه لنفسه وخوفه على غده أحرى أن يمنعه ويقبض يديه ، ولكنها خديمة النفس كما نقول تتراءى لهـا في مختلف الذرائع والتعلات . إنما تفسر أعمال الإنسان بالبواعث والدوافع قبل أن تفسر بالنتائج والغايات . و إذا قيل لنا إن فلاناً يجمع المال لأنه يخاف عاقبة الفقر ، قلنا : ولماذا يخاف هذه العاقبة