صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/239

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الآباء للأبناء ، وقد يهمل الإنسان رزقه ورزق أبنائه ليتابع الدرس ويتقصى مسألة ، وهو على يقين أنه لن يخلف لأبنائه زاداً من علومه ودروسه من مسائل العلم والمعرفة ، إلا ما يخلف المعلمون للمتعلمين ، وقد يفوتهم . منه حتى هذا النصيب . و بين طلاب المال من بلغ أرذل العمر وليس له عقب ولا هو ممن يبسطون الكف بالإنفاق فيخشى نفاد ماله الكثير ، ومنهم من لو بسط يده بالإنفاق عشرات السنين لمـا خشى على ماله النفاد .

أعرف رجلاً له نظراء كثيرون كان يملك القصور ويدخر الأموال في المصارف وله معاش لا ينقطع من خزانة الحكومة ، وهو مع هذا يبخل على نفسه بالقليـل و يعيش معيشة الفقراء ، و يراه الحوذية في الطريق فيهربون منه لأنه يأبى أن ينقدهم الأجر إلا على حساب ما تعود قبل أربعين أو خمسين سنة ... يوم كان للمليم سعر القرش في هذه الأيام . وأعجب العجب أن هذا الرجل الشحيح كان مجدوداً في أوراق المصارف التي يناط بها النصيب فكان يربح جوائزها الأولى من حين إلى حين . وحدث مرة أن وكيله تسلم جائزة من هذه الجوائز وأخر إيداعها المصرف الذي يعاملونه بضعة أيام ، فلما راجع الغنى الشحيح حسابه قطع أرباح الجائزة في هذه الأيام القليلة من مرتب الوكيل المسكين ، وهو شيء يبذله من يربح مثل هذه الجائزة هبة لمن يحمل إليه بشارتها • يندم عليه . ولم يكن لهذا الرجل عقب ولا كان له مطمع في العيش الطويل بعـد السن التي ارتفع إليها ، ولكنه يطلب المال لأن طلب المال شهوة ولا يشترط أن تتعلق بالإنفاق والتوريث . ولو نظر الناس إلى الواقع في أمر الورثة لما حرصوا على ترك المال بعدهم للابناء والأحفاد ؛ فإن أبناء الفقراء الذين عاشوا في الدنيا عيشـة راضية بغير ميراث يبلغون أضعاف الوارثين عدة سواء ورثوا الكثير أو القليل ، وأن الذين أشقاهم الميراث لا يقلون عن الذين سعدوا به وحفظوه أو زادوا عليه ، وأن الذين يموتون وهم خائفون .