صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/232

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ٢٢٤ - إن أناساً من هؤلاء الأوربيين أفزعتهم بلادهم في القرن الثاني عشر وما بعده فحلموا بالشرق كما يحلم أكل الأفيون بما يراه في غيبوبة الخدر والجمود ، ونحلوه صفات ليست منه وليس منها فأعجب الشرقيون بما كتبوه . أو أن أولئك الكتاب الأوربيين قد تخيلوا أبطالهم من الشرقيين كما نتخيـل الأبطال الذين تنحلهم في الروايات شمائل نتمنى أن نراها في عالم الحس فيعبينا طلابها . أما الواقع فلا . الواقع أننا نحن الشرقيين لسنا عاطفيين ولسنا مأخوذين بالروح ولا مفتقرين إلى من يسـوق لنا المواعظ بالإقبال على المادة والانصراف كما يقولون عن الخيال ، ونحن أفرح من طفل بالدرهم وأعجز من طفل عن كسبه في سوق الابتكار . أنحن أهل خيال ؟ . سمع الله منكم أيها القوم ! . لقد عشنا عصرنا الحديث نضرب المثل « بالجرسون » الرومي في الحرص على المليات ، ولو رأينا معاهـده في بلاده وفي بلادنا لعرفنا من صاحب الحرص ومن صاحب الأريحية وإن اختلفت العوارض والأشكال . وربما ألقينا بقطعة اللحم من الفم لنزدرد قطعة اللحم التي في الماء ..! - أخيال هذا ؟ . كلا ! ولا النحاس الذي يستحيل ذهباً ولا الصفقة التي يدركها الصعود في سوق القطن فتفتح الكنز كله بعد يوم . مافي شيء من هذا خيال و إنما هو كله واقع العاجزين .

و بعد فنحن في عصر اضطراب الثقافات وارتجاج الأخلاق والمزايا لاجرم يخطر لنا أن ننظر فيما يصلح وفيما لا يصلح ، وفيها تعز به النفوس وفيها تهون ، وأن نسأل أنفسنا ماذا نأخذ وماذا ندع مما يتمخض عنه عراك الأمم والدولات .