صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/230

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

-- ۲۲۲ - لا تتحرك ولا تأتى بالفلق إلا أن تقدم بها عاطفة مجازفة لا تبالى العقل ولا تحفل السلامة والذي كان يسمعه رحمه الله يقسم حسبة الطيارة إلى كومين : كوم العاطفة وكوم العقل ، يخيل إليه أننا نحن الشرقيين قد ظفرنا منها بكل ما فيها من عاطفة وهمة وطموح ومغامرة واستطلاع ، ولم يبق منها للغربيين غير حفنة من مسامير ومطـارق وأرقام ، هي التي يرتع فيها العقل ما يشاء !

والآنة كلها من أوربة نفسها . فقبل اتصال أوربة بالشرق لم يقل أحد من الشرقيين إن الشرقيين أهل أحلام وخيالات ، وإنهم من رجال العاطفة وغيرهم من رجال العقل والواقع . ولكن الأوربيين وصفونا هذه الصفة فاغتررنا بها ومضينا فيها ، ولا سند لهـا على الأرجح أقوى من ألف ليلة وليلة وما جرى مجراها من القصص والنوادر ، وهى كما نعلم ليست « بالخيال » في أي سمة من سماته ولكنها « واقع » مع إيقاف التنفيذ كما يقولون في لغة القانون ! أوهى أحلام الجائع في سوق الطعام ، لافرق بينها و بين الواقع ه إلا أن الجائع يستطيع الأكل فعلا ، وهو عاجز عن الأكل لأن الأكل غير موجود! . فالخيال المزعوم عند الشرقيين هو « واقع ناقض » لا يحسب له فضل الواقع ، ولا يحسب له فضل الخيال . ولو كان خيالا حقا لكان ابتكاراً وخلقاً وسمياً إلى عالم جديد ولم يكن واقعاً في كل شيء إلا في أنه غير موجود . فنحن واقعيون مفرطون في الواقعية . وكل الفرق بيننا وبين الأوربيين أن الأوربيين واقعيون يجدون المائدة التي الهواء . . . ومن الخطأ الخطأ من يأكلونها ، ولكننا نحن واقعيون نمضغ مائدة أن نستى من أجل ذلك خياليين أو حالمين . ... حد