صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/214

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۲۰۶ - والتناول من وجوه مختلفة ، وليس له آوان يفوت بفواته. فإذا شغلتنا موضوعات أخرى عن تناوله في الأيام الماضية فليس ما يمنع اليوم أن نبدى الرأي فيه . رأينا أننا نخالف الأستاذ مخالفة النقيض للنقيض ، ونعتقد أن العصر الحديث أغنى بالبطولة والنبوغ من كل عصر سلف بغير استثناء ولا تحفظ ولا تغليب للظن والاحتمال . و إنه ليس أسهل ولا أقرب من ظهور خطأ المتشائمين فيما وصلوا إليه من نتيجة ، لأنه ليس أسهل ولا أقرب من ظهور الخطأ فيما اعتمدوه من قياس . إن الوجه في المقارنة بين جيل وجيل أن نحصر الزمن وأن نحصر المزايا ، وأن نحصر العناصر التي تقوم عليها شهرة الأدباء أو الأجيال . وهذا الذي ينساه المفاضلون بين عصرنا الحديث والعصور الغابرة كل النسيان . فمن أمثلة ذلك : « هل تجد في الشعر أمثال بشار وأبي نواس وابن الرومي وابن المعتز وأبي العلاء ؟ » . سر واحد من عصر فالذين يسألون هذا السؤال يحسبون الماضي كله عصراً واحداً يقابله - الحاضر هو العصر الذي نعيش فيه ... وينسون أن الزمن الذي نشأ فيه بشار والمعرى يمتد من أواسط القرن الثامن للهجرة إلى أواسط القرن الخامس أي نحو ثلاثمائة سنة !. وينسون أن المكان الذي نشأوا فيه يمتد من العراق إلى الشام ، ومن الحضر إلى البادية وينسون أن العصر الحاضر الذي نعيش فيه لا يمتد إلى أكثر من أربعين أو خمسين سنة وهو الزمن الذي يبدأ بفتوة الشاعر وينتهي بوفاته . و إنما الوجه أن يحضروا أربعين أو خمسين سنة من العصور القديمة ، ثم يعقدوا المقارنة بين هاتين الفترتين ، فأنهم ليدركون إذن حقيقة التفاوت بين عصرنا الحاضر و بين كمل عصر من ، تلكم العصور . كذلك ينسى النعاة على المحدثين أن يسألوا أنفسهم : ما هي المزية التي كان بها النابغ القديم « أنبغ » من قرينه الحديث ؟ فلا يسألون مثلا : ماهو كتاب الجاحظ