صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/131

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ۱۲۴ - وكل دين من أديان الكتب المنزلة يؤمن بالصراع بين الملائكة والشياطين ، و بالحرب الدائمة بين جنود وجنود إبليس وكل ساعة من ساعات الضمير فهي مصارعة ومغالبة قلما تنتهى بالنصر الحاسم لجانب من الجانبين . وما هي حياة الضمائر إن لم تكن حياة العراك والمقاومة والانتصار ؟ وما هي أسرار الكون إن لم تكن أسرار التجاذب والتدافع بين دواعيه ونواهيه ؟ فالنضال أصيل في روح الدين . والتقاء التدين وطلب الغلبة وطلب التعبير فترة واحدة أو فترات متعددات في النفس « المتطورة » ليس بالأمر الغريب ولا باللغز العسير التعليل . وكم أديب مناضل وجندى يحمل السلاح وهو غير مطبوع على النضال ! وقد تركت أمل القيادة العسكرية منذ الصبا الباكر ولكني لم أتركه إلا في الظاهر الذي لا يتعدى الملابس والأزياء . فما هو إلا أن أسامتنى المناوشات الصبيانية إلى نظم الشعر للتحدى والمناجزة حتى انتقلت إلى عالم التعبير والكتابة وانتقلت إلى هذا العالم الأدبى لأناضل وأقضى العمر كله في نضال باطن بيني و بين نفسي ونضال ظاهر بيني و بين الآخرين . فما الغرابة في التوفيق بين هذه الأماني ؟ وما الصعوبة في هذا التوفيق ؟ وأيهمام سهل وأدنى إلى القبول : تعليل كل أمنية بالطموح وليس هو بالتعليل الشـافي ولا بالتعليل الصحيح ، أو النظر إلى ما وراء الطموح من بواعث متقاربات تتلاقى عندها الظواهر المتباعدات ؟ الراحة الكبرى تنال على جسر من التعب كما قال أبو تمام ، والسهولة الكبرى في تعليل الحقائق تنال بعد خطوات من السهولة العارضة على وجه الأمور، ولكنها بعد اجتياز هذه الخطوات أسهل من كل سهل قريب ، لأن هـذا السهل القريب لا يؤدي إلى شيء ولا يستريح الواقف لديه . .