صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/118

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

-- ۱۱۰ – فإن الوحوش المشهورة بالقسوة لا تعرف وسيلة غير البطش والضراوة لتحصيل العيش ومكافحة الأعداء ، وكل بطش فهو إلى القوة الآليـة أقرب منه إلى الخصال النفسية والملكات العقلية . فالفرق يسير بين صدمة الحجر وضربة الوحش من هياجه ، فهي – أي القسوة – أدنى الوسائل التي لا وسيلة دونها ، ثم تترقى وسائل الا ل الأحياء درجة بعد درجة حتى يكون استغناؤها عن القسوة بمقدار ارتقائها في تلك الدرجات . ومن ثم يصح أن يقال إن القسوة عجز وفقدان وسيلة ، وإنها من البدائيات التي يوشك أن تلحق بالآلة والجماد . فالإنسان يقسو لأنه عاجز عن الرحمة ، ولا يناقض قولنا هذا قول المتنبي : والظلم من شيم النفوس فإن تجد ة فلعلة لا يظلم فإن بيت المتنبى معناه أن الظلم أيسر الوسائل وأقربها : أيسرها لمن لا يتيسر له ما هو أصعب منها . وهذا هو بعينه ما نذهب إليه حين نقول إن القادر على الصعب ذا عن لا يهبط إلى ما دونه ، و إن القادر على الرحمة مستغن عن التقتيل والتخويف . إن الماء لا يحتاج إلى تدبير و إتقان لينحدر من الأعلى إلى الأسفل . ذلك هو أيسر الطرق أمامه وأقربها إليه ؛ ولكنه محتاج إلى التدبير والإتقان ليصعد من الأسفل إلى الأعلى . فالظلم كانحدار الماء قريب ؛ والرحمـة كارتفاع المـاء صعب ، ولكنه أدل على الاقتدار .

ومن آيات الطبيعة التي نستفيدها منها في هذا المعنى أن الرحمة تزداد في الأحياء كلما ازداد الشبه بينها و بين الإنسان في الغريزة الاجتماعية . فالرحمة معروفة بين الحيوانات الاجتماعية في العلاقة بين والدها ومولودها ، وفي العلاقات بين الفرد منها وسائر أفرادها ، وفي العلاقات بينها و بين الآدميين . ومؤدى هـذا أن الرحمة وغريزة الاجتماع متلازمتان ، فكيف تكون مرضاً