صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/117

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الرحمة قوة

أصبح ما يقال إن الرحمة من أخلاق الضعفاء ، وإنها أبعد الصغات عن الأقوياء ، وإن الإنسان كلما ازداد قوة ازداد قسوة ؟... فهل تتفضل يا سيدى بالإجابة على سؤالى هذا ؟

  • * *

هنا من شيمة الضعفاء وجواب على سؤال الأستاذ الفاضل أن الرحمة قوة وليست بضعف ، لأن الرحيم يعطى من فيض نفسه من يحتاجون إلى رحمة ، ولا تملك النفس فيضة تعطيه إلا وهي ممتلئة تستغني عن جزء من ذخيرتها لإسعاف غيرها ، وليس والرحمة كلاءة ورعاية ، ومن يكلا غيره و يرعاه فليس هو بالضعيف . وينبغي أن ترجع إلى الطبيعة ، لنعلم ما هو طبیعی . ينبغي أن نرجع إلى الطبيعة لتعلم الخلق الأصيل والخلق الذي هو عاهة طارئة أو نقص کین . والطبيعة تقول لنا إن الرحمة ركن من أركانها في أداء غرض من أهم أغراضها . بل هو أهم أغراضها على الإطلاق ، وهو حفظ النوع وتجديده ، وتعهد الأبناء الصغار إلى يوم استغنائهم عن معونة الأولياء الكبار . فكل والد رحيم بغير اختياره : رحيم باختيار الخالق الذي خلقه وسخره لفظ نوعه وكيف يقال إن الطبيعة تعتمد على الضعف في طلب البقاء ؟ أو تعتمد على الضعف في غرزة أصيلة بوشك أن يتلاق فيها الإنسان وسائر الأحياء ، ممن جعل ولو قليلا على سلم الأرتقاء ؟ لو قلنا إن القسوة عجز وليست بقوة لما أخطأنا الدليل على ذلك من طبائع الأحياء التي عهدت فيها الضراوة وخلت طبائعها من الرحمة وما يماثلها .