صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/119

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۱۱۱ - وهى أصل من أصول الأخلاق الاجتماعية ؟ وكيف يتركب في البنية ما هو مرض أو انحراف مناقض لأساس التكوين ؟ عن على أننا خلقاء أن نميز بين الرحمة و بين الاضطراب الجسدي الذي يعجز صاحبه احتمال المؤلمات والمشقات ، فيخور ويبكي حين يرى ما يؤلم أو يتعرض لمـا يشق عليه . وليس من الضروري مع هـذا أن يرحم المتألم أو يعينه أو ينفعه بعطفه ، وإنما هو عجز عن احتمال الآلام المشهورة كالعجز عن احتمال الآلام المشهودة كالعجز عن احتمال الهواء والاضطلاع بالمتاعب ، وبين الرحمة وهذا النقص بون بعيد . إن المرأة الهستيرية التي يغشى عليها حين ترى جريحاً يتألم ، ليست بأرحم لذلك الجريح من الطبيب الذي يفتح جراحه ويزيده ألما على ألمه . فالذين يزعمون أن الرحمة ضعف أو مرض ، إنما يلتبس عليهم الأمر بين هذه الحالة الهستيرية التي هي ضعف ، وبين الرحمة التي هي قوة ، لأنها حماية لضعف الآخرين . و إن الرجل الذي يبطش بالضعفاء لأقوى الضعفاء ، ولكن أقوى منـه وأرجل منه وأرفع منه ذلك الرجل الذي يغلب الأقوياء لينقذ الضعفاء من أيديهم ، ويريهم قوة أكبر من قوتهم ، لأنها لا تكتفى بالقسوة على الضعيف ، ولا تحجم عن زجر القوى ، وزجرة أحوج إلى القوة وأدل على الاستغناء . وإنما رجل الدنيا وواحـدها من لا يعول في الدنيا على رجل نعم ، وأرجل منـه من يعول كل الرجال عليه ، ومن يبسط جناحيه على كل من حواليه . وآية أخرى من آيات الطبيعة في هذا المعنى أنك لا تجد مندريا بالرحمة إلا وهو محتاج إلى رحمة الرحماء . « فردريك نيتشه » : رسول القسوة وأكبر النـاعين على الرحمة في العصور الحديثة ، قد عاش سنوات ولا سند له في الحياة غير رحمة امرأة عجوز ، وهى أمه ؟