صفحة:نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان (1966) - محمد العربي التباني.pdf/79

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

٧٨

واجتمعت الخوارج بأرَّجان وبايعوا أميرًا آخر وهو الزبير بن علي من بني سليط بن يربوع فخطبهم وشجعهم وتحملوا لمحاربة المهلب فنفحهم نفْحة فرجعوا وأكُمنوا للمهلب مائة في غمض من غموض الأرض ليقاتلوه قريبًا من عسكره فخرج المهلب يطوف على عسكره ويتفقده فوقف على جبل فقال: إن من التدبير لهذه المارقة أن تكون قد أكَمنت في سفح هذا الجبل كَمينًا، فبعث عشرةَ فوارس فاطلعوا على المائة، فلما علموا أنهم قد علموا بهم قطعوا القنطرة ونجوا وكسفت الشمس فصاحوا بهم: يا أعداء الله، لو قامت القيامة لجدَدْنا في جهادكم فيئسوا من المهلب، فذهبوا إلى ناحية أَصْبهان ثم كرروا راجعين إلى أَرَّجان، وقد جمعوا جمعًا عظيمًا، وكان المهلب يقول: كأني بهم وقد جمعوا لكم جموعًا فلا ترهبوهم فَتَخْبُثَ قلوبكُم، ولا تغْفَلُوا الاحتراس فيطمعوا فيكم، فجاءوه من أَرَّجان فألفَوْه مستعدًا آخذًا بأفواه الطرق فحاربوه فظهر عليهم ظهورًا بينًا، فقال شاعر تميمي من بني رياح بن يربوع:

سَقَى الله المهلَّبَ كُلَّ غَيْثٍ
مِنَ الوَسْميِّ يَنْثَجِرُ انْثِجَارَا
فَمَا وَهَن المهلَّبُ يَوْمَ جَاءتْ
عوابسُ خَيلهم تَبْغِي الغِوَارا

وقال المهلب يومئذٍ: ما وقعت في أمر ضيق من الحرب إلا رأيت أمامي رجالًا من بني الهُجيم بن عمرو بن تميم يجالدون وكأن لحاهم أذناب العقاعِق وكانوا صبروا معه في غير موطن وحمل يومئذٍ الحريش بن هلال التميمي على قيس الإكاف، وكان قيس من أشجع فرسان الخوارج فطعنه فدقَّ صلبه، وقال:

قيس الأِكافِ غَدَاة الرَّوْع يَعْلَمُني
ثَبْتَ الَمقام إذا لاقَيْتُ أقراني

ثم ولى مصعب بن الزبير المهلب على الموصل وصرفه عن حرب الخوارج، وولاها عمر بن عبيد الله بن معمر كما تقدم، ثم اضطربت بعد ذلك الأمور، واختلفت الأمراء على العراق، وطمع فيه الخوارج إلى أن جاء الحجاج أميرًا عليه من قِبَلِ عبد الملك، فخطب أهل العراق، ووبخهم على عدم مناصحتهم الأمراء