صفحة:نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان (1966) - محمد العربي التباني.pdf/77

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

٧٦

لَحْرِيشَ بنْ هِلاَل فحمل رجل من الخوارج على رجل من أصحابه فقتله، فحمل عليه المهلب وطعنه فقتله، ومال الخوارج بأجمعهم على العسكر، فانهزم الناس، وقتلوا سبعين رجلًا، وثبت المهلب وأبلى المغيرة ابنه يومئذٍ بلاءً حسنًا، وحمى المهلب أدبار المنهزمين، وحال الليل بينهم وبات في ألفين من أصحابه، فلما أصبح رجع إليه بعض المنهزمين، فصار في أربعة آلاف فخطبهم، وقال: والله ما بكم من قلة، وما ذهب عنكم إلا أهل الجبن والطَّمع والطَّبَع: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ}[آل عمران:140] فسيروا إلى عدوكم على بركة الله، فقال له الْحَرِيشُ بنُ هِلال: لا تقاتلهم إلا أن يقاتلوك؛ فإن بأصحابك جراحًا، وقد أثخنتهم هذه الجولة فقبل منه ومضى المهلب في عشرة من أصحابه حتى أشرقت على عسكر الخوارج فلم يرَ منهم أحدًا يتحرك فارتحل فعبر دُجَيْلًا واستراح بالناس ثلاثة أيام فقال ابن قيس الرُّقَيَّات في ذلك:

ألاَ طَرَقَتْ مِنْ آل بْيَبةَ طَارقه
على أنها مَعْشُوقَةُ الْدَّلِّ عَاِشٍقَهْ
تَبيتُ وأرضُ السُّوسِ بيني وبينها
وسُولاَفُ رُسْتاقٌ حَمَتْهُ الأزَارِقه
إذا نحْنُ شِئنا صَادفتنا عَصَابةٌ
حَرُورِيَة أضْحَتْ من الدين مارفة
أجازَتْ إلينا العَسكَريْن كليْهما
فباتت لنا دون اللحافِ مُعانقه

ثم زحف إليهم في اليوم الرابع وهم بِسِلّى وَسِلَّيْرَى1 اسمي موضوعين، فنزل قريبًا منهم، فقال لهم أميرهم ابن الماحوز: ما تنتظرون بعدوكم، وقد هزمتموهم بالأمس وكَسَرْتم حَدَّهم؟ فخرج مائتان منهم إلى عسكر المهلب فحزَرُوهم ورجُعوا، وأمر المهلب أصحابه بالتَحَارُس حتى إذا أصبح ركب إليهم على تعبئة صحيحة فالتقوا وتصافَّوا فخرج منهم مائة فارس فركزوا رماحهم بين الصفين، واتكئُوا عليها، فأخرج إليهم المهلب أمثالهم ففعلوا مثل ما فعلوا لا يَريمون إلا للصلاة حتى أمسوا، فرجع كل قوم إلى معسكرهم ففعلوا هذا ثلاثة أيام،


  1. ضبطها الأخفش بفتح السين فيهما، وهما موضوعان بالأهواز وبسلى: موضوع بالبادية.