صفحة:نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان (1966) - محمد العربي التباني.pdf/67

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

٦٦

الحجاجَ في جيش إلى ابن الزبير فحاصره بمكة، ونصبوا المجانيق على أبي قُبَيس وقعيقعان يرمون بها أهل مكة فقاتل الشاميين قتالًا شديدًا حتى تفرق عنه أصحابه، وأخذوا الأمان فبقى وحيدًا مدة، ودخل المسجد وجلس يصلي يومًا فرمى أهل الشام الكعبة بالمنجنيق وهم يقولون:

خطارة مثل الفَنِيقِ الُمزْبد
يرمي بها عْوَّاذَ أهل المسجد

فلما رأى ذلك ابن الزبير خرج إليهم بسيفه وقاتلهم قتالًا شديدًا حتى جفَلوا من قدَّامه مثل النعام، فناداه الحجاج: ويلك يا ابن الزبير، اقبل الأمان، وادخل في طاعة أمير المؤمنين؛ يعني: عبد الملك، فرجع ودخل على أمه أسماء بنت أبي بكر وكانت إذ ذاك عمياء عمرها مائة سنة، فقال لها: ما تأمريني به؛ فإن القوم قد أعطوني الأمان؟ قالت: أرى أن تموت كريمًا ولا تتبع فاسقًا لئيمًا، وأن يكون آخر نهارك أكرم من أوله، قال: أخشى أن يمثلوا بي بعد الموت، قالت: إن الكبش إذا ذبح لا يضره السلخ فقبَّل رأسها وودعها، وضمته إلى نفسها، فخرج من عندها، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس؛ إن الموت قد تغشاكم سحابه، وأحدق بكم ربابه، واجتمع بعد تفرق، وأرجحنَّ بعد تمش ورجس نحوكم رعده وهو مفرغ عليكم ودقه، وقاد إليكم البلايا تتبعها المنايا، فاجعلوا السيوف لها غرضًا، واستعينوا عليها بالصبر، ثم اقتحم يقاتل، وهو يقول:

قد سن أصحابك ضرب الأعناق
وقامت الحرب لها على ساق

وحمل يقاتل وحده حتى أخرجهم من المسجد، وخاض في وسطهم إلى أن بلغ الحجون، وكلما اجتمعوا عليه فرقهم وذادهم حتى أثخن بالجراحات، وجاءه حجر من المنجنيق فأصابه في جبهته فسقط، فبادر إليه أهل الشام فقطعوا رأسه، وكان حين يحتمل عليهم فيهزمهم، يقول: يا له فتحًا لو كان معي رجال، أو كان أخي