صفحة:نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان (1966) - محمد العربي التباني.pdf/55

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

٥٤

قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما استلت السيوف، ولا زحفت الزحوف، ولا أقيمت الصفوف حتى أسلم ابنا قَيْلة؛ يعني: الأوس والخزرج.

ولما اجتمعت الأحزاب من قبائل العرب وحاصروا المدينة مع قريش في غزوة الخندق أشفق النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين فرأى أن يخفف عنهم بعض هذا الجيش فأرسل إلى عيينة بن حصن الفزارى والحارث بن عوف المرى وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بقومهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك، فلما أراد أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج فذكر ذلك لهما واستشارهما فقالا له: يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لا بدَّ لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ قال: «بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وتألبوا عليكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر مَّا»، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة، إلا قِرًى أو بيعًا أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له وأعزَّنا بك وبه، نعطيهم أموالنا، والله ما لنا بهذا من حاجة لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنت وذاك»، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتابة، ثم قال: ليجهدوا علينا.

ولما سار صلى الله عليه وسلم إلى قافلة قريش، ووصل قرب بدر فبلغه أن قريشًا خرجوا في جيش لمنع قافلتهم استشار أصحابه؛ لأنه ما خرج بهم إلا للِعيْر ولم يكونوا على استعداد فأجابه عُمر والمقداد من المهاجرين كما تقدم في ترجمة المقداد، فكرر الاستشارة يريد جواب الأنصار؛ لأنهم أكثر ذلك الجيش؛ ولأنهم