صفحة:نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان (1966) - محمد العربي التباني.pdf/54

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٥٣

في الإسلام، ثم قال: «أبايِعُكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم»، فأخذ البراء بن معرور بيده، وقال: نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزُرَنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحرب وأهل الْحَلْقة ورثناها كابرًا عن كابر، فقال النبي: «أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيبًا ليكونوا كفلاء على قومهم» ففعلوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للنقباء: «أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل على قومي» يعني: المسلمين من المهاجرين، فقالوا: نعم، قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري: يا معشر الخزرج، هل تدرون علامَ تبايعونه؟ قالوا: نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر، والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نَهِكَت أموالكم مصيبةً وأشرافَكم قتلًا أسلمتموه، فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزىُ الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة، فقالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لَنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفَّينا؟ قال: «الجنةُ»، قالوا: أبسط يدَك فبسط يده فبايَعوه، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «أرفَضُّوا إلى رحالكم»، فقال له العباس بن عُبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق إن شئت لنَميلنَّ على أهل منى غدًا بأسيافنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم نؤمر بذلك ولكن أرجعوا إلى رحالكم»، وهذا غايةٌ منهم رضي الله عنهمْ في النجدة، وكمال الإيمان؛ فإن مَن بمنى حجيج كثير من جميع قبائل العرب يريدون أن يقاتلوهم بهذا العدد القليل.

وقد وفوا رضي الله عنهم فخاضوا معه غمار الحرب وركبوا إليها كل ذلول وصْعب، وأزاحوا عن سبيل هذا الدين كل عقبة وكرب فسماهم الله بالأنصار وأثنى عليهم بمحبتهم من هاجر إليهم وبعدم حسده على ما أوتي وبالإيثار وجزاهم الله جزاء الأبرار، وأسكنهم الفردوس الأعلى دار القرار.