صفحة:نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان (1966) - محمد العربي التباني.pdf/53

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

٥٢

فنهياه عن قتالهم، وقالا: لا تفعل أيها الملك؛ فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة، فقال لهما: ولمَ ذلك؟ فقالا: إنها مهاجَر نبيًّ يخرج من الحرم من قريش تكون دارَه وقرارَه فانتهى عن ذلك، وانصرف عن المدينة إلى بلاده بعد أن تهوَّد.

وكان بدء إسلامهم في السنة الحاديةَ عشرةَ من البعثة قدم منهم ستة نفر حُجاج من الخزرج فدعاهم صلى الله عليه وسلم فيمن دعا من القبائل فأجابوا حالًا وواعدوه العام المقبل وقالوا له: يا رسول الله، إنا تركنا قومنا على عداوة وإنْ يجمعهم الله عليك فلا أحد أعز منك، ثم جاءه في السنة الثانيةَ عشرةَ اثنا عشر رجلًا اثنان من الأوس وعشرة من الخزرج فبايعوه على السمع والطاعة بلا قتال، وأرسل النبي معهم مُصعَب بن عُمير وعبد الله بن أم مكتوم يعلِّمانهم ويصلِّيان بهم، ثم جاءه في السنة الثالثةَ عشرةَ ثلاثة وسبعون رجلًا وواعدوه الليلة الثانية من ليالي مِنى ليلًا لئلا يشعر بهم مشركوهم، ثم لما جاء الليل خرجوا لميعاد رسول الله يتسلَّلون حتى اجتمعوا عند الشِّعب وراء العقبة الكبرى فجاءهم النبي ومعه عمه العباس بن عبد المطلب، وكان إذ ذاك على دين قريش، ولكن حضر أمرَ ابن أخيه ليتوثق له، فتكلم وقال: يا معشر الخزرج، إن محمدًا منَّا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه فهو في عِزٍّ ومنَعة من قومه في بلده وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن أراده فأنتم وما تحمَّلتم من ذلك، وإن كنت ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم، فمن الآن فدعوه؛ فإنه في عزٍّ ومنَعه من قومه وبلده، فقالوا له: قد سمعنا ما قلت يا أبا الفضل، فتكلم يا رسول الله، فخُذْ لنفسك وربِّك ما أحببت، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب