لأنها موطن الجبابرة ومسقط رأس الرومانيين الأولين الذين أسسوا رومة. وقام إليها بنفسه وخطط العاصمة الجديدة فيها ولكنه تراءى له في حلم أن الإله بأمره بالتفتيش عن محل آخر فوقع اختياره على بيزنطة.
وكانت بيزنطة مستعمرة يونانية قديمة أسسها أبناء ميغارة في السنة ٦٥٢ قبل الميلاد للاتجار بحبوب روسية الجنوبية ومعادن حوض البحر الأسود ومصايد البوسفور، فدعا قسطنطين عدداً كبيراً من كبار الأغنياء في بلاد اليونان وآسية للإقامة فيها وأغرى آلافاً من رجال الصناعة والتجارة والفن للغرض نفسه ووزع القمح والزيت مجاناً على السكان، ودعا عدداً من شيوخ رومة القديمة ووجهائها للاقامة في رومة الجديدة فكانوا نواة مجلس شيوخها، وأنشأ فيهـا قصراً إمبراطورياً فخماً وأوغوسطايوم وأحاط هذه الساحة العمومية من جميع جوانبها بالمنشآت العامة. وأقام ملعباً كبيراً وميليونا أي نقطة انطلاق لبعـد المسافات في جميع أنحاء العالم الشرقي وكنيسة كبيرة أسماها كنيسة الحكمة المقدسة وهي غير هذه التي تعرف اليوم منذ عهد يوستنيانوس.
وكان الرسل الأطهار قد أقاموا الأساقفة في عواصم الولايات وفي عاصمة الدولة. وكان أساقفة العواصم قد تقدموا على الأساقفة في الولايات التي انتموا إليها. وكان أسقف رومة القديمة قد تقدم على سائر الأساقفة في الإكرام والاحترام كما سبق وأشرنا. وكان ثيودوسيوس الكبير قد جعل في السنة ٣٨٠ من العقيدة المسيحية عقيدة الدولة ومن الكنيسة كنيسة الدولة فلما اجتمع الآباء القديسون في القسطنطينية في السنة ٣٨١ للنظر في شؤون الكنيسة جمعاء في عهد هذا الإمبراطور وبناء على دعوته رأوا من العدل والإنصاف أن يجيء أسقف العاصمة الجديدة بعد أسقف العاصمة القديمة في الإكرام والاحترام. فجاء في قانونهم الثاني أنه «لا للأساقفة أن يتصرفوا في سياسة الكنائس خارج إدارتهم بل حسب القوانين يجب على أسقف الإسكندرية أن يدير أمور مصر فقط وعلى أساقفة الشرق أن يسوسوا المتعلقات الشرقية فقط حفظ التقـدم لكنيسة الأنطاكيين حسب نص القوانين في مجمع نيقية. وأنه يجب على أساقفة الإدارة