(١٠٤٣ - ١٠٥٨) باستقلال السلطتين وتألفها وتعاونها بل طمع، فيما يظهر، بأكثر من هذا فاحتذى الأرجواني لون السلطة والسيادة الزمنية فاستحق تأنيب بسلوس: «أنت ديموقراطي في نفسك وتجد صعوبة في تحمل الملكية فلا تسعى للتسلط علينا ولا تلعب دور الإمبراطور لأنك إن فعلت ذلك نبذك معظم الناس. قام في ما مضى من جمع في شخصه بين الكهنوت وحماية الشعب (والإشارة هنا إلى ملكيصادق)1 ولكن اليوم ما كان مفرداً أصبح مزدوجاً. فقد ترتب لنا سلطة إمبراطورية وكهنوت»2. ويذكر سكيليجي «Seyltzes» في حولياته (کدرینوس ٢ : ٦٤٣) أن كيريلاريوس قال إن الفرق بين السلطة المدنية وسلطة الكهنوت كان قليلاً وأن الكهنوت كان أشرف من تلك. ولكن الكرسي البطريركي القسطنطيني لم يتسع في أي وقت من الأوقات إلى بابا من نـوع غريغوريوس السابع. فان كيرولاريوس خلع خلعــاً ولم تقم في القسطنطينية لا قيصرية باباوية ولا باباوية قيصرية كما جرى في رومة القديمة في ما بعد.
وقضت ظروف قسطنطين السياسية والعسكرية ببقائه في الشرق أكثر من الغرب. فالقبائل البربرية التي كانت تهدد حدود الدولة في أوروبة كانت تتأثر كثيراً بحركات القبائل الضاربة في مراعي روسية الجنوبية، والأسرة الساسانية الفنية التي كانت قد أعادت إلى فارس نشاطها وطموحها كانت قد بدأت تطمع في ولايات رومة الشرقية لتطل على البحر الأبيض المتوسط. وكانت هذه الولايات الشرقية قد احتفظت بنشاطها الاقتصادي فكانت تؤدي إلى الخزينة مبالغ عظيمة من المال تفوق بكثير ما كانت تؤديه الولايات الغربية. وكانت ولايات البلقان تقدم أفضل الرجال للجيش. ولمس قسطنطين الكبير هذا كله فرأى أن لا بد من إنشاء عاصمـة جديدة في الشرق تسهل الدفاع عن الدانوب والفرات وتضمن الطمأنينة اللازمة للولايات الشرقية مركز الثقل النوعي للإمبراطورية الرومانية. فأراد في البدء أن يجعـل مسقط رأسه نيش عاصمة لملكه ثم اتجهت أنظاره نحو صوفية وتسالونيكية. ورأى بعد ذلك أن طروادة أحق بالشرف من هذه جميعها</>