وجل ما يجوز قوله هو أن بعض أساقفة رومة في هذه القرون الأولى أحسوا بواجب رعائي تجاه الكنيسة الجامعـة. فحاول أحدهم فيكتوريوس (۱۸۹ – ۱۹۹) أن يفرض رأي رومة في كيفية ممارسة عيد الفصح على أساقفة آسية الصغرى وغيرهم من أساقفة الشرق. فاحتج بوليكراتس أسقف إزمير على تدخل فيكتوريوس واستند في احتجاجه إلى العرف الرسولي في آسية وأيـده في احتجاجه مجمع محلي ضم خمسين أسقفاً. وهب إسطفانوس (٢٥٤ – ٢٥٧) بعد فيكتوريوس يوجب على أساقفة إفريقية وآسية والشرق الاعتراف بمعمودية التائبين ويهدد بالقطع. فاحتج كبريانوس أسقف قرطاجة وفرميليانوس أسقف قيصرية آسية على تدخل إسطفانوس وقالا بتساوي الرسل وتساوي الأساقفـة ولا بد من الاشارة هنا إلى أن العبارة «الأولية تعطى لبطرس» والعبارة «الذي يهجر كرسي بطرس الذي عليه أسست الكنيسة» الواردتين في رسالة كبريانوس عن وحدة الكنيسة ساقطتان من بعض النسخ القديمة وأن العلماء الباحثين، وبينهم الكاثوليكي وغيره، يعتبرون العبارتين مدسوستين دساً في عهد متأخر.
وظلت الكنائس كنيسة واحدة على الرغم من هذا الاختلاف في الرأي لأن محبة المسيح شملتها ونار الاضطهاد صهرتهـا فخرجت نقية طاهرة ووقفت جميعها وقفات ثابتة في الدفاع عن استقامة الرأي والرد على الهراطقة والمبتدعين. وكان أعظم هؤلاء وأشدهم خطراً المتهودون والمشبهون والآريوسيون.
ولبّت جميع هذه الكنائس دعوة قسطنطين الإمبراطور فاجتمعت في السنة ٣٢٥ في نيقية برعايتـه واجمعت على دستور إيمـان واحد لا نزال جميعنا نقول به حتى ساعتنا هذه. ونظر الأساقفة المجتمعون في مسائل أخرى كان بينها أمر سلطة الأساقفة واتساع رقعتها فجاء القانون السادس هكذا: «فلتحفظ العادات القديمة التي في مصر وليبيـة وخمس المدن بأن تكون سلطة أسقف الاسكندرية على هذه جميعها كما أن أسقف رومة له هذه العادة أيضاً. وكذلك فليحفظ التقدم للكنائس في أنطاكيـة وفي سائر الأبرشيات وبالإجمال إنـه لأمر واضح أن من يصير أسقفاً بدون رأي المتربوليت فقد حدد المجمع العظيم أنه لا ينبغي أن يصير أسقفاً. وأما إذا خالف اثنان أو ثلاثة لخصام