صفحة:مفيد العلوم ومبيد الهموم.pdf/85

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٦٩

الفلاسفة ان الآلهة ثلاثة المبدأ والعقل والنفس وقضوا بكون العقل والنفس أزليين وينفون الصفات ولا يقولون إن الله حيّ عالم قادر مريد سميع متكلم البتة وزعموا أن الحركات أزلية سرمدية إلى غير ذلك فهم مشركون ملحدون لعنهم الله وزعموا أن أصل هذا العالم أعني عالم الكون والفساد الهيولى بزعمهم جوهر الشيء كالقطن أصل الثوب وعندهم الهيولى الذي هو أصل العالم أزلي قديم لا أول له كان في الأول جزءًا بسيطًا لا عرض فيه ولا تركيب ولا اجتماع ولا افتراق ثم دخلها التركيب العام فالدليل على بطلان قولهم ومذهبهم أن يستحيل في العقول وجوب الفلك المتحرك شمسها وقمرها من غير صانع كما يستحيل حدوث كتابة إلا من كاتب وبناء إلا من بان فالفلك ليس بأقل من الفلك ولا يتصوّر انتظام ألواحها من غير نظام نجار حاذق دليل نفس الإنسان ونفس كل حيوان في الابتداء كانت قطرة ماء ثم علقة ثم مضغة ثم لحمًا ودمًا واحدًا يحول نفسه من حال إلى حال فلا بد من محول حكيم ثم نقول يا أصحاب الهيولى كيف تركيب العالم من الهيولى أبصانع صنعه أم بغير صانع فإن كان بصانع فهو ما قلنا وإن كان بغير صانع فيستحيل في العقل أن تركيب السموات والأرض مزينة بالمصابيح والشمس والقمر من غير تركيب صانع حكيم (دليل آخر) الهيولى شيء واحد وحقيقة واحدة لا يوجب أشياء كثيرة هذا غير معقول فالذات الواحدة لا توجب اجتماعًا وافتراقًا وحركة وسكونًا بذاتها فلو أن سائلًا سأل الفلاسفة عن العلة الأولى وما هي وسبب الامتزاج ما يكون وما هو لا يكون لهم جواب البتة وإن قالوا أنها كانت أجزاء إمّا أن تكون مجتمعة أو مفترقة فإن كانت مجتمعة فاجتماعها لا يخلو إما أن يكون لذاتها أو لمعنى فإن كان لذات لا يجوز تفرقها لأن اجتماعها إذا كان لذات فتفرقها يوجب تلاشيها فلا