صفحة:مفيد العلوم ومبيد الهموم.pdf/75

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٥٩

الحرارة أمره بشرب المبردات والطبيب غني عن شربه لا يتضرر بمخالفته ولا ينتفع بموافقته والضر والنفع يرجعان إلى المريض والطبيب هاد ومرشد فان أطاع المريض الطبيب شفي وتخلص وإن لم يوافق وخالف تمادى به المرض وهلك وبقاؤه وفناؤه عند الطبيب سيان فكما أن الله سبحانه خالق الشفاء سببًا والفناء سببًا وعرفه الأطباء فكذلك خلق السعادة الأخروية سببًا يفضي إليها وخلق المعصية سبب الخذلان ففي كل شيء حكمة أحاط علم الباري بها وقصر علمنا عنها والبرهان أنه يتصرف في ملكه لا يجب عليه اعتراض لواحد يدل عليه إنّ أحدنا ينظر من القدرة الحادثة إلى القدرة القديمة وهذا قياس الملائكة بالحدادين فقدرته أزلية وقدرتنا حادثة مخلوقة فأين يتساويان.

( الباب السابع في القول في الحروف )

إعلم أن هذه مسئلة عظيمة ومشكلة داهية لا يعرفها إلا الفضلاء ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم فالعامي إذا سأل عنها فليزجر فإن سلامة دينه في تركه سؤاله من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وكل مترسم بالعقل تراه يدعو الناس إلى الخوض في الحروف فاعلم أنه مفتون مضل ليس من أئمة الدين فالامام مالك بن أنس رحمه الله ما يحارب في رد السائل الذي سأله عن الاستواء فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة فإن عدت أمرت بضرب رقبتك لان أفهام العوام لا تحتمل هذه الأسرار ولو علم العامي الجلف في ساعة ما علمه العالم بمدار سبعين سنة يكون غنيًا عظيمًا مثال من يدعو العوام إلى الخوض في الحروف مثال من يدعو الصبيان الذين لا يعرفون السباحة إلى الخوض في البحر ومن يدعو المزمن المقعد إلى السير في البراري يدل عليه قوله ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّ وكلام الله تعالى لا تكفيه البحار السبعة وإن